هكذا ضرب استفتاء "بريكست" أسعار عقارات لندن الفاخرة

25 ابريل 2018
+ الخط -


أصبحت المساكن الفاخرة أولى ضحايا استفتاء "بريكست" وتعثر محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي. وكشفت تقارير عقارية إلى حدوث انخفاض كبير في أسعار العقارات السكنية في بعض أحياء العاصمة البريطانية وصل حوالى 15% خلال الـ 12 شهراً الماضية في المتوسط، وذلك حسب تقرير لوكالة يورموف، كبرى الوكالات العقارية في لندن، لكن هنالك تقارير تقدر معدل الانخفاض بأقل من ذلك بكثير. 

ويعد حي "ويست منستر" ومنطقة باترسي، ومباني الشقق الجديدة على ضفاف التايمز، الأكثر هبوطاً، حيث خسرت بعض الشقق الجديدة الفاخرة جداً حوالى 3 ملايين من قيمتها، كما خسرت أخرى حوالى 600 ألف جنيه إسترليني من قيمتها. وهنالك أحياء تضررت أكثر من "بريكست"، مثل حي ساوث كينزنغتون المعروف بطلب قوي من المشترين الأوروبيين، قبل استفتاء الخروج من أوروبا.

وحسب تقرير يورموف الأخير، خسرت بعض المساكن مبالغ تتراوح بين 50 و100 ألف جنيه إسترليني، ولكن في العقارات الفاخرة في مناطق وسط لندن، وحي ويستمنستر، ومناطق مثل ماي فير والمناطق المجاورة لحديقة هايد بارك، ومناطق كينزنغتون وتشلسي، خسرت أسعار المساكن الفاخرة التي تفوق قيمتها 20 مليون جنيه إسترليني، قرابة 4 ملايين جنيه إسترليني في سلسلة من التنزيلات السعرية من عروضها الأولية التي يطالب بها أصحابها على أمل الحصول على مشترين. 
وفي منطقة واندزويرث، التي تضم مناطق كلابهام وبالهام وباتني، وهي المناطق التي شهدت تحولاً كبيراً في الطلب من قبل الطبقة فوق الوسطى، خسر سعر المسكن في المتوسط حوالى 100 ألف جنيه إسترليني، حيث انخفض سعر المسكن من 805 ألف جنيه إسترليني في يناير/كانون الثاني عام 2007 إلى 685 ألف جنيه إسترليني حالياً.

وفي منطقة ساوث وارك، جنوب لندن انخفض سعر المسكن في المتوسط من 666 ألف جنيه إسترليني إلى 585 ألفاً. وفي شمال لندن، في منطقة ايزلنغتون، القريبة من محطة قطارات كنغز كروس، انخفض سعر المسكن في المتوسط من 750 ألف جنيه إسترليني إلى 684 ألفاً.

وفي منطقة مثل حي إيلينغ، غربي لندن، تراجعت الأسعار حسب وكالة زوبلا العقارية، بنسب متواضعة لا تتجاوز واحد في المائة ولكن أسعار المساكن الفخمة ارتفعت، ولكن أسعار المساكن والشقق في منطقة تشيسك غربي لندن، انخفضت بحوالى 3.1% في المتوسط، حسب تقرير "هوم تراك" الأخير الذي نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز.

يذكر أن مناطق جنوب لندن، خاصة على ضفة التايمز، شهدت عمليات تطوير عقاري ضخمة من المباني التي احتوت على الشقق الفخمة، ومن بين هذه المباني السكنية المحتوية على الشقق الفاخرة، مبنى باترسي باور ستيشن، الذي يفوق سعر الشقة فيه مليون جنيه إسترليني.

وكان الطلب على الشقق الفاخرة مرتفعاً في السنوات الماضية التي سبقت استفتاء "بريكست"، خاصة من قبل أثرياء الشرق الأقصى والصين وأثرياء روسيا. ولكن في أعقاب "بريكست"، ضربت حال عدم اليقين حول مستقبل بريطانيا الأسعار، خاصة أسعار الشقق والمساكن الفاخرة في وسط لندن التي شهدت ضغوطاً في تسعيرها، أكثر من غيرها، بسبب ارتفاع الضريبة عليها، وهو ما أجبر أصحابها على خفض أسعارها، ولكن الضغوط تواصلت أكثر على البائعين في العام الماضي.

وتعرضت العقارات الفاخرة وسط لندن خلال العام الماضي، لمجموعة من الضغوط السالبة على أسعارها، وكذلك على صعيد الطلب، خاصة في أحياء مايفير وتشلسي وكينزنغتون.

من بين هذه الضغوط التي تعرضت لها العقارات البريطانية أيضا فقدانها شريحة كبيرة من أثرياء الخليج والسعودية في سنوات انهيار أسعار النفط، ثم العقوبات الأميركية على الأثرياء الروس، والتي تكثفت أخيراً في أعقاب محاولة تسميم العميل الروسي سكاريبال وابنته وما تلا ذلك من عقوبات أميركية مؤخراً على روسيا، يضاف إلى ذلك القيود التي وضعتها الحكومة الصينية على خروج الثروات للخارج.

ثم تضررت الأسعار كذلك من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية للحد من عمليات شراء العقارات بغرض الإيجار، وكذلك تشديد إجراءات منح القروض العقارية.

يضاف إلى هذه العوامل نهاية عمليات المضاربة على شقق ومساكن وسط لندن، حيث كان أصحاب الثروات من أنحاء العالم يشترون العقارات الفاخرة في لندن بغرض حفظ قيمة ثرواتهم من التراجع، كملاذ آمن ضد تقلبات أسعار الأسهم والعملات، ولكن هذه المضاربات انتهت في أعقاب استفتاء "بريكست" الذي رفع من مخاطر مستقبل العقارات في لندن، حيث لم يعد مستقبل لندن كعاصمة للمال والمصارف مضموناً مثلما كان في السابق، كما أن تذبذب أسعار الإسترليني رفع من مخاطر الاستثمار في العقارات البريطانية.

ومن بين الأحياء التي تأثرت بـ "بريكست"، حي ساوث كينزنغتون، الذي شهد في السنوات الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في الطلب، على أساس أنه امتداد لمنطقة كينزنغتون الغنية والقريبة من حديقة هايد بارك. وكان هذا الحي قبل عقدين من الزمان يعد من بين الأحياء الفقيرة في لندن، حيث تكثر فيه البنايات الحكومية والأسر الفقيرة التي تعيش على الدعم المالي الحكومي.

وحسب تقرير بصحيفة "فاينانشيال تايمز"، كان الطلب الأوروبي، وخاصة الفرنسي كبيراً على الشقق بحي ساوث كينزنغتون في السنوات الأخيرة، ولكن هذا الطلب انخفض كثيراً بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما أن انتخاب الرئيس إيمانويل ماكرون في فرنسا، ضرب كذلك الطلب الفرنسي الذي كان ينعش هذا الحي.
ومعروف أن ماكرون ليس من الرؤساء الذين يحبذون الضرائب المرتفعة، مثلما كان عليه الحال أيام فرانسوا أولاند، الذي فرض ضرائب عالية على أثرياء فرنسا، ما جعل معظمهم يهربون إلى دول أخرى، من بينها بريطانيا وسويسرا.

وفي منطقة باترسي، التي شهدت زيادة كبيرة في الشقق الفاخرة، حيث هنالك حوالى 20 ألف شقة جديدة دخلت السوق أو في طور التشييد، انخفضت الأسعار بمعدلات كبيرة.
وحسب تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز، فإن سعر شقة "بينتهاوس" التي كانت تباع بحوالى 14 مليون جنيه إسترليني انخفضت إلى 11 مليون جنيه إسترليني. ومن بين الشركات العقارية العربية التي تستثمر في هذه المنطقة، شركة داماك العقارية.

وحسب تقرير "فاينانشيال تايمز"، فإن سعر شقق داماك في مبنى آيكون لندن وان، المكون من 50 شقة، انخفض من 1.7 مليون جنيه إسترليني في نوفمبر/ تشرين الماضي إلى 1.1 مليون إسترليني في مارس/ آذار الماضي، وهو ما يعني انخفاضاً بنسبة 36% من قيمتها المعروضة قبل 6 أشهر، وعبر هذا الانخفاض الكبير تأمل داماك في الحصول على مستثمرين.

لكن في المقابل فإن أسعار الشقق الجديدة التي يقل سعرها عن 500 ألف جنيه إسترليني استفادت من إجراءات الحكومة البريطانية الخاصة بمنح "المشترين لأول مرة قرضا مجانيا لمدة 5 سنوات"، حيث أصبح عليهم دفع مقدم شراء للبنوك لا يزيد على 50% من قيمة العقار.

ويرى جيسون مارغيتس من وكالة سيفيل العقارية في لندن، أن "هذا الإجراء قد ساهم في رفع الطلب على الشقق متوسطة الأسعار، حيث سمح لأصحاب الدخول المتوسطة من رفع القدرة الشرائية والحصول على قرض عقاري من البنوك بمساعدة حكومية".

لكن في مقابل هذه الانخفاضات ارتفعت أسعار المساكن في بعض المناطق المتاخمة في لندن، مثل منطقة بلاك بيرن التي ارتفعت أسعار مساكنها بنسبة 16.4% في المتوسط، حسب تقرير "يورموف" وكذلك منطقة وارنغتون التي ارتفعت الأسعار فيها بحوالى 10.3% خلال الـ12 شهرا الماضية. لكن هنالك في المقابل تقارير متفاوتة في نسبة الانخفاض.

وترى معظم الوكالات العقارية ومن بينها وكالتي سيفيل ونايت فرانك، أن هنالك ضعفاً في الطلب الخارجي على الشقق الفاخرة. وربما يضرب هذا العامل أكثر العقارات الفاخرة في بريطانيا خلال العام الجاري.
ومن المتوقع أن تكون لنتيجة المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي المقبلة حول شروط التجارة والجمارك أثر كبير على سعر العقارات البريطانية.
المساهمون