هذا ما جرى للثورة السورية

20 فبراير 2015
+ الخط -

لم يكن ممكناً أن يستتبّ حكم سورية لنظام حافظ الأسد، ونظام ابنه من بعده، لو لم يكن خطابه الظاهر "وطنيا"، آتياً من فهم وإدراك شديدين لتركيبة المجتمع السوري والمنطقة المعقدة، فهو لن يستطيع أن يقدم نفسه، بوصفه سلطة ديكتاتورية مرتهنة بشكل واضح إلى سياسات خارجية، وتحالفات إقليمية، تحمل عناوين جوفاء، كالمقاومة. بالإضافة إلى أنه لم يعمل يوماً إلا على تفتيت كل ما هو وطني، خلال حكمه، بل وتشجيع وإحياء كل انتماءات ما قبل الدولة، الوشائجية والدينية.
مع بدء الثورة السورية، حمل الثائرون على نظام الأسد خطاباً وطنياً منافساً لخطاب النظام، يشبه الذي حملته الشعوب العربية في سلسلة الثورات التي كان طبيعياً وصولُ مدها إلى سورية، حيث كانت العدالة والحرية والكرامة والمساواة ونبذ الطائفية والعنف، شعارات المظاهرات التي خرجت ضده. وهذا ما أقلق النظام، حين شعر بأن شعبه يجرّه إلى مستوى راق من الصراع، من خلال مطالبته السلمية بحقوقه المفترضة كمواطنين، لعلمه أنه الخاسر الوحيد فيه، حيث إن تنافساً كهذا يفرض عليه ليبقى، أن يستبدل خطابه الوطني الفارغ من مضمونه، بصيغة تقنع جمهور الثائرين والمتضامنين مع الثورة، وتكون متفوقة على خطاب معارضيه، وهذا ما هو عاجز عنه، لأن جوهر وجوده مرتبط بنقيض هذا تماماً.
من أجل هذا، كان لا بد من تشويه خطاب مناهضيه، هذا أسهل عليه من تغيير بنيته، ليعود البريق إلى خطابه الوطني المبتذل، بوصفه أفضل المتاح. هكذا سعى إلى البطش الشديد، مستعيناً بإضفاء صبغة طائفية، لخلق شرخ عمودي في المجتمع المتنوع دينياً، لضمان استمرار الصراع وامتداده. تجلّى هذا من خلال القتل المنظم والممنهج وذبح الأطفال واغتصاب النساء وتدمير المنازل والمساجد وإحراق المحاصيل، وتقصّد نشر صور وتسجيلات للتعذيب الوحشي الذي يمارسه على معارضيه؛ ما سرّع اضمحلال الخطاب الوطني لمعارضيه، ونشوء خطاب أكثر راديكالية دينية، يستطيع مجابهة حرب الوجود، وامتلاك القوة التي أضحت قائمة بالفعل. وهذا ما مهد لنشوء "داعش" وانتشارها.
ونتيجة اختلافات وتعارض رغبات الدول الكبرى حول ما يجري في سورية، اكتفى العالم بمراقبة التحول في مسار الثورة، واشتراك أطراف عديدة فيه. حيث إنه، من جانب أول، لم يشأ الحفاظ على شكل الصراع الأولي، عن طريق دعم حقيقي لنواة الجيش الحر، المتشكلة من ضباط وطنيين منشقين عن جيش النظام، لعدم وجود هيئة سياسية صلبة، تستطيع تقديم ضمانات لمصالح الدول التي لن تسمح بنشوء نظام حكم جديد، لا "يراعي" وعورة المنطقة السياسية، وأمن إسرائيل، وجيوب إيران.
ومن جانب آخر، لم يشأ تفادي الصعود التدريجي لحركات إسلامية راديكالية متنوعة، لأن في ظهورها ذريعة لاستمرار غض الطرف عما يرتكبه نظام الأسد من جرائم، باسم محاربة القاعدة والإرهاب، ولرغبته، أيضاً، في أن يظهر النظام مخلّصاً لا قاتلاً، ما يعيد إمكانية التعامل معه مجدداً.
هذا ما تؤكده، شبهَ مجتمعة، توافقات هذه الدول فيما بعد، حول أن لا مخرج من هذا التعقيد الذي أوصلت هي الثورة السورية إليه، إلا بحل سياسي، يحتوي أطرافاً لا ﻳﻬم ﻗﺮﺑﻬﺎ، أﻭ ﺑﻌﺪﻫا، ﻋﻦ ﺛﻮﺭﺓ ﺍﻟﻨﺎس. ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺎ ﺗﺠﻠﻰ ﻓﻲ الإﻋﺪﺍﺩ ﺍﻟﻤﺤﻤﻮﻡ ﻟﻤﺆﺗﻤﺮﺍﺕ ﻓﺎﺭﻏﺔ، مثل ﺠﻨﻴﻒ، ﻭإﺭﺳﺎﻝ ﺑﻌﺜﺎﺕ ﻣﻦ الأﻣﻢ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ، ﻣﺄﻣﻮﻝ ﻣﻨﻬا ﻫﻨﺪﺳﺔ ﻭﺿﻊ ﺟﺪﻳﺪ ﻳﺠﻤﻊ ﺍﻟﻨﻆﺎﻡ ﺑﻜﻞ الأﻃﺮﺍﻑ الأﺧﺮﻯ، ﻭﻳﻀﻤﻦ ﻓﻴﻪ ﻛﻞ ﻃﺮﻑ ﻟﺮﻋﺎﺗﻪ مصالحهم.
هكذا، بعد أن تم تبديد الثورة الشعبية، يتم اغتيال ما يمكن أن يكون تأسيساً لسورية جديدة، تشبه التكوين الاجتماعي السوري الحقيقي، المتفاعل مع الحدث الثوري، باختلافاته وتنوعه، لحساب حالة كالتي كانت في عهد بشار الأسد وأبيه.
عمرو كيلاني

avata
avata
عمرو كيلاني (سورية)
عمرو كيلاني (سورية)