تتوالى الانهيارات للمؤسسات الإعلامية الحكومية في اليمن، بعد مضي أشهر قليلة من سيطرة الحوثيين تماماً على إدارتها. كانت آخر هذه المؤسسات المنهارة وأكبرها "مؤسسة الثورة للصحافة"، وهي الأقدم على الإطلاق والتي خرج 1400 من موظفيها في كافة فروعها بجميع المحافظات أخيراً على الإدارة الحوثية، وأعلنوا إضراباً مفتوحاً بعدما صادرت مستحقاتهم المالية.
وتعد صحيفة "الثورة" اليومية المنتج الرئيسي للمؤسسة التي تنشر أيضاً صحيفة "الوحدة" و"الرياضة" المتوقفتان تماماً، إلى جانب مطبعتها الضخمة لطباعة العديد من الصحف غير الحكومية الخاصة كاستثمار لتحسين دخل موظفي المؤسسة. لكن ومنذ شهرين لم تتعد حدود العاصمة صنعاء بعد انهيارها نوعاً وكماً وشعبية.
تأسست الصحيفة في أول يوم "للثورة اليمنية" ضد نظام الإمامة في العام 1962؛ وهي أكبر رمز مناهض لذلك النظام. وكانت توزع يومياً على كل مسؤول وكل مؤسسة حكومية في كل مناطق اليمن؛ لكونها أحد أهم الناطقين الرسميين للحكومة. واقتحم مسلحو الحوثي مؤسسة الثورة في منتصف فبراير/شباط الماضي، وطردوا رئيس مجلس إدارتها وبقية قياداتها تحت مبرر الفساد وظلم الموظفين، بسبب مديونيتها التي ورثتها الإدارة السابقة عن سابقتها، لكن حقيقة الانقلاب لم يختلف عن غيره في بقية مؤسسات الحكومة.
ووجهت وزيرة الإعلام نادية السقاف بامتناع موظفي المؤسسة عن العمل، إلا أن الكثيرين استأنفوا العمل بعد استقرار الأمر للمسلحين. وكانت أولى قرارات الجماعة تعيين احد أتباعهم رئيسا لمجلس الإدارة وقائد المسلحين الذين احتلوا المؤسسة مديراً للشؤون المالية والإدارية. وبعد ذلك لم يتغير شيء سوى فرض أجندتهم العسكرية المعادية لجميع الأطراف السياسية وزيادة مظالم الإعلاميين ليبدأوا بالاختفاء عن العمل.
اقرأ أيضاً: "واتساب" يتحدى قمع الحوثيين
وبسبب سوء إدارة المليشيا للمؤسسة مع ممارستها للفساد، انهارت كمية النسخ المطبوعة لصحيفة الثورة من 19 ألف نسخة يومياً الى أقل من ألف نسخة فقط، بعد أول شهر من اقتحام الحوثيين بعد تدني دخلها من البيع والإعلانات من 840 ألف دولار إلى 69 ألف دولار فقط شهرياً، بحسب موظف مالي رفض الإفصاح عن اسمه لـ "العربي الجديد". كما انكمش حجم صحيفة الثورة من 16 الى 12 صفحة، مع رداءة في جودة وسمك الورق، حيث أصبح سطح الورقة شديد الحساسية عند اللمس أو الثني.
أما الأهم فهو المضمون الذي لم يعد يعبر عن أي أولوية للشعب اليمني أو الحكومة مع زوال تنوع صفحاتها، إذ إن معظم صفحاتها أصبحت مكرسة للغرض السياسي بشكل أو بآخر. لم يعد مفاجئاً للقارئ أن يجد كلمة زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي وصورته تتصدر الصفحة الأولى، كما تملأ أنشطة المليشيا تلك الصفحة وغيرها.
كانت الصفحة الأخيرة واحة القارئ واستراحة السياسي، حيث لم تكن تخصص للسياسة، بل يحط فيها الكاتب السياسي غالباً متابعاته اليومية عن الحياة الاجتماعية، كما كان القراء يتلهفون لرؤية موضوع اليوم من خلال رسمات محمد الشيباني الكاريكاتورية السهلة الممتنعة؛ والتي تعلو الصفحة يومياً، لكن كل ذلك اختفى... حتى إشعار آخر.
اقرأ أيضاً: مليشيات الحوثيين تتهم صحافيين بالإرهاب!