كانت مها الشيخ خليل تبلغ سبعة أعوام قبل أربع سنوات عندما كانت تعيش سعادة العطلة الصيفية بعد عام دراسي طويل أنهت فيه الصف الأول الابتدائي بتفوق وتميز في مدرسة اللدّ بحي الشجاعية في مدينة غزة بالقطاع الفلسطيني المحاصر. لكنّ عطلتها لم تدم طويلاً إذ بدأ العدوان الإسرائيلي على القطاع، وتحولت كلّ أحلامها إلى كوابيس حين وصلت القذائف إلى منزلها.
في ليلة الثالث والعشرين من يوليو/ تموز 2014 أصابت قذائف إسرائيلية منزل مها في شارع البلتاجي، وكانت أسرتها تختبئ أسفل المنزل بالقرب من الدرج وسط حصار إسرائيلي للحيّ وقصف من الطائرات والمدفعيات. بكت مها كثيراً لكن مع وصول القذائف أصيبت وغابت عن الوعي.
هذا كلّ ما تتذكره مها عن يوم مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها 74 مدنياً فلسطينياً من بينهم 17 طفلاً. عندما استيقظت بعد شهرين، وجدت أنّ والدها أصيب في رأسه بشظايا، وشقيقتها فاطمة (10 سنوات) أصيبت في فكها الذي تفتت، كما أصيب شقيقها زياد (12 عاماً) وشقيقاتها سارة (16 عاماً) وزينب (18 عاماً) ونُسيبة (5 أعوام) إصابات أخرى، واستشهدت والدتها التي كانت حاملاً، وشقيقتاها هبة (13 عاماً) وسامية (3 أعوام)، وزوجة جدها (67 عاماً)، كما استشهد عمّها وعمتها.
اقــرأ أيضاً
الاختصاصية النفسية التي تتابع حالة مها في مدرسة شمس الأمل للأشخاص ذوي الإعاقة، ياسمين الشوا، تقول لـ"العربي الجديد": "تلقت مها شظايا قذائف في عمودها الفقري، وعندما عادت إلى وعيها لم تتكلم، وباتت ترسم ما حصل معها في البداية، وكانت تلك طريقة تعبيرها الأولى بعد الإصابة. وضعها النفسي كان صعباً، لكن بعد جلسات نفسية خاصة تراجع اضطراب ما بعد الصدمة لديها خصوصاً بعد مضيّ عامين".
تعيش مها اليوم بين شقيقاتها ووالدها الذي تزوج مجدداً بعد استشهاد زوجته. لديها شلل رباعي في العمود الفقري، وتتلقى علاجاً طبيعياً عبر جلسات في المنزل من إحدى مؤسسات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب العلاج النفسي المستمر في المدرسة التي تضم عيادة خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة، ولكلّ منهم ملف صحي فيها، وتجري متابعة كلّ حالة بحسب وضعها.
مها التي باتت في الحادية عشرة، ومرت بتجربة ألم الفقد وآلام الجسد والحصار الذي تفرضه البيئة غير المجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة في غزة، ما زالت تحتفظ بأحلامها الصغيرة إلى جانب كلّ آلامها. تقول لـ"العربي الجديد "أتذكر عندما كان الجميع يحبّ صوتي خصوصاً المعلمات اللواتي يطلبن مني الغناء في الإذاعة المدرسية، وأتذكر أنشودة أهديتها إلى أبي يومها. بعد الإصابة سافرت إلى تركيا وتلقيت العلاج، وها أنا منذ ثلاثة أعوام أدرس في مدرسة شمس الأمل للأطفال ذوي الإعاقة، وأحب اللعب مع صديقاتي. أتابع علاجاً طبيعياً وجلسات تبخير تساعدني في التنفس. وطموحي أن أصبح معلمة في المستقبل للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية".
يواجه أكثر من 100 ألف من الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين تحديات كبيرة، خصوصاً في ظل تزايدهم المستمر بفعل الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة مع تكرر العدوان، وكذلك القصف عند الحدود الشرقية للقطاع. ويقول مدير عام الرعاية والتأهيل بالشؤون الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية، رياض البيطار، إنّ أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع بلغت أكثر من 50 ألف فرد، وذلك بحسب التعريف المعتمد من قبل الوزارة والمؤسسات العاملة معها، منهم 21 ألفاً ما دون سن 18 عاماً.
لدى مؤمن أمين (11 عاماً) في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة شمس الأمل للأطفال ذوي الإعاقة، شلل شبه كلي بعد إصابته خلال قصف منزل جيرانهم في حي النصر في 30 يوليو/ تموز 2014، لكنّه اليوم يعتبر من الأوائل في مدرسته.
يتلقى مؤمن، القادر على تحريك رأسه فقط من دون جسده، أنواع علاج متنوعة، احتياطاً من أيّ جلطات دموية، ويتناول أدوية تحافظ على صحته الذهنية بحسب والده بشار أمين. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبت في قدمي خلال العدوان الإسرائيلي، لكنّ مؤمن تلقت غرفته شظايا صاروخ كبير، وتضرر جسدياً ونفسياً. الأمل هو الشيء الوحيد الذي بقي فيه، وما زال يتمتع بقوة ملاحظة وحفظ. كلّ الأطباء يقولون لي إنّ عملية في ألمانيا يمكن أن تحسن الوضع".
حاول أمين التقدم بطلب الحصول على منحة علاجية لكنّ نفقات العلاج في الخارج لا تغطيها السلطة الفلسطينية، مع العلم أنّ الكلفة تقدّر بـ340 ألف يورو. يواصل أمين الاهتمام بابنه ويدعمه في الدراسة، إلى جانب إشراكه في أنشطة ذهنية لتقوية قدرة الحفظ لديه، ويأمل أن يأتي يوم يتمكن فيه من إرساله إلى ألمانيا للعلاج".
مديرة مدرسة شمس الأمل، فدوى السحار، تشير إلى أنّ الاعتداءات الإسرائيلية تستمر على الأطفال ذوي الإعاقة مع كلّ قصف جديد، إذ تلاحظ خوفهم حتى من صوت الرعد، إذ يبدؤون بالبكاء، ويعتقدون أنّه قصف إسرائيلي، وهو ما دفع الأخصائيين النفسيين والمعلمات إلى تحويل اهتمامهم عن صوت الرعد باتجاه الغناء.
اقــرأ أيضاً
تقول السحار لـ"العربي الجديد": "في غزة ثقافة خاطئة لدى بعض الأهالي ممن يحجبون أطفالهم ذوي الإعاقة ويمنعونهم من التعليم، خوفاً من النظرة السلبية المجتمعية". وتشير إلى أنّ عدداً من الأطفال ذوي الإعاقة ممن تسبب الاحتلال بإعاقتهم، وتعلموا في المدرسة سابقاً، استطاعوا الاندماج في المجتمع الغزي، ومنهم من أصبحوا طلاباً جامعيين، ومنهم أيضاً ناشطون حاليون في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، وهو ما يشجعهم على الضغط على بعض عائلات الأطفال ذوي الإعاقة من أجل تسجيلهم في المدارس.
في ليلة الثالث والعشرين من يوليو/ تموز 2014 أصابت قذائف إسرائيلية منزل مها في شارع البلتاجي، وكانت أسرتها تختبئ أسفل المنزل بالقرب من الدرج وسط حصار إسرائيلي للحيّ وقصف من الطائرات والمدفعيات. بكت مها كثيراً لكن مع وصول القذائف أصيبت وغابت عن الوعي.
هذا كلّ ما تتذكره مها عن يوم مجزرة الشجاعية التي راح ضحيتها 74 مدنياً فلسطينياً من بينهم 17 طفلاً. عندما استيقظت بعد شهرين، وجدت أنّ والدها أصيب في رأسه بشظايا، وشقيقتها فاطمة (10 سنوات) أصيبت في فكها الذي تفتت، كما أصيب شقيقها زياد (12 عاماً) وشقيقاتها سارة (16 عاماً) وزينب (18 عاماً) ونُسيبة (5 أعوام) إصابات أخرى، واستشهدت والدتها التي كانت حاملاً، وشقيقتاها هبة (13 عاماً) وسامية (3 أعوام)، وزوجة جدها (67 عاماً)، كما استشهد عمّها وعمتها.
الاختصاصية النفسية التي تتابع حالة مها في مدرسة شمس الأمل للأشخاص ذوي الإعاقة، ياسمين الشوا، تقول لـ"العربي الجديد": "تلقت مها شظايا قذائف في عمودها الفقري، وعندما عادت إلى وعيها لم تتكلم، وباتت ترسم ما حصل معها في البداية، وكانت تلك طريقة تعبيرها الأولى بعد الإصابة. وضعها النفسي كان صعباً، لكن بعد جلسات نفسية خاصة تراجع اضطراب ما بعد الصدمة لديها خصوصاً بعد مضيّ عامين".
تعيش مها اليوم بين شقيقاتها ووالدها الذي تزوج مجدداً بعد استشهاد زوجته. لديها شلل رباعي في العمود الفقري، وتتلقى علاجاً طبيعياً عبر جلسات في المنزل من إحدى مؤسسات رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة، إلى جانب العلاج النفسي المستمر في المدرسة التي تضم عيادة خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة، ولكلّ منهم ملف صحي فيها، وتجري متابعة كلّ حالة بحسب وضعها.
مها التي باتت في الحادية عشرة، ومرت بتجربة ألم الفقد وآلام الجسد والحصار الذي تفرضه البيئة غير المجهزة للأشخاص ذوي الإعاقة في غزة، ما زالت تحتفظ بأحلامها الصغيرة إلى جانب كلّ آلامها. تقول لـ"العربي الجديد "أتذكر عندما كان الجميع يحبّ صوتي خصوصاً المعلمات اللواتي يطلبن مني الغناء في الإذاعة المدرسية، وأتذكر أنشودة أهديتها إلى أبي يومها. بعد الإصابة سافرت إلى تركيا وتلقيت العلاج، وها أنا منذ ثلاثة أعوام أدرس في مدرسة شمس الأمل للأطفال ذوي الإعاقة، وأحب اللعب مع صديقاتي. أتابع علاجاً طبيعياً وجلسات تبخير تساعدني في التنفس. وطموحي أن أصبح معلمة في المستقبل للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية".
يواجه أكثر من 100 ألف من الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين تحديات كبيرة، خصوصاً في ظل تزايدهم المستمر بفعل الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في قطاع غزة مع تكرر العدوان، وكذلك القصف عند الحدود الشرقية للقطاع. ويقول مدير عام الرعاية والتأهيل بالشؤون الاجتماعية في وزارة التنمية الاجتماعية، رياض البيطار، إنّ أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع بلغت أكثر من 50 ألف فرد، وذلك بحسب التعريف المعتمد من قبل الوزارة والمؤسسات العاملة معها، منهم 21 ألفاً ما دون سن 18 عاماً.
لدى مؤمن أمين (11 عاماً) في الصف الثالث الابتدائي في مدرسة شمس الأمل للأطفال ذوي الإعاقة، شلل شبه كلي بعد إصابته خلال قصف منزل جيرانهم في حي النصر في 30 يوليو/ تموز 2014، لكنّه اليوم يعتبر من الأوائل في مدرسته.
يتلقى مؤمن، القادر على تحريك رأسه فقط من دون جسده، أنواع علاج متنوعة، احتياطاً من أيّ جلطات دموية، ويتناول أدوية تحافظ على صحته الذهنية بحسب والده بشار أمين. يقول لـ"العربي الجديد": "أصبت في قدمي خلال العدوان الإسرائيلي، لكنّ مؤمن تلقت غرفته شظايا صاروخ كبير، وتضرر جسدياً ونفسياً. الأمل هو الشيء الوحيد الذي بقي فيه، وما زال يتمتع بقوة ملاحظة وحفظ. كلّ الأطباء يقولون لي إنّ عملية في ألمانيا يمكن أن تحسن الوضع".
حاول أمين التقدم بطلب الحصول على منحة علاجية لكنّ نفقات العلاج في الخارج لا تغطيها السلطة الفلسطينية، مع العلم أنّ الكلفة تقدّر بـ340 ألف يورو. يواصل أمين الاهتمام بابنه ويدعمه في الدراسة، إلى جانب إشراكه في أنشطة ذهنية لتقوية قدرة الحفظ لديه، ويأمل أن يأتي يوم يتمكن فيه من إرساله إلى ألمانيا للعلاج".
مديرة مدرسة شمس الأمل، فدوى السحار، تشير إلى أنّ الاعتداءات الإسرائيلية تستمر على الأطفال ذوي الإعاقة مع كلّ قصف جديد، إذ تلاحظ خوفهم حتى من صوت الرعد، إذ يبدؤون بالبكاء، ويعتقدون أنّه قصف إسرائيلي، وهو ما دفع الأخصائيين النفسيين والمعلمات إلى تحويل اهتمامهم عن صوت الرعد باتجاه الغناء.
تقول السحار لـ"العربي الجديد": "في غزة ثقافة خاطئة لدى بعض الأهالي ممن يحجبون أطفالهم ذوي الإعاقة ويمنعونهم من التعليم، خوفاً من النظرة السلبية المجتمعية". وتشير إلى أنّ عدداً من الأطفال ذوي الإعاقة ممن تسبب الاحتلال بإعاقتهم، وتعلموا في المدرسة سابقاً، استطاعوا الاندماج في المجتمع الغزي، ومنهم من أصبحوا طلاباً جامعيين، ومنهم أيضاً ناشطون حاليون في قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة وغيرهم، وهو ما يشجعهم على الضغط على بعض عائلات الأطفال ذوي الإعاقة من أجل تسجيلهم في المدارس.