تواجه مصر اختباراً حقيقياً، فبعد أن استطاعت مؤشرات الاقتصاد التماسك نتيجة التنفّس الصناعي الذي وفّرته المساعدات النقدية والنفطية المتدفقة إلى البلاد على مدار 4 سنوات، باتت الآن على المحك نتيجة التطورات الاقتصادية الدولية والإقليمية على وجه التحديد. بحسب الخبراء، فإن الهبوط العنيف الذي ضرب أسعار النفط عالمياً سيقلّص المساعدات الخليجية. ولعلّ أبرز دليل على ذلك هو إعلان وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان صراحةً أن الحكومة لا تسعى في الوقت الراهن للحصول على دعم مالي جديد من دول الخليج، سواء في صورة مُساعدات أو منح.
وباستعراض بسيط لمؤشرات الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2015 ـ 2016، يتبيّن أن الحكومة خفضت تقديرات بند المنح إلى 2.208 مليار جنيه تساهم بنحو 0.3% من إجمالي الإيرادات البالغة 622.3 مليار جنيه وتغطي 0.2% من المصروفات المُقدّرة بـ864.6 مليار جنيه. في حين أن تقديرات المنح بالعام المالي الماضي بلغت 25.7 مليار جنيه.
"لا مجال للحديث عن مساعدات ومنح مالية في الوقت الراهن، فظروف الدول المانحة اختلفت نتيجة الانخفاض الشديد بأسعار النفط من جانب، وصعوبة اعتماد مصر على المُساعدات كعصب للاقتصاد أكثر من ذلك"، بحسب الخبير الاقتصادي بأحد مصارف الاستثمار محمد رأفت.
وبرأي رأفت فإن جذب استثمارات محلية وأجنبية هو البديل الوحيد العملي للمُساعدات. فبعد أن أصدرت الدولة قانوناً جديداً للاستثمار لحل عقبات المُستثمرين، مثل تحديد جهات إصدار الموافقات وتخصيص أراضي المشاريع، أصبحت السوق قادرة على جذب استثمارات جديدة.
اقرأ أيضا: الاستثمارات السياحية في مصر: هل من أمل؟
وعند تحليل بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى مصر خلال 2013 ـ 2014، نجد أنه لم يتجاوز 6 مليارات دولار، أي ما يعادل نصف أعلى معدل حققته مصر في تاريخها العام 2007 ـ 2008. بل إنه رغم استهداف موازنة 2014 ـ 2015 جذب استثمارات أجنبية مباشرة بـ10 مليارات دولار، إلا أن المحقق فعلياً خلال الأشهر التسعة الأولى يراوح حول 5.7 مليارات دولار.
وتذهب طموحات وزير الاستثمار المصري إلى مستوى أبعد من ذلك بجذب 60 مليار دولار حتى 2020، بواقع 15 مليار دولار سنوياً لمدة أربع سنوات بهدف خفض عجز الموازنة.
يقول رأفت: "نأمل أن تصل الاستثمارات إلى هذا المُستهدف، فهو تحدٍ صعب للغاية. ومع ذلك يمكن تحقيق جانب من المستهدف في ظل تسوية النسبة الأكبر من مشاكل المستثمرين العرب وطرح مشروعات تتطلّب استثمارات ضخمة بالبنية التحتية، مثل استصلاح 1.5 مليون فدان ومشروع تنمية منطقة قناة السويس".
ويتفق هذا الحديث مع فحوى تصريحات وزير الاستثمار حول البحث مع السعودية والإمارات والكويت في استثمار 6 مليارات دولار تعهّدوا بضخها بالسوق المحلية خلال مؤتمر دعم الاقتصاد المصري.
اقرأ أيضا: البورصة المصرية والأزمات العالمية
إلا أن هذه الاستثمارات تفتقد لميزة هامة تتمتع بها المنح النقدية، ألا وهي حدوث تأثير فوري على حركة الاقتصاد، نظراً لأن تنفيذ المشاريع يستغرق من عامين إلى ثلاثة على الأقل.
"جذب الاستثمارات الأجنبية لن يكون بالسهولة التي يتصورها المسؤولون"، الحديث لمدير الاستثمار علي حسن، الذي يقول إن هناك مخاطر أمنية وبيروقراطية في إصدار الموافقات وغياب البرلمان، فضلاً عن مخاوف التعرّض لخلافات مع أجهزة الدولة تؤدي إلى تعطل المشاريع.
ويُشير حسن إلى أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات، فقيمتها لن تصل إلى حجم المساعدات التي قدّرها وزير الاستثمار قبيل مؤتمر دعم الاقتصاد المصري بنحو 23 مليار دولار. ولكن في كُل الأحوال لا بد من قطع خطوات نحو طرح مشروعات حقيقية، لأن عجز الموازنة وصل إلى مرحلة خطيرة.
وتستهدف الموازنة العامة خلال العام المالي الحالي تقليص العجز الكلي إلى 251.1 مليار جنيه، بمعدل 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل كل ما يتم إنتاجه داخل الدولة، وذلك بانخفاض قدره 11 ملياراً عن تقديرات العام المالي الماضي الذي يستهدف بلوغ العجز به 262.5 مليار جنيه، ما يعادل 10.8%.
اقرأ أيضا: ما هو مستقبل الجنيه المصري؟
تؤكد المؤشرات أن الدعم الإقليمي والدولي الموجّه لمصر سيتحوّل إلى الاستثمار في مشاريع تنموية للتأكد من أوجه إنفاق المساعدات من جهة، والمساهمة في معالجة الأزمات الأكثر تأثيراً من جهة أخرى، سعياً لحماية الاقتصاد من الركود الذي سيتطلّب في حال حدوثه تقديم مساعدات مالية جديدة.
ويقول خبير إدارة المخاطر محمود هشام، إن الإمارات تبنّت هذا النموذج بتنفيذ مشاريع تنموية متعددة، منها إنشاء 50 ألف وحدة سكنية بكلفة 1.5 مليار دولار، وإقامة 100 مدرسة وعدد من الوحدات الصحية، إضافة إلى توريد 400 حافلة من بين 600 حافلة، وتنفيذ صوامع بسعة تخزينية تصل إلى 1.5 مليون طن من الحبوب.
ويأتي التوجه الإماراتي في ظل وصول إجمالي مساعداتها لمصر إلى 29 مليار درهم، موزعة بين 17 ملياراً في العام 2013، و12 مليار درهم خلال العام 2014.
ديون تتراكم
تشير وزارة التعاون المصرية، إلى تقديم مؤسسات مالية دولية وإقليمية مساهمات بعدة مشاريع في مصر، أبرزها ضخ مصرف التنمية الأفريقي 550 مليون دولار لإنشاء محطة كهرباء السويس، و106.4 ملايين دولار من الصندوق الكويتي للتنمية لإنشاء محطة كهرباء أسيوط. كما تظهر البيانات، رصد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية 190 مليون دولار لتطوير محطتي كهرباء الشباب وغرب دمياط، ومساهمة بنك الاستثمار الأوروبي بنحو 73 مليون دولار بمشروع مزارع الرياح.
وباستعراض بسيط لمؤشرات الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2015 ـ 2016، يتبيّن أن الحكومة خفضت تقديرات بند المنح إلى 2.208 مليار جنيه تساهم بنحو 0.3% من إجمالي الإيرادات البالغة 622.3 مليار جنيه وتغطي 0.2% من المصروفات المُقدّرة بـ864.6 مليار جنيه. في حين أن تقديرات المنح بالعام المالي الماضي بلغت 25.7 مليار جنيه.
"لا مجال للحديث عن مساعدات ومنح مالية في الوقت الراهن، فظروف الدول المانحة اختلفت نتيجة الانخفاض الشديد بأسعار النفط من جانب، وصعوبة اعتماد مصر على المُساعدات كعصب للاقتصاد أكثر من ذلك"، بحسب الخبير الاقتصادي بأحد مصارف الاستثمار محمد رأفت.
وبرأي رأفت فإن جذب استثمارات محلية وأجنبية هو البديل الوحيد العملي للمُساعدات. فبعد أن أصدرت الدولة قانوناً جديداً للاستثمار لحل عقبات المُستثمرين، مثل تحديد جهات إصدار الموافقات وتخصيص أراضي المشاريع، أصبحت السوق قادرة على جذب استثمارات جديدة.
اقرأ أيضا: الاستثمارات السياحية في مصر: هل من أمل؟
وعند تحليل بيانات الاستثمار الأجنبي المباشر المتدفق إلى مصر خلال 2013 ـ 2014، نجد أنه لم يتجاوز 6 مليارات دولار، أي ما يعادل نصف أعلى معدل حققته مصر في تاريخها العام 2007 ـ 2008. بل إنه رغم استهداف موازنة 2014 ـ 2015 جذب استثمارات أجنبية مباشرة بـ10 مليارات دولار، إلا أن المحقق فعلياً خلال الأشهر التسعة الأولى يراوح حول 5.7 مليارات دولار.
وتذهب طموحات وزير الاستثمار المصري إلى مستوى أبعد من ذلك بجذب 60 مليار دولار حتى 2020، بواقع 15 مليار دولار سنوياً لمدة أربع سنوات بهدف خفض عجز الموازنة.
يقول رأفت: "نأمل أن تصل الاستثمارات إلى هذا المُستهدف، فهو تحدٍ صعب للغاية. ومع ذلك يمكن تحقيق جانب من المستهدف في ظل تسوية النسبة الأكبر من مشاكل المستثمرين العرب وطرح مشروعات تتطلّب استثمارات ضخمة بالبنية التحتية، مثل استصلاح 1.5 مليون فدان ومشروع تنمية منطقة قناة السويس".
ويتفق هذا الحديث مع فحوى تصريحات وزير الاستثمار حول البحث مع السعودية والإمارات والكويت في استثمار 6 مليارات دولار تعهّدوا بضخها بالسوق المحلية خلال مؤتمر دعم الاقتصاد المصري.
اقرأ أيضا: البورصة المصرية والأزمات العالمية
إلا أن هذه الاستثمارات تفتقد لميزة هامة تتمتع بها المنح النقدية، ألا وهي حدوث تأثير فوري على حركة الاقتصاد، نظراً لأن تنفيذ المشاريع يستغرق من عامين إلى ثلاثة على الأقل.
"جذب الاستثمارات الأجنبية لن يكون بالسهولة التي يتصورها المسؤولون"، الحديث لمدير الاستثمار علي حسن، الذي يقول إن هناك مخاطر أمنية وبيروقراطية في إصدار الموافقات وغياب البرلمان، فضلاً عن مخاوف التعرّض لخلافات مع أجهزة الدولة تؤدي إلى تعطل المشاريع.
ويُشير حسن إلى أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات، فقيمتها لن تصل إلى حجم المساعدات التي قدّرها وزير الاستثمار قبيل مؤتمر دعم الاقتصاد المصري بنحو 23 مليار دولار. ولكن في كُل الأحوال لا بد من قطع خطوات نحو طرح مشروعات حقيقية، لأن عجز الموازنة وصل إلى مرحلة خطيرة.
وتستهدف الموازنة العامة خلال العام المالي الحالي تقليص العجز الكلي إلى 251.1 مليار جنيه، بمعدل 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي الذي يمثل كل ما يتم إنتاجه داخل الدولة، وذلك بانخفاض قدره 11 ملياراً عن تقديرات العام المالي الماضي الذي يستهدف بلوغ العجز به 262.5 مليار جنيه، ما يعادل 10.8%.
اقرأ أيضا: ما هو مستقبل الجنيه المصري؟
تؤكد المؤشرات أن الدعم الإقليمي والدولي الموجّه لمصر سيتحوّل إلى الاستثمار في مشاريع تنموية للتأكد من أوجه إنفاق المساعدات من جهة، والمساهمة في معالجة الأزمات الأكثر تأثيراً من جهة أخرى، سعياً لحماية الاقتصاد من الركود الذي سيتطلّب في حال حدوثه تقديم مساعدات مالية جديدة.
ويقول خبير إدارة المخاطر محمود هشام، إن الإمارات تبنّت هذا النموذج بتنفيذ مشاريع تنموية متعددة، منها إنشاء 50 ألف وحدة سكنية بكلفة 1.5 مليار دولار، وإقامة 100 مدرسة وعدد من الوحدات الصحية، إضافة إلى توريد 400 حافلة من بين 600 حافلة، وتنفيذ صوامع بسعة تخزينية تصل إلى 1.5 مليون طن من الحبوب.
ويأتي التوجه الإماراتي في ظل وصول إجمالي مساعداتها لمصر إلى 29 مليار درهم، موزعة بين 17 ملياراً في العام 2013، و12 مليار درهم خلال العام 2014.
ديون تتراكم
تشير وزارة التعاون المصرية، إلى تقديم مؤسسات مالية دولية وإقليمية مساهمات بعدة مشاريع في مصر، أبرزها ضخ مصرف التنمية الأفريقي 550 مليون دولار لإنشاء محطة كهرباء السويس، و106.4 ملايين دولار من الصندوق الكويتي للتنمية لإنشاء محطة كهرباء أسيوط. كما تظهر البيانات، رصد البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية 190 مليون دولار لتطوير محطتي كهرباء الشباب وغرب دمياط، ومساهمة بنك الاستثمار الأوروبي بنحو 73 مليون دولار بمشروع مزارع الرياح.