هكذا توظف واشنطن اليوان لضرب الصين

16 اغسطس 2019
ترسيخ الدولار كعملة تقود النظام النقدي الدولي (فرانس برس)
+ الخط -
ما هي الفوائد التي ستجنيها أميركا من قرار إعلان الصين دولة متلاعبة بالعملة الذي أدى إلى تدهور سعر صرف اليوان، وكيف ستوظف اضطراب العملة الصينية لتحقيق هدف تدمير الاقتصاد الصيني؟

تسعى إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى تدمير الاقتصاد الصيني أو على الأقل ضرب النمو السريع الذي حققته الصين منذ أزمة المال العالمية في العام 2008، وذلك في إطار استراتيجية الرئيس دونالد ترامب المعلنة بشأن إعادة العظمة لأميركا كدولة وحيدة مهيمنة على النظام العالمي الجديد الذي يرغب في بنائه بشكل يعزز مركز بلاده كقوة عظمى وحيدة تقود العالم دون منازع.

ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، تخطط الإدارة الأميركية لتفكيك النظام العالمي القديم القائم على أسس "المؤسسات متعددة الأقطاب"، سواء في التجارة مثل منظمة التجارة العالمية أو النقد والمال مثل صندوق النقد والبنك الدوليين أوالإدارة السياسية مثل الأمم المتحدة. وبعد القضاء على هذه المؤسسات تخطط لبناء مؤسسات بديلة أو إعادة بنائها بما يخدم السيطرة المطلقة للقرار الأميركي.

ورغم أن أميركا هي التي بنت هذا "النظام متعدد الأطراف" القائم حالياً، بعد الحرب العالمية الثانية وهندست مؤسساته لخدمة مصالحها، إلا أن واشنطن ترى أن هذه المؤسسات تقادمت وفقدت دورها كمحرك للسياسة الخارجية الأميركية مع الصعود الاقتصادي الكبير للصين كقوة اقتصادية ضاربة ونشوء مراكز مالية جديدة في آسيا وأميركا اللاتينية.

في هذا الإطار يمكن فهم الحروب التجارية والنقدية والتقنية الشرسة التي تخوضها واشنطن مع الصين ومع العديد من دول العالم منذ صعود الرئيس ترامب للحكم، كما يمكن كذلك فهم هجومه الشرس على المؤسسات الدولية متعددة الأطراف مثل منظمة التجارة العالمية التي يهدد بالانسحاب منها تارة وبتدميرها تارة أخرى، وكذلك هجومه على الأمم المتحدة التي خفض حجم التمويل الأميركي للعديد من برامجها التنموية والإنسانية.

فالرئيس ترامب وحسب سياساته المعلنة، لا يرغب في التعامل مع الكتل الاقتصادية أو السياسية سواء كانت صديقة أو غير صديقة، وإنما يسعى لإعادة التفاوض مع كل دولة على انفراد، حتى يتمكن من استغلال حجم الاقتصاد الأميركي الضخم المقدر بحوالى 20 ترليون دولار وحجم السوق الاستهلاك البالغ 11 ترليون دولار ونفوذ الدولار في تركيع الدول وإملاء شروطه عليها دون نقاش أو حجة.

على صعيد الحرب على اليوان الصيني في إطار الحرب التجارية متعددة الأغراض، فإن الرئيس ترامب لا تعجبه خطط الرئيس الصيني شي جين بينغ، الخاصة بتدويل اليوان، أي أنه منزعج من التمدد التجاري للصين عبر استراتيجية "الحزام والطريق" ويسعى لقطع الطريق أمام بناء فضاء تجاري صيني. لأن مثل هذا الفضاء التجاري سيعمل تلقائياً على زيادة حصة اليوان بالتسويات التجارية عالمياً.

كما أن إنشاء الصين بورصة العقود المستقبلية للنفط في شنغهاي التي يباع فيها النفط بما يسمى " اليوان الذهبي" تهدد موقع الدولار كعملة رسمية لصفقات النفط. كما تخدم عمليات الاستثمار الخارجي الصيني وصفقات "المقايضة السلعية" التي تستخدم اليوان، خطط تدويل اليوان أي تحويله لعملة ذات وزن في الاحتياطات الاستراتيجية للبنوك المركزية العالمية. هذه الخطط إذا تُركت، ستهدد موقع الدولار المهيمن في التجارة العالمية ودوره كعملة احتياط رئيسية للبنوك المركزية العالمية، حيث يأخذ الدولار حصة 62% من الاحتياطات العالمية.

ولكن كيف ستحقق إدارة الرئيس ترامب أهدافها عبر تدهور سعر صرف اليوان؟ قد يقول البعض إن قرار واشنطن "إعلان الصين كدولة متلاعبة باليوان" وما تلاه من خفض صيني لسعر الصرف، سيخدم الصادرات الصينية وبالتالي فهو مفيد للتمدد التجاري الصيني. وهذا منطق صحيح جزئياً، ولكن هنالك خسائر كبرى سيتكبدها الاقتصاد الصيني تفوق بمراحل الفوائد المتحققة.

يلاحظ حتى الآن خسارة اليوان 10% من سعره خلال العام الماضي و20% منذ بداية الحرب التجارية. وبالتالي فإن التدهور المستمر في صرف العملة الصينية سيسحب منها تدريجياً أهم وظيفة من وظائف النقد، وهي وظيفة "الخزين لحفظ الثروة". وبالتالي، من شأن الاضطراب أن يقود إلى هروب المستثمرين الأجانب وأثرياء الصين أنفسهم من السوق الصينية، إذ ستدفع مخاوف تدهور اليوان أثرياء الصين على تآكل القيمة الحقيقية لثرواتهم لدى حسابها بالدولار. كما ستدفع ذات المخاوف المستثمرين الأجانب من تراجع القيمة الحقيقية لأرباحهم في السوق الصينية لدى تحويل هذه الأرباح إلى دولارات.

في هذا الصدد يقول البروفسور جورج ماغنوس المحاضر في جامعة أكسفورد البريطانية والمتخصص في الاقتصاد الصيني، إن "خفض سعر صرف اليوان سينعش التجارة الصينية بنسبة ضئيلة. ولكن استقرار اليوان أهم كثيراً للصين التي تسعى لاحتواء هروب الثروات وتفادي الوقوع في أزمة الديون التي أخذتها الشركات بالدولار وإنعاش النمو الاستهلاكي".

وبنفس المنطق، يوافقه خبير الأسواق بمصرف "دويتشه بانك"، ألان رسكين، الذي يرى أن استخدام اليوان هو سلاح ذو حدين بالنسبة للصين، ففي الوقت الذي يرفع فيه من حجم الصادرات، فإنه يزيد من فاتورة الواردات. وبالتالي فإن المحصلة النهائية لضعف اليوان ستصب ضد الصين. ومن جهة ثانية، فإن اليوان الضعيف سيضرب تلقائياً خطة النمو الاقتصادي الصينية التي بنيت على إنعاش الاستهلاك المحلي وقطاع الخدمات. من جانبه، يرى صندوق النقد الدولي أن خفض العملة سيكون له تأثير سريع على ارتفاع قيمة الواردات، ولكن تأثيره على الصادرات عادة ما يكون محدوداً.

ويلاحظ في العام 2016، حينما تراجع سعر صرف اليوان، عاشت سوق المال الصينية أسوأ فترات الاضطراب، وهربت ثروات من الصين قدرت بحوالى 725 مليار دولار. كما صرفت نسبة ليست بالقليلة من احتياطاتها الدولارية البالغة وقتها 3 تريليونات دولار في دعم استقرار سعر صرف اليوان.

أما على الصعيد الاستهلاكي وشعبية النظام السياسي، فإن اليوان المنخفض يرفع من أسعار السلع المستوردة، وبالتالي سيزيد من سخط الشباب الصيني من النظام الحاكم، لأنه يحرمهم من سلع وماركات غربية اعتادوا على استهلاكها.
المساهمون