هذه مأساة عاملات إثيوبيات تُركن على الرصيف في لبنان

04 يونيو 2020
كيف تعودان إلى الوطن؟ (حسين بيضون)
+ الخط -

وسط الأزمة المعيشية التي تطاول لبنان منذ أشهر والتي فاقمتها كذلك أزمة كورونا التي أثّرت على اقتصادات العالم ككلّ، تضرّرت اليد العاملة الأجنبية كثيراً. وفي الأيام الأخيرة، برزت قضية عاملات إثيوبيات وجدنَ أنفسهنّ مشرّدات.

أمام قنصلية إثيوبيا في منطقة الحازمية، إلى الشرق من العاصمة اللبنانية بيروت، قضت عشرات العاملات المنزليات أيّاماً على الرصيف، بعدما تخلّى عنهنّ أصحاب أعمالهنّ بذريعة عدم قدرتهم على دفع رواتبهنّ بالدولار الأميركي أو بما يعادل قيمة المستحقات بالعملة المحلية، إذ إنّ سعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء تجاوز أربعة آلاف ليرة لبنانية فيما قيمة الدولار الواحد بحسب سعر الصرف الرسمي هي نحو 1515 ليرة لبنانية. ومساء أمس الأربعاء، تحرّكت وزارة العمل اللبنانية وعملت بالتنسيق مع الحكومة ووزارة السياحة على تأمين فندق لهنّ في بيروت، إثر انتشار تسجيل فيديو مؤثّر جداً أحدث ضجّة على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مأساة عاملات ضعيفات ومكسورات جعلنَ من الرصيف ملاذاً لهنّ بعيداً عن وطنهنّ.

سلام، امرأة إثيوبية متزوّجة تستقرّ في لبنان، حرصت على زيارة رفيقاتها أمام القنصلية يومياً. تقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "العاملات هنا، بمعظمهنّ، تُركن بلا مأوى بعدما رفض أصحاب العمل إعطاءهنّ أجورهنّ منذ أكثر من ثلاثة أشهر. وثمّة أخريات قرّرنَ ترك العمل لأنّ راتب الواحدة منهنّ، الذي يصل إلى حدّ 200 دولار أميركي والذي يتقاضينَه بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي، لم تعد له أيّ قيمة، خصوصاً أنّ العاملات مضطرات إلى تحويل المبلغ إلى الدولار الأميركي حتى يتمكنّ من إرساله الى عائلاتهنّ في إثيوبيا".

وقد صرّحت وزيرة العمل اللبنانية لميا يمّين الدويهي، في اتصال مع "العربي الجديد"، اليوم الخميس، بأنّ "العاملات نُقلنَ إلى فندق في بيروت حيث خضعنَ للفحص الخاص بفيروس كورونا الجديد (PCR) في انتظار صدور النتائج للتأكد من إصابات محتلمة بينهنّ، على أن يُرسَلنَ لاحقاً إلى مؤسسة كاريتاس إلى حين تسهيل أمورهنّ من قبل القنصلية الإثيوبية". ولفتت يمّين الدويهي إلى أنّ "المشكلة الأساسية تكمن في أنّ الطيران الإثيوبي يفرض دفع ثمن تذكرة السفر بالدولار الأميركي وكلفتها مرتفعة، إلى جانب الحجز في الفندق لمدّة 14 يوماً، وهو أمر لم يُقدم عليه أيّ بلد"، متمنية أن "تعمل القنصلية الإثيوبية على تسهيل أمور العاملات سريعاً". أضافت يمّين الدويهي: "ونحن (وزارة العمل) سنتابع من جانبنا موضوع أصحاب العمل الذين تركوا العاملات من دون مأوى ورفضوا دفع رواتبهنّ". وعلمت "العربي الجديد" بعد التواصل مع إدارة الفندق حيث توجد العاملات، أنّ 35 عاملة أجرينَ، اليوم الخميس، الفحوص المطلوبة، فيما التواصل قائم بين الإدارة ووزارتَي العمل والسياحة لمتابعة الخطوات اللاحقة والتفاصيل الأخرى.



من جهته، قال نقيب أصحاب مكاتب استقدام عاملات المنازل في لبنان علي الأمين، لـ"العربي الجديد": "تواصلنا مع القنصلية الإثيوبية من أجل تأمين عودة العاملات اللواتي يشكّلن أكبر جالية في لبنان تفوق الثلثَين، وبذلنا جهداً كبيراً في هذا الموضوع مع المعنيّين في لبنان لتأمين التسهيلات والإعفاء من الرسوم تحضيراً لعودتهنّ، لكنّ عراقيل جديدة ظهرت في اللحظة الأخيرة وهي فرض تكاليف الحجر في الفندق عليهنّ، علماً أنّها تصل إلى 600 دولار أميركي للعاملة الواحدة، في حين يبلغ ثمن تذكرة السفر 680 دولاراً". يضيف: "وعند جمع الرقمَين يصير المبلغ مرتفعاً جداً ويتخطّى ألف دولار، ما يفوق قدرة صاحب العمل الذي يواجه أوضاعاً اقتصادية صعبة. بالتالي جُمّدت الرحلات وما زلنا ننتظر وعوداً بحلّ مسألة تكاليف الحجر".



في السياق، أوضحت مسؤولة حملات لبنان والأردن في منظمة العفو الدولية ديالا حيدر، لـ"العربي الجديد"، أنّ "العاملات اللواتي قضين مدّة أمام قنصلية بلادهنّ، هنّ إمّا عاملات تخلّى عنهنّ أصحاب أعمالهنّ وتركوهنّ من دون أيّ أغراض شخصية أو أوراق ثبوتية أو رواتب، وإمّا عاملات غادرنَ منازل مستخدميهنّ بعدما رفض هؤلاء سداد ثمن تذكرة عودتهنّ إلى بلادهنّ. تُضاف إلى كلّ هؤلاء، عاملات غير مسجلات لجأنَ إلى القنصلية بهدف تسهيل أمورهنّ وتأمين عودتهنّ إلى إثيوبيا". وأشارت حيدر إلى أنّه "من واجب وزارة العمل التأكد من استحصال العاملات جميعهنّ على أجورهنّ غير المدفوعة، وملاحقة أصحاب العمل على المخالفات التي ارتكبوها، لأنّ مشهد العاملات يعبّر عن مأساة حقيقية وطريقة تركهنّ مخزية ولا يجب أن تمرّ من دون محاسبة. كذلك يتوجّب على أصحاب العمل أن يتكفلوا بتذاكر السفر بحسب ما ينصّ العقد الموقع بينهم وبين العاملات". وطالبت حيدر وزارة الداخلية بـ"التعامل بشفافية مع قضية عودة العمّال والعاملات الأجانب في إطار الرحلات التي أعلن جهاز الأمن العام اللبناني عن تنظيمها، ونشر كلّ المعلومات عنهم، والتواصل مع القنصليات والسفارات تبعاً لجنسياتهم لمساعدة هؤلاء سواء الموثقين أم غير الموثقين في تحمّل تكاليف السفر".

أمّا المسؤولة الإعلامية في مؤسسة "كاريتاس" (منظمة غير حكومية)، ربى ديراني، فقالت لـ"العربي الجديد"، إنّ "القسم القانوني في المؤسسة يتابع قضية العاملات اللواتي وبعد صدور نتيجة الفحوص الخاصة بكورونا سيتوجهنَ إلى مراكز الاحتواء التابعة لها وعددها ستّة والمخصّصة عادة للاهتمام بالعاملات الأجنبيات اللواتي يعانينَ من مشاكل مختلفة".



يُذكر أنّ وزارة العمل أصدرت، اليوم الخميس، بياناً أعلنت فيه أنّها نسّقت مع المديرية العامة للأمن العام ومديرية الطيران المدني لوضع آلية لمغادرة من يرغب من العمّال والعاملات الأجانب، وقد أبلغت السفارات المعنيّة بتأمين الفحص الخاص بفيروس كورونا قبل المغادرة بسعر منخفض. ودعا البيان السفارات المعنيّة والأمن العام والجمعيات والمنظمات الدولية إلى تحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقها، خصوصاً أنّ المشكلة القائمة ذات أوجه عدّة، فثمّة عاملات يشتغلنَ بطريقة غير شرعية وعليهنّ تسوية أوضاعهنّ قبل المغادرة، وثمّة من تريد المغادرة طوعاً إلى بلدها، كذلك فإنّ ثمّة أصحاب عمل يرغبون في ترحيل العاملات لديهم نتيجة الأوضاع الاقتصادية الراهنة وهم أبدوا استعدادهم لدفع التكاليف المتوجبة عليهم. وأكدت وزارة العمل أنّ المشكلة اليوم ليست من جهة الدولة اللبنانية بل من جهة الدول مصدر اليد العاملة والتي تواجه ضغوطاً داخلية بسبب عودة مواطنيها، خصوصاً الدولة الإثيوبية، داعية كلّ من لديه مشكلة متعلقة بهذا الشأن إلى إعلامها بها للعمل على معالجتها وفق القوانين المرعية الإجراء.

وكانت منظمة العفو الدولية قد طالبت، أمس الأربعاء، السلطات اللبنانية بحماية عاملات المنازل المهاجرات المحاصرات في البلاد بعد فصلهنّ بسبب الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، مؤكدة أنّه لا يمكنها تجاهل محنتهنّ بموجب نظام الكفالة، خصوصاً أنّ حياتهنّ باتت أيضاً في خطر وليس فقط حقوقهنّ المقيّدة. أضافت المنظمة أنّ وزارة العمل هي مسؤولة عن تطبيق العقد الموحّد الذي يضمن للعمّال المهاجرين الحقّ في الأجر والإقامة، وعليها العمل مع وزارتَي الشؤون الاجتماعية والداخلية لحلّ هذه الأزمة. وقد دعت المنظمة وزارة العمل إلى إنشاء وحدة تفتيش لمراقبة ظروف عمل المهاجرات من عاملات المنازل للتصرّف سريعاً بمجرّد حصول أيّ خرق للعقد من قبل أصحاب العمل.



تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة العفو الدولية قابلت 10 عاملات منازل إثيوبيات في 28 مايو/ أيار المنصرم، منهنّ من أفدنَ بأنّ أصحاب أعمالهنّ توقفوا عن دفع رواتبهنّ ورفضوا منحهنّ تذاكر للعودة إلى بلادهنّ على النحو المنصوص عليه في العقد الموحّد الموضوع لحماية حقوق العمّال المنزليين. وتناولت المنظمة قصة مكدة (21 عاماً)، التي كانت تنام على الرصيف في خارج القنصلية الإثيوبية بعدما تركتها مشغّلتها هناك مع أمتعتها رغماً عنها. ونقلت عنها قولها: "لم تدفع لي صاحبة العمل راتبي الأخير، ورفضت دفع ثمن تذكرة العودة، وتركتني هنا. فرآني عنصر أمني وأنا أبكي وسألني عن رقم صاحبة العمل، ثمّ اتصل بها على الفور وطلب منها العودة لأخذي الى المنزل. فعادت لكنّها أعطتني فقط جواز السفر والوثائق الخاصة بي وهويّتي وغادرت. أنا لا أعرف ما يجب عليّ القيام به لكنّني أريد العودة إلى البيت".