هذه أبرز الأسباب الحقيقية لموجة الدمج المصرفي في الخليج

09 يناير 2019
البنوك السعودية تسرّع خطى اندماجاتها (فرانس برس)
+ الخط -
تسارع مصارف الخليج إلى التماسك ساعيةً لتعزيز قدرتها التنافسية في عصر انخفاض أسعار النفط، حيث أعلن أكبر بنك سعودي عن مفاوضات اندماج كبير مع منافس محلي، بعد أقل من عام على حدوث أول صفقة من هذا النوع في المملكة قبل 20 عاماً.

كما تعمل أبوظبي على دمج ثلاثة بنوك من مصارفها، وربما يكون ثاني أكبر اندماج من نوعه في الإمارة خلال أكثر من عام واحد بقليل، فيما تستمر الموجة ناشطةً، إذ يشارك نحو 12 مصرفاً إقليمياً آخر في محادثات استحواذ أو اندماج، وفقاً لتقرير نشرته اليوم الأربعاء وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

وتنطلق أسباب الاندماج أساساً من كون المصارف الإقليمية تعتمد اعتماداً كبيراً على الودائع الحكومية، وهو مورد يتغيّر صعوداً وهبوطاً تبعاً لحركة أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية. وبالتالي، بما أن اتجاه النفط نزولي عموماً، تجد المصارف حرجاً مع تراجع الودائع الحكومية لديها.

وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي الست (السعودية وقطر والإمارات وسلطنة عُمان والكويت والبحرين) عدداً كبيراً من المصارف، إذ يوجد 70 مصرفاً مُدرجة أسهمها في بورصات المنطقة تخدم نحو 51 مليوناً من السكان.

ورغم عدم وجود مقارنة دقيقة، إلا أن المملكة المتحدة لا يوجد فيها سوى نحو 12 مصرفاً مدرجاً بينما يناهز عدد سكانها 65 مليوناً.

شرارة النفط أشعلت سباق الدمج

بما أن نمو الأصول المصرفية في دول الخليج مرتبط بدرجة كبيرة بنمو الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، والذي يتحرّك إلى حد كبير بالتوازي مع أسعار النفط.

ومنذ عام 2014، تضررت دول مجلس التعاون الخليجي بسبب انخفاض أسعار النفط الخام على مدى 4 سنوات تقريباً، الأمر الذي دفع بالحكومات إلى إعادة النظر بموازناتها وأدى، تالياً، إلى تراجع ودائع الدولة في النظام المصرفي.

كما تواجه المصارف ضغوطاً نتيجة ارتفاع تكاليف الامتثال للمعايير المحاسبية الدولية الجديدة والمتغيّرات التكنولوجية وإدخال الضريبة على القيمة المضافة.

أبوظبي أكثر ساحات الدمج سخونةً

تعُم موجة الاندماج المصرفي منطقة الخليج، لكن أبوظبي كانت الساحة الأبرز. فقد أتمّت أكبر مصارف الإمارة عملية اندماج سنة 2017 استُحدث بنتيجتها "بنك أبوظبي الأول". كما أن تحالفاً في مارس/آذار بين "شركة مبادلة للاستثمار" و"مجلس أبوظبي للاستثمار" أوجَد صندوق ثروة سيادياً تبلغ أصوله نحو 220 مليار دولار.


والآن، يُجري "بنك أبوظبي التجاري" و"بنك الاتحاد الوطني" محادثات للاندماج مع "بنك الهلال". ومن شأن الصفقة، إذا تمّت، أن تُنشئ قوة إقليمية بأصول تناهز 110 مليارات دولار. وتتشارك البنوك الثلاثة ملك غالبية الأسهم في "مبادلة"، ما يعني أن الدمج من المتوقع أن يكون سلساً.

صفقات في طور الإنجاز

الصفقة الأبرز التي شهدتها السعودية في مايو/أيار 2018 تمثلت بموافقة "البنك السعودي البريطاني" التابع لمجموعة "إتش.إس.بي.سي القابضة" على شراء "البنك "الأوّل" المدعوم من "رويال بنك أوف سكوتلاند"، في صفقة بلغت قيمتها 5 مليارات دولار.

وبعد شهر، باعت مجموعة "جي.بي مورغان تشيس وشركاه" حصة نسبتها 7.5% في "البنك السعودي للاستثمار" إلى البنك الذي يتخذ الرياض مقراً.


البنوك القطرية والعُمانية

تتمتع قطر بأعلى نسبة بنوك قياساً بعدد السكان مقارنةً ببقية دول المنطقة، إذ يوجد فيها 18 مصرفاً محلياً ودولياً تخدم 2.7 ملايين شخص.

ولم تُستكمل محادثات دمج ثلاثة مصارف عام 2018 بسبب خلافات بين المساهمين حول التقييم، لكن "بنك بروة" و"بنك قطر الدولي" اتفقا في أغسطس/آب 2018 على الدمج.
وفي سلطنة عُمان، حيث يسيطر أكبر مصرف على نحو 35% من مجموع الأصول المصرفية، يتم إجراء عمليّتَي دمج حالياً بين "بنك ظفار" و"البنك الوطني العُماني" من جهة، وبين "بنك عُمان العربي" و"بنك عز الإسلامي" من جهة أخرى.

هل من صفقات إضافية متوقعة؟

من الصعب التنبّؤ بمفاوضات أو صفقات لم يُكشف عنها حتى الآن، خصوصاً أن عمليات الدمج المصرفي في الخليج عادة ما تكون معقّدة، وبسبب الحيازات الحكومية الضخمة في بعض المصارف، فإن صفقات الدمج كثيراً ما تحتاج إلى أن تحظى بالدعم السياسي.

وفي حين أن العديد من مباحثات الدمج قد بدأت فعلاً، لم يكتمل إلا القليل منها حتى الآن. وهذا يعني أن مصارف إقليمية إضافية قد تجد نفسها مضطرة إلى التقارب كي تستمر في الوقت الذي أصبح فيه وجود المصارف الصغيرة مهدداً.


ضغوط تنظيمية على بنوك الإمارات الصغيرة

كانت وكالة "رويترز" نشرت أمس تقريراً أشارت فيه إلى أن البنوك الصغيرة في دولة الإمارات تتعرض إلى ضغوط تنظيمية للاندماج، بعد أن دفعت تداعيات تراجع القطاع العقاري الدولة لقيادة جهود إنقاذ بنك الاستثمار الشهر الماضي.

ولدى الإمارات 50 بنكاً تجارياً، بينها 22 مصرفا محلياً، وهو عدد يُنظر إليه على أنه مرتفع جدا في بلد تعداد سكانه نحو 9.5 ملايين نسمة.

أما في السعودية، التي يبلغ تعداد سكانها 32 مليون نسمة، فلديها 12 بنكاً، ومن المنتظر أن ينخفض هذا العدد إلى عشرة مصارف إذا استُكملت بنجاح عمليات اندماج أُعلن عنها.

وبعد اندماج اثنين من أكبر بنوك الإمارات، هما "بنك الخليج الأول" و"بنك أبوظبي الوطني" عام 2017 في كيان جديد هو "بنك أبوظبي الأول"، تُجري 3 بنوك أخرى محادثات للاندماج بقيادة "بنك أبوظبي التجاري".

ويتوقع محللون تسارع الاندماجات في القطاع، نظراً لتباطؤ الاقتصاد وهبوط أسعار المنازل والمعايير المحاسبية المشددة وزيادة حدة المنافسة.

وقال صباح البينالي، الرئيس التنفيذي لـ"يونيفرسال ستراتيجي"، وهي شركة استثمار مقرها أبوظبي، إنه ستكون هناك ضغوط على البنوك الكبيرة لاستيعاب المصارف الأصغر حجما، مضيفاً: "يتوقع الناس اندماجات من وجهة نظر اقتصادية، لكن ما نراه الآن ربما يكون خطة تنظيمية أوسع نطاقا لدعم الميزانيات العمومية".

وفقدت البنوك الإماراتية الأصغر حجماً، وهي غالباً ذات ملكية عائلية، حصة سوقية لصالح أكبر 4 مصارف، والتي تسيطر الآن على نحو 65% من قروض القطاع المصرفي في البلاد، بحسب وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني. ورغم ذلك، يعارض ملاكها الاندماجات لأسباب من بينها الخلافات حول من الذي سيسيطر على الكيان المندمج.

لكن أحد المصرفيين، وهو يقدم مشورة للبنوك فيما يتعلق بالاندماجات والاستحواذات، قال إن هناك مزيدا من المحادثات الجارية حول اندماجات، وهو ما يشير إلى أن الملاك أصبحوا أكثر انفتاحا على الدمج.

لا سخاء كما في السابق


عام 2009، أنقذت الإمارات بنوكها الكبيرة من خلال أسهم جديدة بمليارات الدولارات، بدون أن تُحمل المساهمين الخسائر.

وبعد ذلك بتسع سنوات، ومع وفرة رأسمال تلك البنوك، تضيق السلطات على البنوك الأصغر جحما دون إظهار السخاء الذي تعاملت به مع البنوك الكبيرة.

واقترحت حكومة الشارقة شراء أسهم بنك الاستثمار بنحو 0.7 درهم (0.19 دولار) فقط للسهم، مقابل أحدث سعر لتداول السهم عند 2.4 درهم، بعدما أمرها مصرف الإمارات المركزي بتحمل الخسائر التي محت قاعدة رأسماله.

وقال المصرفي: "أصبح المصرف المركزي مشاركا بشكل أكبر مع جميع البنوك في ضمان أن يكون لديها نموذج مستدام لأنشطة الأعمال، وأن تكون المخاطر التي تتحملها تستطيع التكيف مع الصدمات النزولية".

مصرفي ثان قال إن المصرف المركزي كان يدقق على نحو صارم في الأصول المتعثرة، ويعترض على تصنيفات البنوك لتلك الأصول، وبصفة خاصة في القطاع العقاري. ولم يستجب مصرف الإمارات المركزي لطلب من رويترز للتعقيب.

انكشاف أكبر

مساعد نائب الرئيس في "موديز" للتصنيف الائتماني، ميك كابينا، قال إن البنوك الأصغر حجما مالت لانكشاف أكبر على الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تأثرت بشكل غير متكافئ بالضعف النسبي في الاقتصاد.

أضاف أنه كانت هناك حاجة إلى مجال أوسع لتلبية متطلبات الاستثمار الكبير المرتبطة بالالتزام والتكنولوجيا الرقمية والمعايير المحاسبية الجديدة.

أما مدير شؤون المؤسسات المالية لدى "فيتش"، ريدموند رامسديل، فقال من جهته، إن المصرف المركزي أصبح أكثر صرامة مع البنوك فيما يتعلق بالحفاظ على الحد الأدنى لرأس المال والسيولة ومستويات تغطية خسائر القروض.

وأضاف أن "العقارات والمقاولات من أكبر القطاعات المنكشفة عليها جميع بنوك الإمارات، وهذا ما يضع ضغوطا على مقاييس جودة الأصول لجميع المصارف".
المساهمون