وربما من الأهداف التي يمارسها نظام الأسد علانية، وقلما يتم التطرق إليها، إن عبر الإعلام أو من المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، أن حملات التفقير والتجهيل المنظمة، تقتصر على مناطق الثورة وحواضنها، وتشمل لوناً سورياً محدداً.
ففي حين يستمر نظام بشار الأسد بتوجيه جل الاعتمادات الحكومية لأغراض التعليم بالموازنة العامة، والتي تناقصت من 708 ملايين دولار عام 2010 إلى نحو 66 مليوناً وفق موازنة العام الفائت، يوجهها إلى مناطق سيطرته وحواضنه الاجتماعية، والتي أيضاً يغلب عليها لون سوري محدد.
ولا يكتفي النظام الأبوي الممانع بحرمان السوريين الخارجين عن بيت طاعته، من حقهم بموارد الدولة والموازنة العامة، بل لم تبق مدارس في مناطق المعارضة، بعد أن ألحقت طائراته الضرر بنيف و5 آلاف مدرسة، خرج جراءها نحو 2.8 مليون طفل سوري عن مقاعد الدراسة وصفوف التعليم.
قصارى القول: هل من المصادفة والعفوية بمكان أن يتم تخفيض حصة التعليم من الموازنة العامة، في حين يتم رفع مخصصات القتل واستيراد أسلحة الموت، بل وتغيب خطط إعادة تأهيل وإعمار المدارس عن خطط الأسد، في الوقت الذي يسارع خلاله لترميم مصادر الطاقة وتأهيل آبار النفط ومنح استثمارات سياحية في مناطق الساحل السوري، مسقط رأس الأسد.
لا أعتقد من "البارانويا" بمكان التفكير بالأجيال السورية بعد عقد أو عقدين من الزمن، وقت لا يبقى الأسد ولا نظامه بالسلطة، والبحث في نسب التحصيل العملي مناطقياً وحملة الشهادات العليا لتتبوأ مواقع القرار بمفاصل الدولة، أو حتى البحث بالخلل الذي سيكون بسورية، فيما لو ارتأى العالم المتحضر، أن التقسيم هو الحل الأمثل والممكن لإنهاء المقتلة السورية.
نهاية القول: ربما ليس من الاستحالة إعادة إعمار الحجر بسورية، وخلال سنوات قليلة بواقع التهافت على كعكة الخراب، ولكن كيف سيعاد بناء البشر بواقع ما تقوله دراسات بحثية، من أن واحدة من بين كلّ خمس مدارس في سورية أصبحت غير صالحة للاستخدام، إما لأنها تعرّضت للضرر أو التدمير أو أصبحت ملجأ للنازحين داخلياً.
وما يزيد مستقبل السوريين قتامة، أن نحو 500 ألف و600 ألف طفل سوري لا يتابعون دراستهم في البلدان التي تستضيف اللاجئين السوريّين، وهي طامة أخرى يتحمل وزرها نظام التهجير والقتل، الذي أكدت ثورة السوريين، أن آخر اهتماماته، من الأب فالوريث، الاستثمار بالإنسان أو تكريس طاقات وإمكانات الدولة للتعليم والبحث العلمي، إذ أكد تاريخ السوريين الحديث، منذ انقلاب 1970، أن التجويع والتجهيل هو الحل الأمثل للتوريث والحكم إلى الأبد، لذا، سار الوريث على نهج الوارث فهدمت طائراته المدارس وحول نحو 1800 مدرسة بسورية لمراكز إيواء، ليقتل حتى الحلم بالمستقبل، بعد أن جعل من التعليم بزمن الحرب كما الحج، من استطاع إليه سبيلا.