هذا الدعم الأميركي لإسرائيل

30 مارس 2019
+ الخط -
أثارت تصريحات النائب المسلمة في مجلس النواب الأميركي، إلهان عمر، بشأن الولاء لدولة أجنبية، وتعني بها إسرائيل، وتأثير اللوبي الإسرائيلي في واشنطن عاصفة قوية جداً ضدها في الكونغرس الأميركي، وحتى داخل حزبها الديمقراطي الذي قدّم مشروع قرار، في البداية، يدين كل أشكال معاداة السامية، في ردٍ واضح على تصريحاتها التي فهمت بشكل سيئ، وقد دعم مشروع القرار كل من رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وقادة الحزب الديمقراطي، لكن الدعم الشعبي الذي حظيت به بيلوسي داخل دائرتها، ومن ثم من التجمع التقدمي في حزبها، بشأن صيغة مشروع القرار إلى قرار يدين كل أشكال التعصب والكراهية ومعاداة السامية والإسلاموفوبيا وغيرها، خفف من لهجة القرار. والأهم ألغى ذكر إلهان عمر من القرار كله، والذي انتهى به إلى تأييدها القرار.
أثارت هذه النقاشات موجة جديدة من الانتقادات للموقف الأميركي من إسرائيل، ما يشير، بشكل أو بآخر، إلى الانقسام الحزبي الكبير حول إسرائيل أولا، بسبب السياسات اليمينية المتشدّدة التي تنتهجها إدارة نتنياهو في إسرائيل، وثانيا بسبب الدعم الجمهوري الأعمى لإسرائيل، بغرض المزاودة على الحزب الديمقراطي الذي أصبحت قاعدة المعارضة التقدمية لإسرائيل داخله تتسع. وهكذا تحول الدعم الأميركي لإسرائيل من قضية لا خلاف عليها، بل هناك إجماع حزبي عليها، إلى قضية ينقسم الحزبان، الجمهوري والديمقراطي، بشأنها، وتظهر النقاشات داخل الكونغرس وخارجه ذلك بشكل يومي تقريباً، فقد قدّم مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الحزب الجمهوري مشروع قرار لزيادة المساعدات الأميركية لإسرائيل (بلغت هذا العام 3.3 مليارات دولار)، بالإضافة إلى تجريم حركة المقاطعة الدولية ضد إسرائيل (BDS) ولكن في مجلس النواب، حيث يتولى الديمقراطيون السلطة، ويتشاجرون مع نظرائهم الجمهوريين في مجلس الشيوخ، فإنهم يرون أن مشروع القرار يمثل إدانةً لحرية التعبير. وفي الوقت نفسه، يجتوي على مزاودة في طريقة الدعم الأميركي لإسرائيل. وعلى الرغم من تزعم قياديين داخل الحزب الديمقراطي لدعم مشروع تجريم حركة المقاطعة هذه، وفي مقدمتهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إليوت إنجل، الذي قال إنه يدعم جهود مكافحة المقاطعة، لكنه يفضل مشروع قانون يسمى "قانون مكافحة المقاطعة الإسرائيلي"، والذي ضم 292 من المشاركين في مجلس النواب و 58 من مجلس الشيوخ.
يحاول الحزب الجمهوري أن يظهر تشدّداً أكبر ومزاودة في دعم إسرائيل، وهو ما يردّده 
الرئيس ترامب أيضا، حين يقول إن الحزب الديمقراطي أصبح لا يكره إسرائيل فقط، وإنما اليهود أيضا، بحسب ما كتب في حسابه على "توتير"، وهو ما قابلته عاصفة من الانتقادات داخل الحزب الديمقراطي، وخصوصا اليهود منهم، فالحزب الجمهوري يراهن على كسب أصوات اليهود الأميركيين، وخصوصا أن لديهم قدرة مالية استثنائية في تمويل الحملات الانتخابية، مثل إدلسون وغيره من أكبر داعمي ترامب وممولي حملته الانتخابية، بينما الحزب الديمقراطي تصعد داخله قوة كبيرة من التقدميين الذين يشكلون كتلة كبيرة في مجلس النواب (نحو 90 نائباً)، وكلهم يبدون تحفظات خاصة على دعم إسرائيل، سيما مع توجهاتها اليمينية في ظل رئيس الوزراء نتنياهو.
ومع قرب الحملة الانتخابية الرئاسية 2020، وترشح بيرني ساندرز القادم من خلفية يهودية، ولديه تحفظات كبيرة على دعم إسرائيل، سوف يتعمق هذا النقاش ويزداد. ومؤكد الآن أن الدعم الآلي لإسرائيل في الكونغرس، بغض النظر عما تقوم به تجاه الفلسطينيين، أصبح من الماضي، وأن تحول إسرائيل إلى قضية خلافية داخل الكونغرس سوف يفيد، بالتأكيد، دعم القضية الفلسطينية التي تعاني الآن من هجومٍ غير مسبوق عليها من إدارة ترامب، تنفيذاً لأجندة إسرائيلية، يدعمها ممولو ترامب، وفي مقدمتهم المليادير شيلدون إدلسون والسفير الأميركي في إسرائيل فريدمان ومبعوث الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط غرينبلات.
سيبقى الطريق طويلا للغاية، قبل أن يصبح الرأي العام الأميركي للقضية الفلسطينية كقضية عادلة، وينظر إلى حقوق الشعب الفلسطيني التي لا وجود لها في السياق والخطاب السياسيين الأميركيين، لكن تصعيد النقاش بشأن الدعم الأميركي لإسرائيل يتطلب تنظيم الأصوات العربية في أميركا وتصعيدها، بهدف توحيد الصوت العربي تجاه القضية الفلسطينية، وهو ما يغيب تماما للأسف اليوم، بسبب الانقسامات العربية، وخصوصا الانقسامات داخل الصف الخليجي، ما يعني أن خسارة إسرائيل موقعها التقليدي داخل العاصمة الأميركية لا يقابلها كسب أو تأييد أتوماتيكي من الجانب الفلسطيني.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن