لعل أبرز ما يلفت الانتباه في مسيرة الراحل هاني المصري (1951 - 2015)، رغم تنوّع أنشطته، هي مساهمته في عالم الرسوم المتحرّكة، خصوصاً مع أكبر منتجيها في العالم، شركة "ديزني".
المقرّبون من المصري كثيراً ما يشيرون إلى أنه لم يطرق أبواب الغرب طلباً للشهرة، أو استرضاء لصانعي السينما العالمية، بل كانت رحلتُه رحلةَ باحثٍ عن أدوات جديدة وحديثة تُمكّنه من أن ينطلق بإبداعاته، التي نهلت من الثقافة العربية والمصرية، إلى فضاء أوسع ويُنجز ما في ذهنه بتقنية أعلى.
تدلّ أول شخصية كرتونية قام بتصميمها، "كيمو كونو"، على إصرار هذا الفنان على أن ينبع من ذاته، ليس من منطلق نرجسي بالضرورة، بل من منطلق فتح الإبداع على الذاكرة الشخصية. فقد استلهَم "كيمو كونو" من بنيته الجسمانية، وجعلها زرقاء اللون، في إشارة لطيفة إلى أمه التي كانت تختار له دوماً اللون الأزرق في ملابسه لاعتقادها أنه الأكثر ملاءمة له.
لعل عوالم "ألف ليلة وليلة"، كانت الأرضية الخصبة التي ترعرع فيها خيال المصري البصَري. فهذا النص التراثي الزاخر، كان سبباً رئيسياً أيضاً في المشروع الذي خاضه، ليس فقط من زاوية التأثر به في رسوماته، بل لأن حادثة إحراق مُتعصّبين لنسخ من الكتاب بتعلّة إيروتيكيّتها في ثمانينيات القرن الماضي، كانت محرّضاً له لحمل "ألف ليلة وليلة" والانطلاق بها إلى عالم ديزني، كما كشف في حديث له.
لم تكن تجربة المصري في عالمه الجديد منخرطة في فكرة تصدير النمط الغربي للعرب عبر الرسوم المتحركة، لقد كان منتبهاً إلى استخدام عالم ديزني للفن في أغراض سياسية، مباشرة أو غير مباشرة. كان المصري يريد تصدير الثقافة العربية والحضارة المصرية القديمة باعتبارها ثقافة غنية بالخيال والقصص والصُّور المُلهِمة.
أولى تجارب المصري في ديزني كانت مع فيلم "أمير مصر"، الذي أنتجته الشركة عام 1998. سيحتكّ الفنان المصري، منذ هذا التعاون، بخلفيات سياسية وعرقية مدسوسة في الحبكة.
يتناول الشريط قصة خروج النبي موسى من مصر، وفي أحد المَشاهد طُلب منه أن يرسم "الإله حورس" وهو يفتح جناحيه على هيئة النسر النازي، وأن يكون إيقاع المشي لدى جنود الفراعنة نفس إيقاع المشي لدى النازيين. رفض المصري القيام بهذه المهمّة، وهدّد بالاستقالة واللجوء إلى الصحافة كما جاء في حديث له مع يسري فودة.
على المستوى المحلي، تنوّعت أنشطة المصري بين تصميم الديكور والملابس للمسرحيات، لعل أبرزها "العيال كبرت" و"إنها حقاً عائلة محترمة" و"شاهد مشافش حاجة". كما اشتغل في تصميم الإعلانات، وهي مجالات يبدو واضحاً أنه أحس في وقت ما بأنها غير قابلة للتطوير.
لم يجد المصري في بلاده احتفاء بقدرته على إنجاز الرسوم المتحرّكة تحت ذرائع عدة مثل الضعف التقني، أو عدم وجود الدعم المالي، لا من الدولة ولا من شركات الإنتاج. هكذا، وقف بين خيارين: تجسيد المشاريع في الغرب، أو ترك الموهبة للنضوب.