01 أكتوبر 2022
هذه السخافة في مصر
يحتفظ المجال العام في مصر للنقاش حول قضايا المرأة بقدر هائل من القدرة على إعادة إنتاج جدلٍ يفترض أنه انتهى قبل أزمان سحيقة، ومن أسخف ما يُطرح فيه هو سخرية بعض الرجال من حقوق المرأة، باعتبارها نالتها بالفعل، ونحن من يحتاج حقوقاً اليوم. لكن السخافة تبلغ حد الهزلية، حين تنتقل من جلسات المقاهي إلى جلسات البرلمان. النائب عمر عمروش، وكيل لجنة الشؤون الدينية شخصياً، أعد مشروع قانون "المجلس القومي للرجل"، مبرّراً ذلك بأن الرجل لا يجد من يدافع عنه في أمور مثل قضايا النفقة التي ترفعها عليه المرأة! تعرّض الرجل لهجوم حاد دفعه إلى القول إنه سيغير اسم المشروع إلى المجلس القومي للأسرة.
والحقيقة أن النائب يعبر عن واقع نشاهد فيه رجالاً متعلمين بأعلى الدرجات، يتنطع أحدهم قائلاً إن المرأة تضيق علينا في أعمالنا، وتستولي على فرصنا، أو إن المرأة لا يمكنها تولي القضاء والمناصب، لأنها تمر بالدورة الشهرية، أو حتى إننا نريد عربة مترو للرجال، كما للسيدات عربة.
يعبر المشهد أولاً عن فشل شامل لقشرة سياسات التحديث المفروضة حكومياً عبر عقود، لم يعبأ أحد بشرحٍ علمي وافٍ للعامة ولطلاب المدارس عن قضايا النوع الاجتماعي، ولماذا هناك كيان اسمه المجلس القومي للمرأة.
وهو جزء من عدم الاهتمام بزرع منهجية التفكير العلمي بشكل عام، وهو ما كان سيجعل المتحدث يجد بديهياً إجابات مثل إن مصر من أسوأ عشر دول في المساواة بين الرجل والمرأة، ومن أبرز أوجهها ضعف أجور النساء بالنسبة للرجال في المناصب نفسها، أو أن العالم يعج بالقاضيات العادلات والزعيمات القديرات، وقد أذلت ناصية العرب يوماً غولدا مائير الصهيونية، وكوندوليزا رايس الأميركية، وما زالت بريطانيا تذكر سياسات تاتشر بينما يتماسك الاتحاد الأوروبي بقرارات ميركل.
من زاوية أخرى، يعبر هذا النوع من الجهالات عن أزمة الطبقة الوسطى المصرية ضئيلة الحجم عالية الصوت، تظن دائماً أنها (مصر)، بينما في الواقع تم تجاوز إشكالية عمل المرأة مثلاً بمراحل في بلد فيه ثلث الأسر تنفق عليه المرأة المعيلة، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. هنا عمل المرأة ليس رفاهية، وليس نموذجه فقط زميلة حضرتك في المكتب المُكيف، بل هي أم باتعة بائعة الخضار في السوق وأم فاروق الخادمة في البيوت .. إلخ، حيث عدم العمل يعني الموت جوعاً ببساطة ومباشرة.
يُثار الحديث السخيف أيضاً عن عدم أهمية تخصيص حلول لقضايا المرأة، لأنها تعاني مثل الرجل من كل مشكلات المجتمع، ظلماً وفقراً وبطالة، وإذا تمكنّا من الوصول إلى الحل السياسي العام في دولةٍ ديمقراطيةٍ، ستحل كل المشكلات العامة بالتبعية.
هذا حق جزئياً وباطل جزئياً، صحيح أن لإشكالية المرأة أسبابا عامة، فالرجال الذين يعبرون عن ضيقهم بتضييقها على فرصهم في العمل يعبرون في الحقيقة عن أزمة اقتصادية عامة، تشمل الجميع وتنشأ فيها أخلاق الزحام، حيث التنافس على القوت بأي شكل، والرجال الذين يرددون أقوال العصور الوسطى هم ضحايا أزمة تعليم وخطاب ديني. لكن في المقابل، وكما في العالم كله، هناك أبعاد لفئات خاصة مهمشة، أو تحتاج دعماً، خصوصا أن هذا الحديث يتجاهل تراثاً متجذراً من السلطوية والذكورية بأوجهٍ لا تُحصر.
وختاماً، يطيح كل هذا العبث أوهام التحديث العلماني الذي هلل له بعضهم في العصر الحالي، بعد الخلاص من الإخوان المسلمين، بينما يرينا الواقع مراراً آراءً وأفعالاً خارقة الرجعية، في عصر فُصل فيه طالبٌ لأنه احتضن خطيبته، وسُجن فيه روائي لأنه "خدش الحياء العام"، وقال فيه رئيس إنه يرى نفسه مسؤولاً عن "دين الدولة".
والحقيقة أن النائب يعبر عن واقع نشاهد فيه رجالاً متعلمين بأعلى الدرجات، يتنطع أحدهم قائلاً إن المرأة تضيق علينا في أعمالنا، وتستولي على فرصنا، أو إن المرأة لا يمكنها تولي القضاء والمناصب، لأنها تمر بالدورة الشهرية، أو حتى إننا نريد عربة مترو للرجال، كما للسيدات عربة.
يعبر المشهد أولاً عن فشل شامل لقشرة سياسات التحديث المفروضة حكومياً عبر عقود، لم يعبأ أحد بشرحٍ علمي وافٍ للعامة ولطلاب المدارس عن قضايا النوع الاجتماعي، ولماذا هناك كيان اسمه المجلس القومي للمرأة.
وهو جزء من عدم الاهتمام بزرع منهجية التفكير العلمي بشكل عام، وهو ما كان سيجعل المتحدث يجد بديهياً إجابات مثل إن مصر من أسوأ عشر دول في المساواة بين الرجل والمرأة، ومن أبرز أوجهها ضعف أجور النساء بالنسبة للرجال في المناصب نفسها، أو أن العالم يعج بالقاضيات العادلات والزعيمات القديرات، وقد أذلت ناصية العرب يوماً غولدا مائير الصهيونية، وكوندوليزا رايس الأميركية، وما زالت بريطانيا تذكر سياسات تاتشر بينما يتماسك الاتحاد الأوروبي بقرارات ميركل.
من زاوية أخرى، يعبر هذا النوع من الجهالات عن أزمة الطبقة الوسطى المصرية ضئيلة الحجم عالية الصوت، تظن دائماً أنها (مصر)، بينما في الواقع تم تجاوز إشكالية عمل المرأة مثلاً بمراحل في بلد فيه ثلث الأسر تنفق عليه المرأة المعيلة، حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. هنا عمل المرأة ليس رفاهية، وليس نموذجه فقط زميلة حضرتك في المكتب المُكيف، بل هي أم باتعة بائعة الخضار في السوق وأم فاروق الخادمة في البيوت .. إلخ، حيث عدم العمل يعني الموت جوعاً ببساطة ومباشرة.
يُثار الحديث السخيف أيضاً عن عدم أهمية تخصيص حلول لقضايا المرأة، لأنها تعاني مثل الرجل من كل مشكلات المجتمع، ظلماً وفقراً وبطالة، وإذا تمكنّا من الوصول إلى الحل السياسي العام في دولةٍ ديمقراطيةٍ، ستحل كل المشكلات العامة بالتبعية.
هذا حق جزئياً وباطل جزئياً، صحيح أن لإشكالية المرأة أسبابا عامة، فالرجال الذين يعبرون عن ضيقهم بتضييقها على فرصهم في العمل يعبرون في الحقيقة عن أزمة اقتصادية عامة، تشمل الجميع وتنشأ فيها أخلاق الزحام، حيث التنافس على القوت بأي شكل، والرجال الذين يرددون أقوال العصور الوسطى هم ضحايا أزمة تعليم وخطاب ديني. لكن في المقابل، وكما في العالم كله، هناك أبعاد لفئات خاصة مهمشة، أو تحتاج دعماً، خصوصا أن هذا الحديث يتجاهل تراثاً متجذراً من السلطوية والذكورية بأوجهٍ لا تُحصر.
وختاماً، يطيح كل هذا العبث أوهام التحديث العلماني الذي هلل له بعضهم في العصر الحالي، بعد الخلاص من الإخوان المسلمين، بينما يرينا الواقع مراراً آراءً وأفعالاً خارقة الرجعية، في عصر فُصل فيه طالبٌ لأنه احتضن خطيبته، وسُجن فيه روائي لأنه "خدش الحياء العام"، وقال فيه رئيس إنه يرى نفسه مسؤولاً عن "دين الدولة".