هذا الذي كُتب على الجزائريين

11 سبتمبر 2019
تريد السلطة دفع الجزائر إلى انتخابات مشوشة (العربي الجديد)
+ الخط -
هل كُتب على الجزائر دولة، وعلى الجزائريين شعباً، أن يوضعا على مر التاريخ السياسي بين خيارين كلاهما نكبة وفي كليهما خديعة سياسية وغش تاريخي مصطنع؟ في أزمة التسعينيات خُيّر الجزائريون بين انقلاب الدبابة، وبين تشدد جماعات سياسية متهورة انحاز جزء منها إلى العنف والإرهاب، وكان ذلك واضحاً في خطابات السياسيين والعسكريين وقتها. وفي العام 1999 وُضع الجزائريون بين خيار المصالحة الجبرية، وبين خيار تحصين الانقلابيين وإفلاتهم من العقاب، على الرغم من الخراب الذي انتهى إليه البلد بسبب خيارات الجيش والإدارة العسكرية للبلاد منذ يناير/كانون الثاني 1992.

في عهد الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، ظل الجزائريون مخيّرين من قِبل النظام بين القبول بحكم فردي يتأسس ويركّز مزيداً من الفساد، وبين فزاعة الفوضى والخراب. ومنذ نهاية العام 2018، كان واضحاً أن النظام ورموزه السياسية القبيحة تتجه لوضع الجزائريين بين خياري الولاية الخامسة أو الفوضى، ورئيس الحكومة السابق أحمد أويحيى كان أكثر جرأة حين هدد الجزائريين بشكل مباشر بالمحرقة السورية.

عندما يوضع شعب بين خيارين يكون في أحدهما كلفة ما، وفي الخيار الثاني ضريبة من الفساد والغش السياسي، فإن ذلك يعني أن ميزان التاريخ ما زال مختلاً. في كل محطة سياسية كان وضع الجزائريين بين خيارين جزءاً من خديعة تاريخية يشكّل النظام تفاصيلها بدقة ويرتب محدداتها والفاعلين فيها، ولم تكن تعوزه أدوات الدعاية أيضاً. كذلك في هذه اللحظة الثورية، تحصل حلقة أخرى عندما يحاول النظام ومؤسساته الحيوية والمجموعات السياسية التابعة له، وضع الجزائريين بين خياري سرديته السياسية وانتخابات مشوشة، أو الفوضى.

في الحقيقة يتحمّل النظام والجيش جزءاً بالغاً من مسؤولية التشويش على انتخابات ومسار كان يمكن أن يكون محل إجماع، لو لم يكن عملاً انفرادياً. لا أحد من الجزائريين يرفض الانتخابات التي تظل السبيل الديمقراطي الوحيد للتعبير عن الشرعية والتمثيل الشعبي، لكن المفاضلة الحقيقية الآن هي بين انتخابات تأسيسية تقطع مع الماضي وتسمح للجزائريين بالتوجّه نحو المستقبل الديمقراطي، وتحظى بكامل شروط النزاهة وتكافؤ الفرص وإشاعة الحريات وحق التعبير والتنظيم، وبين نموذج جديد لانتخابات 1995 التي أوهم النظام الجزائريين أنها ستسمح للبلاد بالخروج من شرنقة الأزمة لكنها لم تكن كذلك بشهادة التاريخ.

الانتخابات النزيهة هي نتيجة لأسس ومظاهر ديمقراطية ليست أقلها قوانين توزع الفرص بالتكافؤ وحق الأحزاب في التجمّع وحق الناس في التنظم وصحافة حرة، وعندما تغيب هذه المظاهر يصبح المسار مشوشاً بالكامل، إضافة إلى أنه وبالنسبة للكثير من الجزائريين، سيكون هناك تواجد لنفس المجموعات السياسية والوجوه والنخب الزبائنية التي كانت تحفز الجزائريين على الولاية الخامسة، وقبلها على الحل الأمني وتبرير القمع، في نفس خط الدفاع عن مشروع انتخابي جديد، وهو أمر كافٍ للتوجس من خديعة سياسية من قبل النظام.

الجزائر بلد يستحق أن يكون ثقلاً سياسياً وعملاقاً اقتصادياً وقوة إقليمية وهمزة وصل بين أوروبا وأفريقيا، الجغرافيا والتاريخ والاقتصاد والثروات والإنسان والتنوع والبيئة والبحر والصحراء والأراضي الخصبة والنفط، كلها عوامل تقول ذلك، والجزائريون أيضاً شعب يستحق أن يعيش في ديمقراطية لا سيد فيها غير الشعب.
المساهمون