11 سبتمبر 2024
هذا الجدل الجزائري
أكثر من لقاح يتم تطويره في دول مختلفة للعلاج من الإصابة بفيروس كورونا. أعلنت دول أوروبية، كألمانيا وفرنسا، بدء تجارب سريرية لاختبار علاجات محتملة، تحت إشراف منظمة الصحة العالمية، وتتسابق الصين والولايات المتحدة لإعلان التوصل إلى إنتاج قريب للقاح مضاد للفيروس. في هذا الوقت، يجد بعض الإعلام العربي مجالا لاستغلال انتشار الفيروس الخطير، استغلالا سياسيا مذموما، لضرب الدول العربية ببعضها، ويكتفي بإيراد أرقام المتوفين، وأخبار المصل واللقاح من الآخرين.
تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي تصريحات للباحث الجزائري، توفيق زعيبط، تعود إلى العام 2016، قال فيها إن فيروسا سيهز العالم في سنة 2020. عاد هذا التحذير القديم إلى واجهة الصحافة الجزائرية التي قال لها زعيبط موضحا إن كلامه ذاك لم يكن تكهنات، "وإنما كان استشرافا علميا جاء نتيجة دراسات مخبرية دقيقة وميدانية"، قام بها بالاشتراك مع باحثين من ألمانيا. وزعم رئيس المنظمة الجزائرية للبحث العلمي، لوط بوناطيرو، وهو عالم فلك، إن فريقا علميا عربيا، يتحدث باسمه، يضم باحثين جزائريين وعراقيين، توصل إلى لقاح لعلاج فيروس كورونا.
ليس من مهمة كاتب هذه السطور، ولا مهمة القارئ، تقييم التحذير الذي أطلقه زعيبط قبل
سنوات، أو الاكتشاف الذي وصل إليه فريق الباحثين العرب، وأعلن عنه بوناطيرو، فتلك مهمة منوطة بمخابر البحث المختصة. وقد وجهت وزارة الصحة الجزائرية، بوناطيرو، إلى معهد باستور، باعتباره الجهة الطبية الوحيدة المتخصصة في علم الأوبئة، في الجزائر. رمت الكرة في ملعبه، ليردّها مدير معهد باستور سريعا، بقوله إنه "ليس من صلاحيات المعهد إبداء رأيه بخصوص نجاعة أي دواء أو لقاح مهما كانت طبيعته".
بقي أمر اللقاح معلقا من دون جديد علمي يُذكر، إلا من إشعال فتيل جدل، بين الجزائريين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين مناصر لفريق البحث الذي أعلن عنه بوناطيرو وناكر له. مناصر يبحث عن فرصة عربية للقفز إلى راهن البحث العلمي العالمي، بدل انتظار ما تجود به مخابر الدنيا الأخرى، ففي سجل التاريخ أن لويس باستور، وبإمكانات بسيطة منذ قرن، اكتشف لقاحات ما زلنا نستعملها، فلماذا ينكر بعضهم على باحثين عرب صناعة لقاح بإمكانات مخبرية متطورة. تحضر في الذاكرة أيضا الملاحقات التي قامت بها وزارة الصحة السعودية في حق الدكتور علي محمد زكي، مكتشف فيروس من عائلة كورونا العام 2005، وسبق له أن تعرّض لتحقيق ومضايقة من الوزارة نفسها على اكتشافه وجود فيروس حمّى الضنك في السعودية.
ويعتبر فريق الناكرين لجهد الباحثين العراقيين والجزائريين لوط بوناطيرو مجرد مدّع، لا يمكن التعويل على زعمه كثيرا. وفي ذاكرتهم هم أيضا كبوات وخيبات أمل كثيرة، لعل أبرزها جهاز اللواء إبراهيم عبد العاطي لعلاج الفيروسات الكبدية والإيدز الذي داعب آمال البسطاء في مداواة أمراضهم، برعاية حكومية، ودعاية إعلامية مصرية، كانت أقرب إلى التخاريف منها إلى الخطاب العلمي الدقيق.
معهد باستور وحده في الجزائر المختص في علم الأوبئة، ورثته دولة الاستقلال من دولة الاستعمار الفرنسي سنة 1962، لم تستطع تطويره، أو حتى زيادة فروعه عبر المحافظات، ليغطي بلدا بحجم قارّة. وجد المعهد نفسه مع فيروس كورونا عاجزا عن ملاحقة الأعداد المتزايدة من حالات الإصابة التي تتقدم بها المستشفيات للكشف عنها، فلا إمكاناته المادية وأجهزته، ولا أعداد الأطباء لديه والباحثين، قادرة على تلبية طالبي الكشف الكثيرة.
يحضر حال الصحة العليل في الجزائر بقوة هذه المرّة، خصوصا وأن إمكانات المستشفيات غير قادرة على مواجهة أعداد المصابين، حال لا ينفع معه رصد أموال إضافية من الحكومة، لشراء المعدّات الطبية الخاصة، ولا الكمّامات وأجهزة التنفس الاصطناعي، فالسوق العالمية شحيحة في هذا المجال، لم تعد معها حتى الدول الصناعية كفرنسا، قادرة على تلبية حاجاتها، فما بالك بتلبية حاجات الغير، كما أن دول المعمورة كلها تعيش الوباء نفسه الذي أدّى إلى تكالب محموم للأفراد على المواد التموينية، والصيدلانية، انتقلت عدواه إلى الحكومات التي أصبحت تقطع طريق المساعدات بين الدول، كما حدث مع دولة التشيك التي لم تتورّع سلطاتها عن الاستحواذ على شحنة أقنعة وكمّامات وأجهزة تنفس، أرسلتها الصين إلى إيطاليا.
لا وقت للنقد والعتاب، فالحكومة الجزائرية تقدم المتاح الذي خلفه نظام الرئيس عبد العزيز
بوتفليقة. يقول مهتمون إن هذا الكلام يعيد إلى الذاكرة استخفاف الطاهر حجار، وزير التعليم العالي، في عهد بوتفليقة، بالترتيب العالمي للجامعات، الذي تحتل فيه الجامعات الجزائرية المراتب الدنيا، والذي قال عنه إنه لا يقدم من الأمر شيئا، بل وأضاف أنه لا يرى أي فائدة من حصول باحث جزائري على جائزة نوبل. وأكدت أقوال ذلك الوزير مستوى البحث العلمي في الجامعات الجزائرية التي تفنن النظام السابق في إحالتها المبكرة على التقاعد، فلم تعد تُخرج إلا أشخاصا هم أقرب إلى صائدي شهادات، منهم إلى طلاب علم.
عدد الجامعات في الجزائر أكثر من 50، نثرها نظام بوتفليقة على جغرافية البلاد من أقصاها إلى أقصاها، في فعل سياسي كان أقرب إلى شراء السلم الأهلي، في المناطق المختلفة، منه إلى بناء صروح للعلم والمعرفة، لتصبح تلك الجامعات التي تفتقر إلى الكوادر المؤهلة مجرد أوعية عقارية، خالية من مخابر العلم، وإبداع الأدب. وفي البحث العلمي يطول حديث الخيبة، مخابر الجامعات معطلة أو عديمة الفائدة، فما ينتجه بعض الطلبة الجادّين يبقى حبيس أدراج بيروقراطية، تقتل بسلاح كاتم للصوت الهِمَمَ قبل البحث والإبداع. في سنوات مضت، عكفت شركة "صيدال" الحكومية على تطوير البحث الصيدلي، لإنتاج الدواء لبعض الأمراض المستعصية في الجزائر. حينها تنادى كبار المستوردين لوأد تلك التجربة، بعد أن حققت نتائج مبهرة، هدّدت مصالحهم في الكسب السريع، المبني على امتصاص العملة الصعبة، من الخزينة العمومية، في عملية فساد محمومة. تم تحطيم الشركة، وتحطيم طموحات باحثيها وعلمائها، يوم كان على رأسها مدير ناجح اسمه علي عون، وأحيل على التقاعد وهو في ريعان العطاء.
حقيقة مؤلمة أخرى، أنه عندما كانت الحكومة الصينية تتجسس على المختبرات، ومراكز البحث في أميركا وأوروبا لنقل التكنولوجيا إليها. كانت الحكومات العربية ترسل رجال مخابراتها وراء طلابها وعلمائها في هذه الدول.
ليس من مهمة كاتب هذه السطور، ولا مهمة القارئ، تقييم التحذير الذي أطلقه زعيبط قبل
بقي أمر اللقاح معلقا من دون جديد علمي يُذكر، إلا من إشعال فتيل جدل، بين الجزائريين، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بين مناصر لفريق البحث الذي أعلن عنه بوناطيرو وناكر له. مناصر يبحث عن فرصة عربية للقفز إلى راهن البحث العلمي العالمي، بدل انتظار ما تجود به مخابر الدنيا الأخرى، ففي سجل التاريخ أن لويس باستور، وبإمكانات بسيطة منذ قرن، اكتشف لقاحات ما زلنا نستعملها، فلماذا ينكر بعضهم على باحثين عرب صناعة لقاح بإمكانات مخبرية متطورة. تحضر في الذاكرة أيضا الملاحقات التي قامت بها وزارة الصحة السعودية في حق الدكتور علي محمد زكي، مكتشف فيروس من عائلة كورونا العام 2005، وسبق له أن تعرّض لتحقيق ومضايقة من الوزارة نفسها على اكتشافه وجود فيروس حمّى الضنك في السعودية.
ويعتبر فريق الناكرين لجهد الباحثين العراقيين والجزائريين لوط بوناطيرو مجرد مدّع، لا يمكن التعويل على زعمه كثيرا. وفي ذاكرتهم هم أيضا كبوات وخيبات أمل كثيرة، لعل أبرزها جهاز اللواء إبراهيم عبد العاطي لعلاج الفيروسات الكبدية والإيدز الذي داعب آمال البسطاء في مداواة أمراضهم، برعاية حكومية، ودعاية إعلامية مصرية، كانت أقرب إلى التخاريف منها إلى الخطاب العلمي الدقيق.
معهد باستور وحده في الجزائر المختص في علم الأوبئة، ورثته دولة الاستقلال من دولة الاستعمار الفرنسي سنة 1962، لم تستطع تطويره، أو حتى زيادة فروعه عبر المحافظات، ليغطي بلدا بحجم قارّة. وجد المعهد نفسه مع فيروس كورونا عاجزا عن ملاحقة الأعداد المتزايدة من حالات الإصابة التي تتقدم بها المستشفيات للكشف عنها، فلا إمكاناته المادية وأجهزته، ولا أعداد الأطباء لديه والباحثين، قادرة على تلبية طالبي الكشف الكثيرة.
يحضر حال الصحة العليل في الجزائر بقوة هذه المرّة، خصوصا وأن إمكانات المستشفيات غير قادرة على مواجهة أعداد المصابين، حال لا ينفع معه رصد أموال إضافية من الحكومة، لشراء المعدّات الطبية الخاصة، ولا الكمّامات وأجهزة التنفس الاصطناعي، فالسوق العالمية شحيحة في هذا المجال، لم تعد معها حتى الدول الصناعية كفرنسا، قادرة على تلبية حاجاتها، فما بالك بتلبية حاجات الغير، كما أن دول المعمورة كلها تعيش الوباء نفسه الذي أدّى إلى تكالب محموم للأفراد على المواد التموينية، والصيدلانية، انتقلت عدواه إلى الحكومات التي أصبحت تقطع طريق المساعدات بين الدول، كما حدث مع دولة التشيك التي لم تتورّع سلطاتها عن الاستحواذ على شحنة أقنعة وكمّامات وأجهزة تنفس، أرسلتها الصين إلى إيطاليا.
لا وقت للنقد والعتاب، فالحكومة الجزائرية تقدم المتاح الذي خلفه نظام الرئيس عبد العزيز
عدد الجامعات في الجزائر أكثر من 50، نثرها نظام بوتفليقة على جغرافية البلاد من أقصاها إلى أقصاها، في فعل سياسي كان أقرب إلى شراء السلم الأهلي، في المناطق المختلفة، منه إلى بناء صروح للعلم والمعرفة، لتصبح تلك الجامعات التي تفتقر إلى الكوادر المؤهلة مجرد أوعية عقارية، خالية من مخابر العلم، وإبداع الأدب. وفي البحث العلمي يطول حديث الخيبة، مخابر الجامعات معطلة أو عديمة الفائدة، فما ينتجه بعض الطلبة الجادّين يبقى حبيس أدراج بيروقراطية، تقتل بسلاح كاتم للصوت الهِمَمَ قبل البحث والإبداع. في سنوات مضت، عكفت شركة "صيدال" الحكومية على تطوير البحث الصيدلي، لإنتاج الدواء لبعض الأمراض المستعصية في الجزائر. حينها تنادى كبار المستوردين لوأد تلك التجربة، بعد أن حققت نتائج مبهرة، هدّدت مصالحهم في الكسب السريع، المبني على امتصاص العملة الصعبة، من الخزينة العمومية، في عملية فساد محمومة. تم تحطيم الشركة، وتحطيم طموحات باحثيها وعلمائها، يوم كان على رأسها مدير ناجح اسمه علي عون، وأحيل على التقاعد وهو في ريعان العطاء.
حقيقة مؤلمة أخرى، أنه عندما كانت الحكومة الصينية تتجسس على المختبرات، ومراكز البحث في أميركا وأوروبا لنقل التكنولوجيا إليها. كانت الحكومات العربية ترسل رجال مخابراتها وراء طلابها وعلمائها في هذه الدول.