"رحلة الموت" أو تلك المحطّات المحفوفة بالهلاك في سبيل إدراك الضفة الشمالية من المتوسّط، كلّفت أخيرا، 800 مهاجر غير شرعي، حياتهم.. اختبار عسير قد لا يمنح صاحبه حتى فرصة الاستمتاع أو الأسف على اجتياز، وتجربة مرّة أراد بعض الكاميرونيين سرد تفاصيلها، لتوعية الشباب الراغب في ركوب مغامرة مماثلة.
اسمه إيتيان بوايهوك، غير أنه يلقب باسم إحدى الشخصيات التي تقمصها في أدواره المسرحية.. ترونكاندا، هكذا عرف هذا الممثل الكوميدي في بلاده الكاميرون، وبذات اللهجة المتحمّسة والنبرة المنفعلة الخالية من التصنع، يروي، حيثما حلّ، سواء في البرامج التلفزيونية أو في المقاهي وحتى في الشوارع، حكايته مع أوروبا.
"إنّها طريقتي في توعية الناس حول مخاطر الهجرة غير الشرعية"، يقول الشاب ذو الـ 28 عاما في مدينة دوالا الساحلية.
البداية كانت في 2012 في مدينته، العاصمة الاقتصادية للكاميرون.. بـ 400 ألف فرنك أفريقي (750 دولارا) في جيبه، وأحلام كثيرة تداعب مخيلته، قرّر الشاب الانخراط في "مغامرة خاضعة لقواعده الخاصّة"، مأخوذا في ذلك بالصور التي كان ينشرها رفاقه الذين نجحوا في اجتياز البحر والوصول إلى أوروبا.
"حين رأيت تلك الصور، جال بذهني أن أوروبا هي الجنّة، وأردت زيارتها أيضا".
وكغيره، ألقى بنفسه في قلب الغابة.. استقل وسيلة نقل جماعية مشتركة نقلته من دوالا إلى الناظور في المغرب (شمال شرق)، ثم اتجه نحو غابة "غوروغو" حيث يحتشد المهاجرون ينتظرون على أحر من الجمر الوقت المناسب لعبور حاجز "مليلة" الذي يفصل المغرب عن إسبانيا.
غير أن الطريق محفوفة بالمصاعب، فالمهاجرون يظلون تحت رحمة المهربين، الذين ينهبونهم ويسيئون معاملتهم ويحدث أن يوضع 20 شخصا في سيارة لا تسع لأكثر من 7 أشخاص.
"فرانك مفومو" هو الآخر شاب من بين المئات الذين فشلوا في التوجه إلى أوروبا، بعد أن خاضوا التجربة المرة، يروي ما يتعرض له المهاجرون من سوء معاملة قائلا: "يطلق المهربون تهديدات في كل مرة يقوم فيها بعضنا بالتشكي من أمر معين، ثم يتخلون عنهم في الصحراء متروكين لمواجهة مصيرهم بمفردهم، رفقة قارورة ماء وبوصلة".
ويتابع مفومو بالقول إن "عبور الصحراء يعتبر مهمة شاقة، لا يوجد ماء ولا غذاء، في بعض الأحيان، يمنعون عنك حتى الشرب من المياه المخصصة للبعير، ينبغي عليك أن تدفع المال لتحصل على بضع جرعات من ماء المشرب مع الإبل".
ويؤكد ترونكاندا ما ذهب إليه مفومو بالقول: "إنه لأمر مهين، يعاملونك بطريقة تشعر من خلالها أنك فقدت إنسانيتك لتتحول إلى آلة لمنح الأموال، في الصحراء، تعامل الجمال بطريقة أفضل من البشر".
ويسترسل الشاب بالكلام قائلا: "تموت العناصر الأضعف ويقع التخلي عن جثثهم في الصحراء، لقد رأيت عددا كبيرا من الجثث الآدمية إلى حد أني أمضيت أكثر من عام دون أن أتناول اللحوم".
اقرأ أيضا: حكايات أيام الهجرة الأولى
أما في "غوروغو"، فما زالت لعبة الكر والفر متواصلة بين الشرطة والمهاجرين، الذين ما إن يقع القبض عليهم واقتيادهم إلى المنطقة الحدودية مع الجزائر، حتى يعيد هؤلاء الرحلة سيرا على الأقدام.
وحين تسنح لهم الفرصة، يحاول المهاجرون عبور الحواجز الممتدة على المنطقة الحدودية بين المغرب وإسبانيا حيث "أول القادمين، أوفرهم حظا، بما أنهم يجدون الوقت الكافي لعبور الحواجز الثلاثة الفاصلة البالغ طول كل واحد منها 6 أمتار، قبل قدوم التعزيزات العسكرية، فيما يدفع المتأخرون عن الموعد الثمن ويتعرضون إلى الضرب المبرح، حسبما رواه ترونكاندا.
ويضيف الشاب: "هنالك فخاخ منصوبة قبل بلوغ الحاجز، كما أن على المهاجرين تخطي عقبة الأسلاك الشائكة الممزقة للجلد البشري".
الإعلام المغربي من جهته، قام في مناسبات عدة بتفنيد مثل هذه الروايات.
اقرأ أيضا: توتّر بين المغاربة والمهاجرين الأفارقة في طنجة
أما أولئك الذين لم ينجحوا في العبور فإنهم يعودون أدراجهم، يختفون في الغابة في انتظار المحاولة المقبلة.
ترونكاندا يقول إن الرحلة من الكاميرون إلى المغرب دامت عاما كاملا،
ويروي كيف أنه بعد 10 محاولات فاشلة، تمكن من عبور حاجز مليلة ثم أمضى نحو ثمانية أشهر في مخيم اللاجئين في مليلة قبل أن يتم إرساله إلى مدريد ومن ثم العودة به إلى الكاميرون، وهو ما يعتبره ترونكاندا، كما السواد الأعظم من المهاجرين غير الشرعيين فشلا ذريعا وهم يفضلون الموت على العودة إلى مربع الانطلاق.
ويفسر موقف المهاجرين غير الشرعيين بغياب هياكل مرافقة محلية لإعادة إدماج المهاجرين، وذلك على الرغم من ظهور بعض الجمعيات القائمة بجهود مرافقة للذين تمت إعادتهم إلى البلاد على غرار جمعية "حلول للمهاجرين الشرعيين" غير الحكومية.
إيف تسالا رئيس هذه المنظمة يقول: "نستقبل هؤلاء المرحلين ونساعد بعضهم ممن يحتاج إلى رعاية طبية، كما أن عملنا يقوم في جزء كبير منه على الوقاية من ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر توعية الشباب بمخاطر هذا النوع من الهجرة".
وختم تسالا بالقول: "نحن أيضا على اتصال بالكاميرونيين في الخارج ونقوم بتشجيعهم على خلق فرص العمل في الكاميرون".
اقرأ أيضا:
المغرب يفكك مخيمات المهاجرين الأفارقة
المهاجرون الأفارقة في المغرب.. أمل في المستقبل