"فورين بوليسي": هكذا تسدّ صفقة الإمارات وإسرائيل الأبواب أمام قناة السويس

07 سبتمبر 2020
بدائل عدة تهدد إيرادات قناة السويس (الأناضول)
+ الخط -

قالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية إن خط أنابيب النفط الذي كان الاحتلال الإسرائيلي يعمل به في السابق كمشروع مشترك سري مع إيران، قد يكون أحد المستفيدين الرئيسيين من اتفاق السلام مع الإمارات بوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وأضافت المجلة أنه مع إلغاء الإمارات رسمياً للمقاطعة التي استمرت لعقود لإسرائيل، فإن دولة الاحتلال على وشك أن تلعب دوراً أكبر بكثير في تجارة الطاقة في المنطقة، وسياسات البترول، والأعمال الكبيرة، واستثمارات النفط.

ونقلت المجلة الأميركية عن مديرين إسرائيليين لشركة "آسيا أوروبا لخطوط الأنابيب" (EAPC)، قولهم إن خط الأنابيب "غير مستخدم" ولكنه استراتيجي للغاية. وإن القناة التي يبلغ طولها 158 ميلاً من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط "توفر بديلاً أرخص لقناة السويس المصرية وخياراً للاتصال بالعرب". وأضافوا أن "شبكة خطوط الأنابيب تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم".

وقال إيزاك ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة خطوط الأنابيب، لـ"فورين بوليسي": "إنه يفتح الكثير من الأبواب والفرص". ويعتقد أن خط الأنابيب، الذي يربط ميناء إيلات، جنوب فلسطين المحتلة، بمحطة ناقلات في عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط، يمكن أن يقضي على حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة.

ولفتت المجلة إلى أنه في حين أن الكثير من الضجيج حول الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية ركز على قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتعليم والسياحة، فإن خط أنابيب إيلات ـ عسقلان يجلب صفقة إلى عالم البترول، القلب النابض لاقتصاد الخليج.

وأضافت أنه "الآن بعدما كسر الإماراتيون الجليد، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية الإسرائيلية واسعة ومربحة، بدءًا من الاستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، وصولاً إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط الأوسع".

وقال مارك سيفيرز، سفير الولايات المتحدة السابق في عمان، حيث قام رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بزيارة رائدة قبل عامين: "إذا أجروا شراكات مع إسرائيليين، فهناك إمكانات هائلة لجميع أنواع الأعمال".

وتشير "فورين بوليسي" إلى أنه قبل ما يزيد قليلاً عن 60 عاماً عندما تم بناؤه، كان خط أنابيب إيلات-عسقلان بمثابة مشروع بناء ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة لإسرائيل وأوروبا في أعقاب أزمة السويس عام 1956، عندما فرض الرئيس المصري جمال عبد الناصر قيودًا على الشحن عبر القناة، ما أدى إلى عدوان القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية على مصر. لعبت الجهود اللاحقة التي بذلتها مصر لإغلاق قناة السويس بطول 120 ميلاً دوراً أيضاً في الحروب الإسرائيلية العربية في عامي 1967 و1973.

وأشارت المجلة إلى أن معظم النفط المتدفق عبر خط الأنابيب من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة ولكن سرية مع إسرائيل جاء لعقود من الزمن في عهد الشاه محمد رضا بهلوي.

وفي عام 1968، سجلت الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية ما كان يسمى آنذاك شركة خط أنابيب إيلات-عسقلان كمشروع مشترك لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الفلسطينية المحتلة وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أوروبا.

وأضافت أن الكثير من النفط الذي تدفق مبكراً تم بوساطة الملياردير مارك ريتش، الذي تم اتهامه لاحقاً في الولايات المتحدة بمواصلة التجارة مع إيران بعد عام 1979، عندما تم إعلانها دولة معادية. وحصل ريتش على عفو عام 2001 من قبل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، الذي قال إنه تأثر جزئياً بمناشدات القادة الإسرائيليين ورؤساء المخابرات.

وقال داعمو "التاجر المارق"، بمن فيهم رئيسا الوزراء الإسرائيليان السابقان شيمون بيريز وإيهود باراك، إنه أنقذ دولة الاحتلال مرارا من محاولات تدميرها. وريتش، الذي لم يُدَن قط، توفي عام 2013.

وأمرت محكمة سويسرية إسرائيل في عام 2015 بدفع تعويضات لإيران بنحو 1.1 مليار دولار كحصة من الأرباح من الملكية المشتركة لخط الأنابيب منذ قطع الخصمين العلاقات في عام 1979، لكن إسرائيل رفضت الدفع.

وقالت "فورين بوليسي" إنه بينما تم بناء خط الأنابيب الرئيسي للشركة البالغ قطره 42 بوصة لنقل النفط الإيراني شمالًا إلى البحر الأبيض المتوسط، فإنها تقوم الآن بمعظم أعمالها في الاتجاه المعاكس. ويمكنها ضخ النفط الذي تم تفريغه في عسقلان من السفن المرسلة من قبل منتجين، مثل أذربيجان وكازاخستان، إلى ناقلات في خليج العقبة لنقلها إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا.

ويعمل بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب بمقاس 16 بوصة يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل. كما تجني الشركة الأموال من تشغيل صهاريج التخزين في محطات الشحن الخاصة بها.

وتضيف المجلة الأميركية أن ميزة خط الأنابيب على قناة السويس هي قدرة المحطات في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم، لكنها أكبر من أن تتناسب مع القناة.

ويمكن للسفن المعروفة في مجال النفط الخام باسم VLCCs ، أو ناقلات النفط الخام الكبيرة جدًا، نقل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط.

ومن ناحية أخرى، فإن قناة السويس التي يبلغ عمرها أكثر من 150 عامًا، يكفي عمقها واتساعها فقط للتعامل مع ما يسمى بسفن سويز ماكس، مع نصف سعة ناقلة النفط العملاقة فقط. وبالتالي يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر الأراضي المحتلة. مع رسوم باتجاه واحد عبر السويس تصل لما بين 300 ألف دولار و400 ألف دولار، ويقول ليفي إن خط الأنابيب يسمح لإسرائيل بتقديم حسم كبير.

وتقول "فورين بوليسي" إن عمل الشركة كان أحد أسرار إسرائيل التي تخضع لحراسة مشددة حتى اليوم، إذ لا تصدر EAPC أي بيانات مالية.

ويقول ليفي إنه لا يمكنه الكشف عن أسماء العملاء -رغم أنه يقول إنهم يشملون "بعضًا من أكبر الشركات في العالم"، وأن المعلومات القليلة المعروفة علنًا لم تظهر إلا نتيجة المعارك القانونية التي أعقبت الانهيار في خط الأنابيب عام 2014 والذي تسبب في أسوأ كارثة بيئية في تاريخ حكومة الاحتلال، ما أدى إلى تسرب أكثر من 1.3 مليون غالون من النفط الخام إلى المحمية الطبيعية الصحراوية في عين إيفرونا.

وتقول المجلة إنه إذا كانت EAPC غير شفافة، فإن الأبعاد التي يذهب إليها عملاؤها لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات التسجيل المتعددة وأساليب إخفاء الشركات الأخرى تعتبر أسطورية، حيث إن المقاطعة التي فرضتها والإمارات وجيرانهما المنتجون للنفط كانت تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج، وهو ما يؤدي إلى تدمير أعمالهم.

وقال ليفي، وهو قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية، لمجلة فورين بوليسي، إن السرية المطلوبة جعلت مسار خط الأنابيب مكلفًا للغاية بالنسبة لمعظم الشحنات. "وكان على العديد من السفن التي جاءت إلى إيلات وعسقلان القيام بهذه العمليات حتى لا تتم مقاطعتها في ميناء أو آخر. وإذا كانت السفينة تخشى أن يتم إدراجها في القائمة السوداء ومقاطعتها ، فسيتم تسعيرها. كل هذا يكلفني مالًا لذلك سيرتفع سعر النقل".

وتشير المجلة إلى أن عمل EAPC سيتحسن بشكل كبير مع تآكل المقاطعة العربية. وقال ليفي: "إذا انخفضت المخاوف [بشأن السرية] بشكل كبير، فإن السعر سينخفض بشكل كبير"، "ثم يصبح ذلك مجديًا اقتصاديًا وأكثر فائدة". 

ويقول ليفي إن هدفه هو أن يستحوذ خط الأنابيب على ما بين 12 و17 في المائة من تجارة النفط التي تستخدم الآن قناة السويس.

وبسبب قيود القناة، يتم ضخ الكثير من خام الخليج المتجه إلى أوروبا وأميركا الشمالية عبر خط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط (المعروف بخط سوميد) في مصر، والذي تمتلك فيه السعودية والإمارات حصة.

ومع ذلك، يعمل خط الأنابيب المصري في اتجاه واحد فقط، ما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي، والذي يمكنه أيضًا التعامل، على سبيل المثال، مع النفط الروسي أو الأذربيجاني المتجه إلى آسيا.

وتقول المجلة الأميركية إن مصر "ستكون الخاسر"، والتي ستشهد ضعف الأعمال وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع وجود منافسة.

وتضيف أنه حتى مع تكوين صداقات جديدة في الخليج، تحتاج الشركة الإسرائيلية إلى توخي الحذر بشأن التعمق في مصادر الدخل لمصر، الدولة العربية الأولى التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979، وواحدة من أفقر الدول. ويقول سيفيرز ، السفير السابق: "لا أعتقد أن ذلك سيجعل المصريين سعداء".

ويقول الخبير الهندسي في مشروعات منطقة قناة السويس، والأستاذ بجامعة قناة السويس ممدوح حمزة، إن قيمة دخل قناة السويس من الملاحة هو حاصل ضرب رقمين، الأول هو الحمولة العابرة بالطن، والثاني هو رسم العبور لكل طن طبقاً لما تحدده الهيئة.

ويضيف ان "الحمولة العابرة" يتحكم فيها حجم التجارة العالمي المتغير ما بين الشرق والغرب،  أما "الحد الأقصى للرسوم" لكل طن فتحدده وتشكل سقفاً له كلفة النقل بالطرق البديلة لنقل البضاعة ما بين الشرق والغرب.

ويوضح حمزة أنه في المـاضي كان هناك طريق بديل وحيد هو طريق "رأس الرجاء الصالح"، أما الآن فهناك أربعة طرق بديلة إضافية، وهي طرق ليست الأمثل ولكنها بالفعل تشكل بدائل جزئية، ولكن جاذبة لبعض البضائع ومن بعض الموانئ، وهي الطرق البديلة للخطوط الملاحية والتي قد تؤثر جزئياً على تدفق السفن إلى قناة السويس.

ويشير إلى أن الطرق البديلة الجزئية هي طريق الحرير وهو خط السكة الحديد الذى يربط ما بين أقصى شرق الصين وأقصى غرب إسبانيا بطول (13000) كيلو متر، والبديل الثاني هو محور إيلات أشدود، الذي بدأ تنفيذه عام 2014 بتمويل صيني قدره 5 مليارات دولار مقابل غاز من  البحر المتوسط وسيكون ميناءً محورياً داخلياً خلف إيلات وخط سكة حديد يبلغ طوله حوالى 300 كيلومتر، ويبدأ من إيلات على البحر الأحمر جنوباً ويتجه حتى ميناء أشدود على البحر المتوسط.

ويضيف حمزة أن البديل الثالث هو المسار القطبي، وتبلغ مسافة المسار الملاحي من كوريا إلى روتردام (15000) كيلومتر. بينما تصل المسافة عن طريق قناة السويس إلى(22000) كيلومتر، وهو يستخدم الآن عدة أشهر في السنة. أما البديل الرابع فهو قناة بنما.

المساهمون