نساء الجزائر أيضاً أرهقتهن الظروف الاجتماعية والاقتصادية في بلادهن، وبتن يخترن الهجرة غير الشرعية، علهن يحظين بفرص جديدة غير الموت.
لا تحمل قوارب الهجرة السريّة في الجزائر الشبان والقصر فقط، بل إن فتيات ونساء أيضاً يسعين إلى البحث عن فرص جديدة خارج حدود بلادهن. خلال الفترة الأخيرة، سجّلت وحدات حرس السواحل الجزائرية زيادة في عدد الفتيات اللواتي يعتقلن مع شبان على متن قوارب، وهو ما لم تعهده الجزائر من قبل، نظراً إلى الأعراف الاجتماعية التي لا تتقبل إقدام الفتيات على خطوات مماثلة.
إيمان حمادي لم تفكر يوماً في الهجرة غير الشرعية، ولم يكن يخطر في بالها أن تقودها الظروف يوماً إلى قوارب الهجرة والموت. الأبواب الموصدة في وجهها في بلدتها أولاد فارس في ولاية الشلف غرب الجزائر، وهي التي درست علم الآثار، دفعتها وشقيقتها إلى خوض هذه المغامرة. وأكثر ما شجعها على الأمر هو رفض القنصلية الفرنسية في مدينة وهران غرب البلاد منحها تأشيرة السفر إلى فرنسا والالتحاق بوالدها الذي يعيش هناك. وفي 26 يناير/ كانون الثاني، صعدت على متن أحد المراكب، إلا أن الرحلة لم تسر كما شاءت إيمان وشقيقتها وأصدقاء آخرون.
تقول إيمان: "لم أفكّر في الهجرة السرية إلّا أخيراً. واجهت صعوبات كثيرة في حياتي، وربّما لفكّر آخرون مثلي. قدمت ملفي إلى القنصلية الفرنسية في وهران للحصول على تأشيرة ثلاث مرات، من دون أن أحصل عليها. رفضت السلطات الفرنسية منحي التأشيرة، وحرمتني السفر إلى مرسيليا". تضيف: "كنت مصرّة على الوقوف مع والدي في فرنسا لأنه مريض". عدا ذلك، تؤكد إيمان أن عدم حصولها على عمل دفعها إلى المغامرة، علماً أنها حاصلة على شهادة جامعية في علم الآثار. تضيف: "بقيتُ سنوات في البيت من دون عمل. طرقت كل الأبواب من دون أن أوفق. كان واضحاً أنه لا مستقبل لي في الجزائر. جمعت المال شيئاً فشيئاً وقررت المغامرة مع شقيقتي. كنت آخر راكبة. ترددت كثيراً كأنني كنت أدرك النهاية المأساوية لهذه الرحلة".
نجت إيمان بأعجوبة، إلا أن شقيقتها التي كانت في الـ 17 من عمرها غرقت في البحر. الأخيرة كانت تريد الدراسة في بريطانيا، وكانت في صدد اجتياز امتحان شهادة البكالوريا في الجزائر، لكن مصيرها كان مؤلماً. رغم ما اختبرته، ما زالت تفكر في تكرار التجربة "نعم. أفكر في المحاولة مرة أخرى".
قصة أخرى انتهت إلى مأساة. قبل فترة، غادرت زهية ب. حي الكاسطور في بلدة سيدي لخضر في ولاية مستغانم غرب الجزائر، باتجاه وهران القريبة. هناك قابلت مهرباً يتولى تسيير قوارب الهجرة السرية. لم تكن تعلم أن هذه الرحلة ستنتهي بالموت، وأنها لن تصل إلى أوروبا، حيث حلمها. كانت زهية البالغة من العمر 25 عاماً، قد جمعت بعضاً من المال لدفعه للمهرب. وفي 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، كانت على متن قارب مع مجموعة من المهاجرين. لكن الرحلة انتهت بمأساة بعدما انقلب القارب، فماتت زهية وطفلة تبلغ ثلاثة أعوام من عمرها.
خلال الفترة نفسها، أنقذت مصالح خفر السواحل 10 مهاجرين كانوا على متن قارب، فيما غرق آخرون بينهم فتاة في الخامسة والعشرين من عمرها تتحدر من ولاية الشلف غرب الجزائر. وفي نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، فقدت مهاجرات في عرض البحر، وقد انطلقن من منطقة مستغانم غرب الجزائر.
وفي لحظة غضب، قرر عادل، وهو من عين تموشنت، الهجرة مع زوجته وابنه الرضيع نحو السواحل الإسبانية. لم ترفض زوجته الفكرة، وقررت أن تغامر معه. وبيّن أحد الفيديوهات عادل وابنه على متن القارب وهما في عرض البحر. وقال جيرانه إن قراره بالهجرة غير الشرعية كان نتيجة الظروف الصعبة التي كان يعيشها وعائلته في بلدته في ولاية عين تموشنت غرب الجزائر.
لا توجد إحصائيات رسمية عن عدد المهاجرات اللواتي أوقفن في الجزائر. إلا أن الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، تشير إلى أنه استناداً إلى إحصائيات حرس السواحل التابعة للقوات البحرية، فإن قوات حرس الشواطئ سجلت إحباط محاولات 3109 أشخاص في الهجرة غير الشرعية، منذ الأول من يناير/ كانون الثاني في عام 2017، وحتى 31 ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، بينهم 186 امرأة حاولن الهجرة إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.
من جهته، يؤكّد الصحافي رضوان بو عالية، الذي يتابع الهجرة غير الشرعية في مناطق غرب الجزائر، أن تزايد إقبال الفتيات والنساء على الهجرة غير الشرعية مؤشّر خطير، ويدل على تزايد نسبة الإحباط لدى الشباب من جرّاء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. ويشير إلى أن "لكل مهاجرة قصتها ودوافعها". ويُلاحظ إقبال فتيات حاصلات على شهادات جامعية على الهجرة، وأحياناً عائلات بأكملها. ويلفت إلى أن هذا تحوّل كبير لم يكن موجوداً في السابق. ويربط رضوان بين إقدام الجزائريات على الهجرة غير الشرعيّة، وهجرة عائلات سورية بأكملها. ويرى أنّ تجربة السوريين ربّما شجعت الجزائريين على المغامرة أسوة بالسوريين، رغم اختلاف الدوافع والأسباب.
بدوره، يعلّق الناشط الإعلامي، ياسر نجادي، على الأمر، قائلاً: "ما يحدث مأساة حقيقية تعيشها سواحل وهران ومستغانم وغيرها في الجزائر. للأسف، الشابات كما الشبان لا يدركون المخاطر التي تترصدهم من خلال رحلات الموت، لأن همهم الوحيد بلوغ السواحل الأوروبية".
لم تعتد المرأة الجزائرية خوض غمار الهجرة غير الشرعية وأن تكون ضحية شبكات تلك الهجرة، على غرار شبان آخرين صدّت في وجوههم الأبواب، فقرّروا المخاطرة بحياتهم عن طريق البحر، وإن كانت نهايات هذه الرحلات غير مضمونة. إيمان وزهية وزوجة عادل وأخريات فكرن في خوض هذه المغامرة، على أمل الخلاص من واقعهن وبدء حياة جديدة، رغم أن الأعراف الاجتماعية في بلد مثل الجزائر لا تتقبل إقدام الفتيات على خطوة مماثلة، ناهيك عن المخاطر المحدقة بهن خلال رحلتهن إلى السواحل الأوروبية. فأحد لا يضمن مصيره.
وفي عام 2008، سنّت السلطات الجزائرية قوانين صارمة لمحاربة الهجرة غير الشرعية، وجرّمت كل من يحاول الهجرة بالسجن لفترة ما بين 3 إلى 9 أشهر. أما أفراد شبكات الهجرة غير الشرعية، فتصل عقوبتهم إلى السجن مدة خمس سنوات. إلى ذلك، أصدر أخيراً المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر فتوى تحرّم الهجرة غير الشرعية، أيدتها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، على خلفية تنامي ظاهرة هجرة الجزائريين بطريقة غير شرعية إلى أوروبا، ما يثير قلق السلطات. وشدّد وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، على ضرورة عدم الاكتفاء بتحريم الظاهرة فقط، بل توعية الشباب حول أهمية الاعتماد على النفس