غادر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في زيارة إلى المنطقة تستمرّ أياماً عدة، يبدأها في إسرائيل، وتشمل السودان والبحرين والإمارات. وفي الأسبوع المقبل، يقوم مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنر بجولة مماثلة، يرافقهما فيها مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي روبرت أوبراين وعدد من المساعدين. كلاهما تتصل زيارته أساساً على ما ذُكر، بموضوع إشهار التحالف الإماراتي - الإسرائيلي.
وفي ضوء ظروف البيت الأبيض المعروفة، لا تبدو هذه الهرولة المفاجئة أنها جاءت للتهنئة أو لبحث قضايا أمنية إقليمية مشتركة فحسب، بقدر ما هي لاستعجال نسخ الاعتراف الإماراتي – الإسرائيلي، وحث الدول المرشحة في المنطقة، أو بالأحرى حملها على الإقدام على مثل هذه الخطوة قبل الانتخابات الرئاسية. فعامل الزمن ضاغط، وحاجة الرئيس ملحّة لتحقيق أي إنجاز، خصوصاً إذا كان من النوع الذي يلقى الترحيب الأميركي عموماً حتى من جانب خصومه، مثل اعتراف دول عربية بإسرائيل، خصوصاً أن القابلية متوفرة، ولم يبقَ غير تحديد التوقيت وإخراج الإعلان. فكلّ شيء، وكلّ تحرك أميركي من الآن وصاعداً هو بصورة أو بأخرى محكوم ومربوط بالانتخابات وحساباتها، وحتى يوم الاستحقاق.
عامل الزمن ضاغط، وحاجة ترامب ملحّة لتحقيق أي انجاز قبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر
مساء اليوم الاثنين، يفتتح الحزب الجمهوري مؤتمره الوطني العام لتبني ترشيح الرئيس ترامب ونائبه مايك بنس رسمياً. وكما فعل الحزب الديمقراطي الأسبوع الماضي، يحشد البيت الأبيض وماكينته الانتخابية في هذه المناسبة كل إمكانات الاستنفار والاستقطاب، لتسخين المحركات قبل إقلاع الرحلة الأخيرة التي تبدأ بعد أيام المؤتمر الأربعة، وتصل إلى محطتها الأخيرة في الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
لكن خلافاً لما شهده المؤتمر الديمقراطي، يعقد الحزب الجمهوري مهرجانه الانتخابي الكبير في ظل وضع مهتز وأرقام لغير صالح الرئيس. فقد كان من المحرج للرئيس أن تنسلخ أسماء كبيرة من صفوف الجمهوريين عن حزبها لتشارك في مؤتمر الديمقراطي (مثل حاكم ولاية أوهايو السابق جون كاسيك ووزير الخارجية السابق الجنرال كولن باول) دعماً للمرشح جو بايدن. والمحرج أكثر، أن شخصيات وازنة من الجمهوريين أعلنت خلافاً للعادة والتقاليد، عدم مشاركتها ولا حتى بالفيديو، في مؤتمر حزبها الذي سيتبنى ترشيح ترامب، من بينها عدد من أعضاء مجلس الشيوخ 7 أو أكثر، إضافة إلى عدد من النواب، فضلاً عن مسؤولين كبار سابقين، منهم الرئيس جورج بوش وربما نائبه ريتشارد تشيني، وغيرهما مثل حاكم ولاية ساوث كارولينا السابق مارك سانفورد.
ففي الصف القيادي الجمهوري كثير من التأفف والفتور تجاه البيت الأبيض. شريط الأسباب طويل. آخر وأهم حلقاته، تعاطي الرئيس مع كورونا خلافاً لشبه الإجماع الطبي والعلمي، وبما أدى إلى نتائج مكلفة تفوق نسبياً أي بلد في العالم. ويربط الخبراء بين هبوط رصيد الرئيس الانتخابي وبين أرقام الإصابات والوفيات، فضلاً عن أرقام البطالة والشلل الاقتصادي الذي تسبب به استفحال الفيروس بسبب "سوء إدارة أزمته". وكانت آخر فصول المشهد إعلان الرئيس الأحد عما يشبه القطيعة بينه وبين المرجعيات الطبية الرسمية المعنية بالإشراف على الجائحة وتطوراتها. وفي سياق متصل، أعلنت مستشارة الرئيس كاليان كونواي استقالتها ابتداءً من آخر الشهر الجاري، وهي المسؤولة الوحيدة الباقية من الطاقم الذي استقدمه الرئيس معه في بداية ولايته.
لهذا وغيره من الأعطاب، ثمة من يتحدث عن خشية الجمهوريين من ثمن كبير يشمل خسارة فادحة في انتخابات كلّ من الكونغرس والرئاسة، إذا ما بقي الحال على ما هو عليه الآن من تعثّر، بما يقتضي الاستدراك عشية دخول الحملة الانتخابية فصلها الأخير. ومن هنا بالنسبة للبيت الأبيض، أهمية تعزيز ما ينزل في خانة إنجازاته الخارجية التي تلقى الترحيب في الساحة الأميركية، مثل تحقيق اعترافات عربية جديدة بإسرائيل، علّ في ذلك بعض التعويض. وليس صدفة أن الوزير بومبيو سيخاطب مؤتمر الحزب الجمهوري بالفيديو خلال زيارته للمنطقة، للتذكير مباشرة أو غير مباشرة بموضوع الاعتراف. فليس من المعتاد أن يلقي وزير الخارجية كلمة في هذه المناسبة، لكن الظرف الحالي غير اعتيادي.