08 نوفمبر 2024
هذا العبثُ في اليمن
تدفع التطورات أخيرا في اليمن إلى مزيد من التعقيد على الصعد السياسية والميدانية والإنسانية كافة، وذلك في ضوء تضارب الأجندات المحلية والإقليمية، وعجز الحكومة الشرعية عن الانعطاف، ولو نسبيا، بالقرار الوطني بعيدا عن وصاية التحالف، وتفاقمِ الانقسامات بين مكوناتها، ما ينذر بغياب أي أفقٍ للحل السياسي على المدى القريب.
بعد خمسة أعوام على التدخل العسكري في اليمن، تبدو الحصيلة كارثية بكل المقاييس. وإذا كانت مسوّغات هذا التدخل قد بدت، حينها، وجيهةً في سياق الرد على الانقلاب الذي نفذه الحوثيون على حكومة الرئيس منصور عبد ربه هادي في سبتمبر/ أيلول 2014، فإن ارتفاع الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية للحرب على اليمن، وتوظيفَ السعودية هذه الحرب في صراعها مع إيران، وضعفَ الحكومة اليمنية، ذلك كله سحب بساط الشرعية المفترضة لهذا التدخل الذي فقد كل مبرراته السياسية والأخلاقية.
تتحمّل الحكومة اليمنية قسطا غير يسير مما آلت إليه الأوضاع في اليمن، بعد أن وضعت بيضها كله في سلة التحالف من دون أن تُبقيَ لنفسها هامشا، ولو ضيقا، للتأثير في منعرجات الأزمة خارج وصايته. ومع تشعّب النزاع وتعويمه في صراعات الإقليم، وتعدّد اللاعبين المتدخلين، كان عجز هذه الحكومة يتضاعف، سيما في غياب استعداد لدى الأطراف اليمنية الأخرى للتوصل إلى توافقات سياسية وميدانية تكون مدخلا لتسوية معينة. وفي المقابل، أدّى اتساعُ رقعة الحرب، وتزايدُ حدّة التنافس السعودي الإيراني، والخلطُ المستمر للأوراق، إلى فقدان اللاعبين الإقليميين زمام التحكّم في توجيه الوقائع لصالح أجنداتهم في ظل تواترٍ مريب في تغيير الولاءات والاصطفافات، خصوصا في محافظات الجنوب.
وإذا كان التقـاءُ مصالح السعودية والإمارات يعود، في جانب كبير منه، إلى رغبتهما في الإبقاء على اليمن ممزّقـا، وهو ما يتيح لهما إدارة تناقضات المعادلة اليمنية وفق مخططهما القاضي باجتثاث شأفـة الثورات العربية وضرب مصادر فاعليتها، فإن تشعب الأزمة ونجاح الحوثيين في الانعراج بها، في الشمال تحديدا، نحو حرب استنزاف طويلة ومكلفة، جعلا الدولتين تدركان أن حسم الحرب لصالح أجندتيْهما أضحى غير ممكن، إن لم يكن مستحيلا، أمام الإرباك الذي صار يسبّبه تعدّد الأطراف المحلية المتدخلة في الصراع، وبالأخص في محافظات الجنوب. ولا شك أن البنية التقليدية للاجتماع اليمني وسطوةَ الانقسامات العمودية العصبوية (قبلية، جهوية..) أسهمتا في إرباك حسابات التحالف السعودي الإماراتي، وتغذية صراع النفوذ، غير المعلن، بين الرياض وأبو ظبي، بعد أن أصبح تغيير ولاءات اللاعبين المحليين مصدرا رئيسيا لهذا الصراع. وعلى الرغم من أن الإمارات تعترف بالنفوذ السعودي في المحافظات الشمالية لأسباب جغرافية وتاريخية، إلا أنها لا تبدو مستعدّة لذلك في المحافظات الجنوبية التي تمثل، بالنسبة لها، امتدادا حيويا ومختبرا مفتوحا لتجريب فاعلية أدوارها داخل محور الثورة المضادة. وقد جاءت الأحداث في جزيرة سقطرى أخيرا لتكشف جزءا من هذا الصراع، فحين يلوح قادة المجلس الانتقالي الجنوبي بخيار الحرب، فذلك يعني أن هناك إصرارا، من المجلس (والإمارات طبعا) على إخراج السعودية من المعادلة الجنوبية، كما يعني، أيضا، أن المجلس يسعى إلى حشد الدعم الدولي لمشروع الانفصال في ضوء رسالته إلى سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لدى اليمن.
وبذلك يصبّ الوضع في الجنوب في مصلحة الإمارات، المؤيدة لمشروع الانفصال، ويمنحها هامشا لتدوير نفوذها. ولكنه يُربك حسابات السعودية، ويجعل موقفها غير واضح بشأن تحرّكات المجلس الانتقالي، سيما في ظل عجزها عن تنزيل مقتضيات اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة اليمنية والمجلس في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، وإخفاقِها المتواصل أمام الحوثيين في الشمال.
ما يحدث في اليمن مثالٌ صارخٌ على مساحة العبث الواسعة في السياسة العربية، فعلى الرغم من التكاليف الباهظة التي دفعتها، ولا تزال، الأطراف المحلية والإقليمية المشاركة في الحرب، وتفكّك النسيج المجتمعي والأهلي في اليمن وتدمير بنيته التحتية، والتفشّي المستمر لفيروس كورونـا في العالم، إلا أن ذلك كله لا يبدو أنه يشكل مسوغا سياسيا وأخلاقيا لإنهاء معاناة الشعب اليمني.
تتحمّل الحكومة اليمنية قسطا غير يسير مما آلت إليه الأوضاع في اليمن، بعد أن وضعت بيضها كله في سلة التحالف من دون أن تُبقيَ لنفسها هامشا، ولو ضيقا، للتأثير في منعرجات الأزمة خارج وصايته. ومع تشعّب النزاع وتعويمه في صراعات الإقليم، وتعدّد اللاعبين المتدخلين، كان عجز هذه الحكومة يتضاعف، سيما في غياب استعداد لدى الأطراف اليمنية الأخرى للتوصل إلى توافقات سياسية وميدانية تكون مدخلا لتسوية معينة. وفي المقابل، أدّى اتساعُ رقعة الحرب، وتزايدُ حدّة التنافس السعودي الإيراني، والخلطُ المستمر للأوراق، إلى فقدان اللاعبين الإقليميين زمام التحكّم في توجيه الوقائع لصالح أجنداتهم في ظل تواترٍ مريب في تغيير الولاءات والاصطفافات، خصوصا في محافظات الجنوب.
وإذا كان التقـاءُ مصالح السعودية والإمارات يعود، في جانب كبير منه، إلى رغبتهما في الإبقاء على اليمن ممزّقـا، وهو ما يتيح لهما إدارة تناقضات المعادلة اليمنية وفق مخططهما القاضي باجتثاث شأفـة الثورات العربية وضرب مصادر فاعليتها، فإن تشعب الأزمة ونجاح الحوثيين في الانعراج بها، في الشمال تحديدا، نحو حرب استنزاف طويلة ومكلفة، جعلا الدولتين تدركان أن حسم الحرب لصالح أجندتيْهما أضحى غير ممكن، إن لم يكن مستحيلا، أمام الإرباك الذي صار يسبّبه تعدّد الأطراف المحلية المتدخلة في الصراع، وبالأخص في محافظات الجنوب. ولا شك أن البنية التقليدية للاجتماع اليمني وسطوةَ الانقسامات العمودية العصبوية (قبلية، جهوية..) أسهمتا في إرباك حسابات التحالف السعودي الإماراتي، وتغذية صراع النفوذ، غير المعلن، بين الرياض وأبو ظبي، بعد أن أصبح تغيير ولاءات اللاعبين المحليين مصدرا رئيسيا لهذا الصراع. وعلى الرغم من أن الإمارات تعترف بالنفوذ السعودي في المحافظات الشمالية لأسباب جغرافية وتاريخية، إلا أنها لا تبدو مستعدّة لذلك في المحافظات الجنوبية التي تمثل، بالنسبة لها، امتدادا حيويا ومختبرا مفتوحا لتجريب فاعلية أدوارها داخل محور الثورة المضادة. وقد جاءت الأحداث في جزيرة سقطرى أخيرا لتكشف جزءا من هذا الصراع، فحين يلوح قادة المجلس الانتقالي الجنوبي بخيار الحرب، فذلك يعني أن هناك إصرارا، من المجلس (والإمارات طبعا) على إخراج السعودية من المعادلة الجنوبية، كما يعني، أيضا، أن المجلس يسعى إلى حشد الدعم الدولي لمشروع الانفصال في ضوء رسالته إلى سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لدى اليمن.
وبذلك يصبّ الوضع في الجنوب في مصلحة الإمارات، المؤيدة لمشروع الانفصال، ويمنحها هامشا لتدوير نفوذها. ولكنه يُربك حسابات السعودية، ويجعل موقفها غير واضح بشأن تحرّكات المجلس الانتقالي، سيما في ظل عجزها عن تنزيل مقتضيات اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة اليمنية والمجلس في نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم، وإخفاقِها المتواصل أمام الحوثيين في الشمال.
ما يحدث في اليمن مثالٌ صارخٌ على مساحة العبث الواسعة في السياسة العربية، فعلى الرغم من التكاليف الباهظة التي دفعتها، ولا تزال، الأطراف المحلية والإقليمية المشاركة في الحرب، وتفكّك النسيج المجتمعي والأهلي في اليمن وتدمير بنيته التحتية، والتفشّي المستمر لفيروس كورونـا في العالم، إلا أن ذلك كله لا يبدو أنه يشكل مسوغا سياسيا وأخلاقيا لإنهاء معاناة الشعب اليمني.