هكذا ننتقم للمغتصبات السوريات

17 ديسمبر 2017
+ الخط -
قلة قليلة، على ما أحسب، من الآدميين، استطاعت مشاهدة فيلم "سورية الصرخة المخنوقة" لنهايته، إذ فيه كل ما يتناقض مع الإنسانية ويؤكد أن ثمة مخلوقات، على الأرجح، لا تنتمي للبشر وسورية، قامت بتلك الأفعال، بدوافع حيوانية حيناً... وانتقامية تدميرية، بقية الأحايين.

ولكن، ترى هل أخفت رشا شربجي العام الفائت، خلال حديثها عن سجون ومعتقلات بشار الأسد، بعض الحقائق، التي تمس أنوثتها أو شرفها، أو ما حدث لمن حولها، فرأته أو سمعت عنه، أم ثمة مستويات للتعامل والوحشية بسجون بشار الأسد؟ فاللائي يمكن أن يخرجن ويدلين بشهادتهنّ لهنّ تعامل خاص من شأنه تسويق ديمقراطية الأسد، يختلف على حسب التهمة ومنطقة المعتقلة وحتى جمالها، وعن المخطط قتلهنّ تحت التعذيب، كما عشرات الآلاف غيرهم وغيرهن، لتموت أسرارهم/نّ معهم/نّ.

الإجابة، أتت بالصوت والصورة ورائحة الحقد أيضاً، عبر فيلم "سورية: الصرخة المخنوقة" الذي عرضته قناة فرنسية "فرانس 2" الأسبوع الفائت، ليس ليبرر الثورة كركن وسبب من دوافع السوريين، بل ليكون وحده سبباً لثورات وثورات، حتى إسقاط هذا النظام، حتى لو لم يبقَ في سورية سوى أم واحدة ثكلى وبضعة أيتام موزعين على خارطة العذاب السورية.

إذ ما شهدت به السيدات الضحايا يتعدى تحطيم الشخص الضحية، بل والمجتمع وحتى الثورة، ليصل إلى حقد وفعل لا إنساني ينم عن ثأرية بداخل الفاعل ومن حرضه وأرسله، فمدة الفيلم لم تكن ساعة وعشر دقائق... بل نصف قرن من أنواع الاغتصاب، إن بدأت من تحصيل لقمة العيش أمام الأفران لا تنتهي بالمعتقلات التي تتكشف تباعاً.

قصارى القول: أغلب الظن، لن تجدي الدعوات الكثيرة التي أطلقها سوريون ومثقفون عالميون، سواء التي قادها المفكر الفرنسي "فريدريك لونوار" أو التي دعا ويدعو إليها محترمون عبر العالم، ببساطة لأن من خرس عمّا قدمه "الشاهد الملك" في ملف تسريب أكثر من 50 ألف صورة لـ11 ألف جثة، قتل أصحابها بشكل ممنهج في سجون بشار الأسد، وتعامى عن قتل السوريين تحت الأنقاض وقصفهم بالبراميل، بل وقبل بصفقة سلاح الجريمة ومرر جريمة الكيميائي بالغوطة عام 2013 التي أودت بحياة نيف و1400 سوري، أكيد، لن تحرك ضميره - إن وجد - اعترافات حرائر سوريات، خرجن على "قانون العيب" وفضحن أقذر أفعال الوحوش من عصابة الأسد.

بيد أن اللاجدوى، وإن يمكن استنتاجها، يجب ألا تثني السوريين، بل والأحرار حول العالم، عن المتابعة والعمل، بمستويات وطرائق، إن بدأت من إيصال هذا الفيلم لزعيم المافيا "فلاديمير بوتين" الذي تاجر، لأشهر، بأكل "أبو صكار" لقلب جندي أسدي عام 2011، لا تنتهي المستويات، عند كل من يحاول تسويق نظام الأسد وإعادة تسويقه، بمن فيهم "المعارضون" الذين وقعوا في هاوية التنازلات، فأسقطوا شرط إسقاط الأسد، من جدول مفاوضاتهم مع وفد النظام المجرم.

وربما مربط الفرس والأهم، بطريقة الانتقام من هذا النظام، الذي تؤكد الأحداث والوقائع عدم انتمائه إلى الأرض والشعب السوريين، وإلا لامتلك أدنى درجات الشرف والغيرة، عليهم وعلى الوطن، فلم يمثل بالجثث ويغتصب الأمهات، ويبع الأرض لمحتلين أربعة، ترفرف أعلامهم فوق الأرض السورية اليوم، وربما تبقى ترفرف لعقود.

نهاية القول: عرف نظام الأسد، ومنذ مطلع الثورة السورية، أن ينقل الثوار، أو معظمهم على الأقل، إلى المواقع التي يريد تسويقهم وفقها وعبرها، فبعد أن أخرج معتقلي صيدنايا الذين احتفظ بهم وأهلّهم وفتح لهم المجال للتطرف وإعادة تنظيم "أسلمة الثورة"، اتبع سياسة التسليح وترك الضواحي والأرياف، ليستكمل جميع نقاط الوصفة التي قدمها حلفاؤه في طهران وموسكو.

من ثم، بدأ متعمداً، بنشر كل ما يثير الحنق والانتقامية، من "بشار ربك" وقتل جنوده والمليشيات المستوردة الموقوفين والمعتقلين، بأبشع الطرائق.

ما نقل، عبر المنهجية والتتالي، الانتقامية إلى الثورة، فرأينا بعض الأفعال التي جاءت كردود أفعال، "أبو صكار" أحدها، لتشوّه وجه الثورة ومنطلقها وأهدافها، بفعل الآلة الإعلامية الأسدية والمساندة، والأهم، الإرادة الدولية التي ترى وتأخذ ما يقوله ويبثه الأسد، وتتعامى عن أضعاف الأضعاف، التي تقع على السوريين، إن بمجتمع الثورة أو حتى المدنيين الذين ذاقوا جميع أنواع التجويع والإذلال، قبل قتلهم جماعياً، بالغارات والبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية.

لذا، يأتي السؤال اليوم، بعد مشاهدة وسماع المغتصبات، عن كيفية الرد، آخذين بالاعتبار أن الأسد قتل "غياث مطر" لأنه قفز على المخطط، عبر تقديم المياه والورود للجنود، فخيّب الآمال بالانجرار إلى حيث يراد له وسواه، وقتل "مشعل التمو" لأنه عرّى بالكلمة والفكرة أفعال النظام، منذ الوارث فالوريث، واعتقل "عبد العزيز الخيّر"، وترك كل من يخدم خططه، من "الثورجية" وعلى كلتا الضفتين، السياسية والعسكرية، وحينما يضطر لقتل الفكرة والصحوة، لا يتردد عبر "أبو فرات" و"حجي مارع" و"الشيخ البلعوس".

ما يعني، خاصة بعد التهديم الممنهج لمستقبل سورية، الذي يأتي أهمه وأوجعه، بتجهيل الجيل الناشئ وإبعاده عن مقاعد التعليم، ليضرب الأسد سرب عصافير بذلك، إن بدأت من تكريس التخلف وتحريك التطرف متى شاء واقتضى الموقف، لا تنتهي عند خلق تفاوت شاسع، بين جيل حواضن الثورة والأجيال التي آثرت البقاء في مناطق حواضنه ومؤيديه.

الحل في خلق الوعي وتحريض الأطفال والأخذ بيدهم ليعودوا إلى صفوف المدراس، فمن يعرف هذا النظام الحاقد يعلم يقيناً أنه لا يخطط لقتل ثورة وتطلع للحرية فحسب، بل لقتل السوريين جميعهم، ولعل في القتل والتهجير واستهداف المدراس أمثلة لا تتطلب عناء الإثبات والدليل.. بمعنى مختصر جداً. أكثر السوريين حرصاً على الانتقام هو من يساهم في نقل طفل من الشارع وورشات العمل، يحمل بجيبه سكيناً وبفكره ثأرية، إلى مدرسة، ليستعيض عن السكين باللغة ويستبدل الثأرية بإعمار سورية.


وهذه لعمري الطريقة المثلى لقتل أحلام الأسد وإفشال تمويت الأمة السورية، وربما ما عداه، حالات انتقامية وردود أفعال آنية. على الرغم من أن ما سمعناه وشاهدناه من المغتصبات، يدفع كل دم الجسم للرأس ويبعث على الذل ويوجب الثأر... والترحّم على "لا بارك الله ببيت ليس فيه جاهلٌ".