هكذا تسلب المطارات إرادتك وخصوصيتك... طواعية

31 مايو 2019
تصمم المطارات لتشجيع الناس على اتباع القواعد والاستجابة للسلطة(getty)
+ الخط -
صنف عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي الشهير مارك أوجيه، المطارات بأنها "لا أمكنة، أنتجتها الحداثة المفرطة"، عام 1995، لأنها تظل بلا هوية أينما وجدت في جميع أنحاء العالم، مثل عدة فروع لـ"مكدونالدز"، تبقى كما هي مهما تغير موقعها، وعرّفها بأنها آلات معمارية، صممت لنقل الناس بكفاءة من مكان لآخر.

وقال أوجيه في كتاب "اللا أمكنة": "أين أنتَ حين تكون في الطريق السريعة أو في محطة قطار أو في مطار أو في طائرة، أو في فندق أو في مساحات التجارة الكبيرة أو في مخيم لاجئين؟ أنتَ في فضاء السرعة والعبور والمؤقت. أنتَ لست في مكان وإنَّما في اللا مكان".

وتعتبر المطارات على الرغم من أنها "لا أمكنة"، فريدة من نوعها على المستوى النفسي، ويصمم كل جانب من جوانبها بشكل استراتيجي، بحيث يخسر من يدخلها هويته، ويتسلم الهوية التي تقدمها له الحكومة ثم يوافق تلقائيًا على عمليات التفتيش الأمني، أي أن المسافر في المطارات بمعنى آخر، يتخلى عن إرادته الحرة بينما يتجول في بيئة غير مألوفة نحو محطته التالية، وفقًا لموقع "بي بي سي".

وتصمم المطارات لتشجيع الناس على اتباع القواعد والاستجابة للسلطة، بغية تهدئة خوفهم اللاشعوري، ناهيك عن التوتر الناجم عن تأخر الرحلات أو فقدان الأمتعة، أو حتى عن فكرة السفر جوًا، وتعتبر إشارات الاتجاهات، التي تدل الناس بسرعة وكفاءة إلى البوابات، من دون أن يدركوا أنهم يساقون بشكل لا واع، من أهم الأدوات التي يستخدمها مصممو المطارات للغايات السابقة.

ويقول أليخاندرو بويبلا، كبير مخططي المطارات في شركة "جاكوبس" للهندسة المدنية: "يعتبر المطار مثاليًا عندما تستدل فيه بشكل تلقائي على الطريق، فعلى سبيل المثال تتغير ألوان الإشارات وأشكالها من قسم إلى آخر، وكذلك السجاد والقطع الفنية، التي تستخدم كعلامات مميزة للتوجيه"، ويضيف: "إذا شعرت يومًا أنك تسير في الاتجاه الخاطئ في المطار، فمن المحتمل أن شعورك بمكانه، وأنك تستجيب لتأثير الدلالات على لا وعيك".

وتعتبر الجوانب الأمنية في المطارات، أكثر إثارة للقلق حتى من فكرة الذهاب بالاتجاه الخاطئ، وخاصة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، إذ أصبحت مباني المطارات أشبه بحصون، يخضع فيها المسافرون عن طيب خاطر لاختبارات أمنية شاملة، يخضعون للتفتيش الدقيق، ويمرون بأجهزة الأشعة السينية، التي قد تكشف تشريح أعضائهم الداخلية للغرباء، ويجيبون عن أسئلة كثيرة.


وتحول المسافرون مع الوقت من عملاء إلى ما يشبه موظفي أمن مدنيين، يتوقع منهم أن يمدوا ضباط الأمن بالمعلومات بين نقاط التفتيش. وتقول مؤلفة كتاب "المسافر الشفاف: أداء وثقافة أمن المطارات" راشيل هول: "تُذكر اللافتات في جميع أنحاء مطارات أميركا المسافرين بأنهم خط الدفاع الأساسي أمام الإرهابيين، وبأن عليهم أن يبلغوا السلطات إذا شاهدوا شيئًا غريبًا، وبأنهم يخدمون الوطن حتى وهم يسافرون"، وتضيف: "من أجل الحصول على شرف الخدمة، عليك أن تقوم بكل ما يطلب منك بشفافية وطوعية".

وتعتبر الحقيقة الأكثر إثارة للصدمة في ثقافة أمن المطارات، هي أن أكثر إجراءات الأمن قسوة نادرًا ما تحدث فرقًا، إذ تمكن مفتشو الأمن الداخلي من تجاوز 70% من نقاط التفتيش، وهم يحملون أسلحة عام 2017، لذا وعلى الرغم من أن الأمر قد يبدو مفاجئًا، إلا أن كل ما تتعرض له في المطارات من تفتيش عشوائي وعمليات مسح للوجوه، هي لإشعارك بالراحة وليس للتنبؤ بوجود الإرهابيين، ولإبقائك في المطار وليس طردك منه، وقال الخبير الأمني بروس شناير في مقالته "كواليس الأمن": "الإرهاب نادر جدًا، أكثر مما يعتقده الكثيرون، وأفضل الدفاعات ضده هي التحقيق، الاستخبارات والاستجابة للطوارئ".

ويبدو أن مصممي المطارات يودون لك أن تشعر بالأمن الكافي لسبب مهم، التركيز على التسوق، إذ يتحول المسافر فجأة من شخص مجهول إلى "عميل قيم"، ما أن يجمع أمتعته من الماسحات الضوئية، حيث تحييه بعدها إطلالة واسعة على المتاجر والمطاعم، تقع بين نقطة التفتيش الأمنية والبوابة، لإجبار المسافرين على المرور عبرها قبل الصعود إلى الطائرة.

ويوضع الكثير من المجهود التجاري في المطارات، لأن المسافرين جوًا عملاء مثاليون، لديهم وقت كاف للتسوق، لا مكان آخر يذهبون إليه قبل الصعود للطائرة، ويمكنهم تحمل تكاليف الطيران، أي أن دخلهم ممتاز، كما أن مزاجهم مناسب لمكافأة أنفسهم، بعد اجتياز كل المهام المجهدة للوصول إلى منطقة التسوق، ويستمر هذا المزاج لساعة تقريبًا، وهي ما تدعى بـ"الساعة الذهبية"، التي تبذل المطارات جهدها للاستفادة منها، إذ عليك الانتظار 25 دقيقة في منطقة التسوق ببعض المطارات، قبل أن تعرف رقم البوابة التي ستتجه إليها.

 

 

دلالات
المساهمون