هدير التظاهر وأنين السلطة في مصر

07 يوليو 2014

مصريون يتظاهرون في بني سويف ضد الانقلاب (مايو/2014/Getty)

+ الخط -


في الهروب من ظلم الديكتاتوريات، يكون زادنا مناجاة أقوال المفكرين والمؤرخين السياسيين، نلتمس بها بعضاً من عِبَر التاريخ ودروسه. وفي هذه الأوبة، يتوارد إلى الذهن قول ألكسيس دي توكفيل، في كتابه "النظام القديم والثورة" الذي خطّه بعد انقلاب نابوليون بونابرت في 2 ديسمبر/كانون الأول 1851 "إنّ الآمال غير المحققة تقبع دوماً عند أساس كل ثورة، وإنّ كل الثورات تتولد نتيجة للتحرر من أوهامٍ ناجمة عن المبالغة في التوقعات والآمال".

وفي الدعوة التي شنها المصريون على قانون التظاهر، للمطالبة بإلغائه، حفاظاً على حقوقٍ ناضلوا من أجل اكتسابها، بدمائهم وأرواحهم في ثورة 25 يناير، أكثر من نقطة جديرة بالوقوف عندها، ومحاولة سبر دواعيها. لعل أعظمها الرجوع إلى قول دي توكفيل، ومغزاه، هنا، أنّ كل هبّة لا تتحقق إلّا بالتحرر من الأمل الأجوف في أنّ من يجيء على ظهر دبابة يمكنه أن يشيع الأمن والسلام في ربوع البلاد. كما لا يمكن إنجازها إلّا بالتحرر من وهم الزعامة المفترضة في مثل قول تلك السيدة المنتظرة غمزاً من الجنرال، لتلبية أمره بالنزول إلى الشارع، لتظهر أنّها زعامة فارغة، لا تحفظ وجه المحروسة.

في أغسطس/آب من العام الماضي، وبعد شهر من انقلاب 3 يوليو/تموز، طرح مشروع قانون التظاهر، لتمريره مثلما تم تمرير الانقلاب نفسه. وأهمية هذه الخطوة أنّ العقلية العسكرية تأكّدت، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنّ جموع المظاهرات الهادرة التي أطاحت نظاماً عشعش ثلاثين عاماً، على الصدور، لهي قادرة على اجتثاث هذا الوليد، لو لم يتم وضع حدّ لها، على أن يتذرع بحماية الدولة وأمنها، بعدما فشلت وسائل التنكيل الأخرى في كفّ المتظاهرين. أحكم الجيش قبضته على الاحتجاجات التي تظهر، هنا وهناك، ومنها الاحتجاجات والاعتصامات العمالية الحقوقية، مثلما تم فض اعتصام السويس للصلب، بدخول الدبابات إلى ساحات الإضرابات. وهذا يعني أنّه ليس لدى النظام الحاكم في مصر، الآن، من وسيلة للحوار غير القوة والقمع، لمواجهة المتظاهرين المطالبين بأبسط حقوقهم، ومواجهة المحتجين ضد قانون التظاهر نفسه.

ثورة 25 يناير هي التي شجعت الشعب المصري، على اختلاف مشاربه، على الخروج إلى التظاهر، وقد استدعى هذه الروح من عمق التاريخ، حينما ثار المصريون ضد الملك بيبي الثاني، كما ورد في نصوص الأهرام جنوب سقّارة في برديّة "إيبوير"، والذي يعتقد المؤرخون أنّه هو نفسه فرعون موسى. ويقال إنّها نتيجة مجاعة وفقر شديد بسبب انخفاض منسوب النيل في مصر. وتصف تلك البردية غرائب ذلك العصر، من فقر الأغنياء وغنى الفقراء والفوضى والفقر والقحط وانخفاض المياه، وما غير ذلك من وصف مرحلةٍ تاريخيةٍ غريبةٍ، مليئة بالنكبات، تقارب ما وصفته الكتب السماوية عن فترة خروج شعب إسرائيل من مصر.
ظهرت الأصوات المعارضة لقانون التظاهر، بمجرد صدوره في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 بمرسومٍ عسكريٍّ، يجرّم الإضرابات والاعتصامات، ويضعها تحت طائلة القضاء العسكري. وكرد فعل طبيعي وسريع، تظاهر في اليوم التالي مئات من السياسيين الرافضين لمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.

ولا تمنع المواجهة العنيفة من السلطات التي يمثلها القمع الأمني للمتظاهرين، واعتقال عشرات منهم، العودة إلى التجمع والتظاهر. وإن كانت وزارة الداخلية، من قبل، تضع مساحيق تجميل على وجهها، عندما تعلن أنّها صرحت بهذه المظاهرة أو تلك، من المظاهرات التي يصعب السيطرة عليها، فإنّ نظام الجنرال السيسي يعتقد أنّه لا حاجة له بهذه المساحيق، فلا إشكالية في إمكانيّة بلوغ الكارثة ذروتَها خلال عهده الأعنف، في كبح جماح الاحتجاجات، ما دام يمكنه تعليق كل فعل وعنف على مشجب الإرهاب. وللإمعان أكثر في تثبيت القانون، خرج قانونيون برأيٍ يذرُّ الرماد في العيون، وهو أنّ هناك مشكلة في تطبيق قانون التظاهر. وبهذا، فهم يحوّلون الأنظار إلى مشكلة فرعية، هي التطبيق مع قبولهم الضمني بالقانون.

هذا القانون خوّل للسلطة الحاكمة حبس آلاف الشباب وطلاب الجامعات والمدارس والمواطنين بشكل عشوائي، ومن دون أي إثبات لتورطهم في أعمال عنف، مع حرص الحكومة على إخراس كل من يتجرأ على الاحتجاج، إذ يشكّل نظام السيسي، في واقع الأمر، عودة إلى عهد حسني مبارك، وبالقدر الذي يشدّ به قبضته.

والمفارقة، هنا، أنّ المعترضين على إلغاء القانون يلتمسون العدالة وحرية التعبير من نظامٍ، لم يأت بشكل ديمقراطي، ما يساهم في تغيير شرط المناقشة "ضعف الطالب والمطلوب". وعندئذ، ينحصر الأمر في قضية الحق في التعبير التي جاءت بها ثورة 25 يناير، وهو أنّ مصر موعودة بمواجهاتٍ جمّة، ونتائج سيتردّد صداها إلى أمدٍ بعيد، وعلى نطاق واسع.

فحتى لو حدثت معجزة، وتم التوصل إلى عهد جديد، فإنّ الندوب الباقية عن هذا الصراع لن تزول، مثلما هي باقية، الآن، ندوب عهد مبارك. ولا شك أنّ الجنرال السيسي يعتقد أنّ هذا ثمن بسيط، تدفعه مصر في مقابل مزاولة سلطاته المطلقة.

8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.