هادي ومراكز القوى اليمنية(1-3): قطيعة مع صالح والتقاء بالإصلاح

21 مارس 2014
هادي خلال تسلمه السلطة من صالح (محمد حويس-Getty)
+ الخط -
يطرح اليمنيون تساؤلات حول الرئيس عبد ربه منصور هادي منذ أن تم التوافق على اختياره رئيساً، قبل أكثر من عامين، تماشياً مع المبادرة الخليجية.
كيف سيتمكن من الحكم بين جميع القوى المتصارعة؟ هل سيكون ذراعاً للرئيس السابق علي عبد الله صالح أم لخصومه؟ هل سينحاز لمطالب التغيير، هل سيتمكن من إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية، وكيف سيتعامل مع جماعة أنصار الله (الحوثيين)؟
بدت هذه التساؤلات مشروعة، أخذاً في الاعتبار طريقة وصول هادي إلى الحكم، فضلاً عن أنه طيلة فترة توليه منصب نائب رئيس الجمهورية 1994-2012 كان ينظر إلى هادي على أنه أحد رجال الرئيس السابق. 
وكانت الأغلبية تنظر إلى منصب هادي بأنه "صوري" يقتصر دوره على ما يُكلف به، كأي مسؤول آخر، فضلاً عن اقتراح أسماء بعض الوزراء والمسؤولين من المحافظات الجنوبية، كونه من الجنوبيين الذين استمروا في معسكر صالح منذ حرب الوحدة في عام 1994.
وربما كان دور هادي واضحاً أكثر بالنسبة للجنوبيين في السلطة، أو للعسكريين والمدنيين الذين عملوا معه عن قرب، لكنه لم يكن واضحاً كثيراً للرأي العام.
وتعزز الاعتقاد عن محدودية دور الرئيس الحالي على اعتبار أنه لم يترأس رسمياً طيلة فترة منصبه كنائب للرئيس سوى اللجنة العليا للاحتفالات، وبعض اللجان ذات الطابع المؤقت. وكان ظهوره يقتصر على الخطابات في بعض المناسبات والفعاليات الحكومية أو الحزبية، من موقعه كأمين عام لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم ثم كنائبٍ لرئيس الحزب.
إلا أن ثورة الساحات اليمنية في العام 2011 غيرت  من الصورة جزئيا، وخصوصاً بعدما نقلت هادي إلى موقع الرئيس الانتقالي، فبدا لزاماً عليه التعامل مع صالح وتركته، وتحديدا القوى التي كان الأخير يعتمد عليها للاستمرار في حكمه.
ولذلك اتجهت الأنظار إلى علاقة هادي بصالح وحزب المؤتمر، ولا سيما أن هادي يحتفظ إلى يومنا هذا، بمنصب نائب رئيس الحزب، فضلاً عن ترقب لمعرفة علاقته بحزب التجمع اليمني للإصلاح وبيت الأحمر.
لقد وجد هادي نفسه مضطراً إلى التعامل مع مستشاره الحالي، اللواء علي محسن الأحمر، صاحب النفوذ القوي في الجيش، فضلاً عن اضطراره لمواجهة قضايا اليمن الرئيسة، وعلى وجه التحديد القضية الجنوبية نتيجة مطالبات الحراك الجنوبي بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، وقضية صعدة في الشمال، ولا سيما مع توسع نفوذ أنصار الله (الحوثيين). 
اليوم، وبعد مرور عامين على حكم هادي، والتمديد له بموجب المبادرة الخليجية حتى انتهاء الفترة الانتقالية، اتضح جزء من سياسته تجاه مراكز القوى التقليدية في اليمن. 
هادي بين المؤتمر وصالح
كان هادي نائباً لرئيس حزب المؤتمر الذي يترأسه صالح، حينما جاء دوره لتسلم السلطة في فترة انتقالية، كحل وسطٍ بين الذين يصرون على رحيل صالح ونظامه، وبين الأخير الذي يرفض الخروج بتسليم السلطة إلا إلى الطرف الآخر الذي خرج للساحات منادياً برحيله.
وفيما يستمر هادي في منصبه الحزبي، بدا واضحاً منذ البداية أنه سيصطدم بصالح (رئيسه في الحزب) إذا ما أراد أن يحكم فعلياً ويقف على مسافة متقاربة مع الأطراف السياسية الأخرى. 
كذلك كان هادي سيُغضب حزب المؤتمر بأي تعيينات جديدة، لأن التعيينات بموجب المبادرة الخليجية أصبحت مناصفة بين شريكي الحكم؛ المؤتمر وحلفاؤه من جهة، وأحزاب اللقاء المشترك المعارضة من جهة ثانية. وهو ما يعني أن التعيينات ستنتقص حكماً من حصة المنتمين إلى المؤتمر، بعدما كان الأخير يسيطر على جميع المناصب الحكومية باعتباره حاكماً وحيداً.
العقبة الأولى الإجبارية التي كان على هادي مواجهتها لنزع فتيل الصراع، هي إزاحة أبرز أقرباء صالح الذين يمسكون بالجيش والأمن، تسانده في ذلك الثورة الشعبية، وخصوصاً أن الخيام كانت في ذلك الحين لا تزال منصوبة في الميادين، فضلاً عن تزامنها مع ضغط دولي من الأطراف المشرفة على عملية نقل السلطة.
إزاء ذلك اختار هادي القطيعة مع صالح، حتى ينجو من ضغوطه و"إحراجاته". وكان صالح منزعجاً من هذه القطيعة. ولكي لا يظهر الرئيس السابق خاسراً أمام أنصاره، كان عليه ألا يكشف عن امتعاضه مباشرة، وظل يردد "أن هذا الرئيس هو النائب الذي اخترته أنا، وأن الذين خرجوا للمطالبة برحيلي لم ينجحوا".
أما بالنسبة لعلاقة هادي بحزب المؤتمر، فكان عليه إما الانسحاب منه ليكون فعلياً رئيساً توافقياً، أو عليه سحب الحزب إليه وإبعاد صالح. ومع الأيام، تمكن الرئيس الانتقالي من جعل أغلب الوزراء في حصة المؤتمر موالين له، حتى أن صالح قال في أكثر من مقابلة (آخرها يناير/كانون الثاني الماضي) إنه لا يوجد وزير واحد من اختياره، من بين 17 وزيراً (حصة المؤتمر).
وكانت أنباء سابقة تداولتها الصحف أوائل العام الماضي أن هادي هدد باستبدال أي وزير يستجيب لدعوة المؤتمر- جناح صالح بمقاطعة اجتماعات الحكومة. وسبق له أن قال في جلسة استثنائية للحكومة في مايو/أيار 2013 "إن الوزراء يعملون من أجل إنجاح الحكومة والخروج من الأزمة، ولا يعملون من أجل حزب أو فئة أو جماعة، وهذا للأسف لم يستوعبه البعض منكم".
لكن هادي لم يكتف بذلك، بل كسب جناح النائب الثاني لرئاسة الحزب عبدالكريم الإرياني، وحاول أكثر من مرة بالتعاون مع الأخير ضمان ولاء بعض القيادات الحزبية للانقلاب على صالح بنزع رئاسة المؤتمر منه. لكن التطورات السياسية التي أفقدت عددا غير قليل من المؤتمرين مواقعهم، بالإضافة إلى قوة الرئيس السابق وشعبيته في أوساط الحزب، جعلت الجزء الأكبر من المؤتمر خارج الحكومة بيد صالح.
على الرغم من ذلك، ظل صالح وأعضاء حزب المؤتمر الذي يقوده لا يظهرون سخطهم من هادي مباشرة، بل يوجهون نقدهم اللاذع إلى رئاسة الحكومة، باعتبار رئيسها محمد سالم باسندوة من المستقلين، فضلاً عن نصف أعضائها من حصة قوى اللقاء المشترك. وظلوا حريصين - قدر المستطاع - على التأكيد أن هادي ينتمي إلى حزبهم، على الرغم من الغضب الواضح والسخط المتصاعد الذي يبديه الكثير منهم تجاهه.
وبعد تمكنه من إزاحة أقارب صالح وقصقصة أجنحته في أبرز مفاصل الدولة، وتحديداً في المؤسسة الأمنية، ظهر الخلاف إلى السطح أكثر من أي وقت مضى. وأطلق هادي أكثر من مرة تصريحات ضد "النظام السابق" وامتدح الثورة. وكان من أشهر ما تناقلته وسائل الإعلام عن هادي أنه قال أمام مجموعة من أعضاء الحوار إن أعمال التخريب "رفسات تيس مذبوح"، وهو ما فهم على أنه إشارة إلى سلفه صالح الذي عُرف بلقب "تيس الضباط".
ومع اقتراب اختتام مؤتمر الحوار، الذي انتهت أعماله في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، اتخذ حزب المؤتمر مواقف عرقلت انتهاء الحوار. ولعب على وتر قرب نهاية المرحلة الانتقالية وحاجة هادي إلى التمديد، للحصول على مكاسب من خلال الضغط عليه.
وبالفعل كانت هناك ملامح صفقة بين المؤتمر، وقّع بموجبها ممثلو الحزب على نتائج الحوار وخففوا من حدة الانتقاد لهادي الذي لم يلتق بصالح منذ تسلمه السلطة. وهو ما دفع الأخير إلى التعبير عن امتعاضه من الأمر، متهماً هادي بأنه "تنكر للأخوّة والزمالة" بينهما، إرضاء لـ"الإخوان المسلمين"، على حد تعبيره.

تقاطع مصالح مع الإصلاح 

القطيعة التي أرساها هادي مع صالح منذ وصوله إلى السلطة، لم يكن من الممكن اتباعها مع باقي القوى، وتحديداّ حزب التجمع اليمني للإصلاح ثاني أقوى الأحزاب اليمنية، وحصته في الحكومة تعد الأكبر بعد حزب المؤتمر (أربع حقائب وزارية).
كان الإصلاح، بجناحيه السياسي والقبلي (بيت الأحمر)، القوة الأبرز التي اعتمد عليها هادي لإنهاء هالة صالح. وكان على الرئيس الحالي أن يستفيد من الحزب في هذه المهمة (التي هي أيضاً مطلب للإصلاح)، دون أن يؤدي ذلك إلى تزايد نفوذ الحزب ودوره على حساب الرئيس. كما سعى هادي إلى عدم تقريب الإصلاحيين منه إلى الحد الذي يثير انتقاد الآخرين، قدر المستطاع.
أما بالنسبة للإصلاح، فقد وجد نفسه للمرة الأولى منذ العام 1997 أمام حصة في الحكومة. وبدأ بالانهماك في توزيع كوادره داخل مؤسسات الدولة وبالمحاصصة مع الأحزاب الأخرى. وطالت الحزب اتهامات بأخونة وزارة الداخلية، وخصوصاً خلال عهد الوزير عبد القادر قحطان، الذي أقاله هادي في السابع من شهر مارس/آذار الحالي. 
على الرغم من كل ذلك، يحرص قادة الإصلاح، أمام أنصارهم على القول إن الثورة حققت تقدماً وإن هادي انحاز لثورة التغيير، الأمر الذي جعلهم يغضون الطرف عن قرارات وتوجهات يتخذها الرئيس  دون أن تكون مرضية لهم.
وبعد الانقلاب العسكري في مصر على الرئيس محمد مرسي، انتقل الإصلاحيون من الأحلام الوارفة إلى خانة الارتياب والخوف من دفعهم إلى خانة الإقصاء والتحجيم. لكنهم مضوا بسياسة التزام التوافق والدفاع عن هادي وعدم معارضة أي من مقترحات الحوار. 
وبسبب توسع بعض خصومهم وتحديداً أنصار الله، واعتبارهم أن هادي تقاعس عن إعطاء التوجيهات لمنع تقدم الحوثيين وترك القبائل المحسوبة على الإصلاح وحيدةً في مواجهة الجماعة، أصبح الإصلاحيون في موقف لا يحسدون عليه، ولا يستطيعون التعبير عنه علانية.
وغمز قيادي في الإصلاح من قناة هادي، بالقول:"هادي ينتظر أي عرقلة أو رفض من الإصلاح ليبتزه بخصومه وبوجود أطراف خارجية ضده". وذلك في معرض تعليقه على سبب تأييد الإصلاح لكافة مخرجات الحوار دون تحفظ والصمت عما تعرض له جناح بارز من مكونه القبلي (بيت الأحمر) بعد وصول أنصار الله إلى معقلهم في منطقة الخامري في محافظة عمران وتفجيره.
على الرغم من ذلك، لا يمكن القول إن علاقة هادي بالإصلاح كانت متوترة مثلما كانت مع المؤتمر، لكن الإصلاحيين، في حسابات الربح والخسارة، ليسوا رابحين، إلى الآن على الأقل.

إضعاف بيت الأحمر

كان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ قبيلة حاشد، ثاني أكبر مراكز القوى في الشمال بعد صالح وإلى جانبه في الحكم. 
وفي الوقت نفسه، كان وأولاده الحاضن القبلي لحزب الإصلاح. توفى عبدالله الأحمر في ديسمبر/كانون الأول 2007 وتصاعدت خلافات أبنائه مع أبناء وأقارب صالح. وما كادت الاحتجاجات الثورية تخرج في العام 2011 إلا وكان أولاد الأحمر يعلنون تأييدها لأسباب عديدة.
من بين هذه الأسباب الانتقام من صالح، الذي نقض اتفاقاً سابقاً بمحاولته توريث نجله أحمد  الحكم، فضلاً عن رغبتهم في الحفاظ على موقع لهم في المرحلة التي تلي صالح، ولا سيما أن نفوذهم لا يقتصر على الجانب السياسي أو القبلي فقط، بل يمتد أيضاً ليشمل القطاع الاقتصادي.
خلال الثورة تعرضت منازلهم في العاصمة صنعاء إلى القصف، وخاضوا معارك مع القوات الأمنية المحسوبة على صالح عُرفت بحرب الحصبة. واتُهموا بالوقوف وراء استهداف صالح في جامع الرئاسة في يونيو/حزيران 2011، وتعرضوا لحملة إعلامية أثرت في سمعتهم أمام أنصار الرئيس السابق وبعض الأوساط القبلية.
ومع صعود هادي رئيساً، تبنى في مقابل إزاحة أقارب صالح من الدولة إضعاف نفوذ وسيطرة أولاد الأحمر، على الرغم من أنهم الطرف القوي الذي ساعد على إزاحة صالح وصعود هادي. 
حتى من دون سياسات هادي، كان لأولاد الأحمر من يتكفل بجهود إضعافهم ومحاصرتهم. والمقصود هنا الحالة السياسية التي أوجدتها التسوية، والخصم القوي (صالح) الخارج من السلطة والقادر على اللعب بالعديد من الأوراق. كذلك يوجد الحوثيون الذين يحتاج صعودهم وتوسعهم إلى إضعاف مركز القوة الأبرز في محافظات شمال صنعاء أي بيت الأحمر.
وبذلك كان يكفي هادي أن يتركهم لخصومهم لكي يجدوا أنفسهم الآن محاصرين ومتراجعين بشكل ملموس. وكانت الضربة الأقوى لهم، بعد توسع جماعة أنصار الله في بعض معاقلهم في حاشد، إحراق منزلهم في منطقة الخمري، قبل أن ترعى لجنة رئاسية اتفاقاً في المنطقة بين القبائل والحوثيين بغياب بيت الأحمر.
وفي مقابلة صحافية له، قال حميد الأحمر، معلقاً على دور الدولة تجاه ما جرى في حاشد بالقول إنها "اكتفت بإرسال لجان رئاسية كانت تقوم بتخدير الناس لمصلحة الحوثي"، في اتهام غير مباشر لهادي بالتواطؤ ضد بيت الأحمر.
على الرغم من ذلك، لم يوجه أولاد الأحمر الانتقاد المباشر لهادي إلا في حالات نادرة. وهو ما يمكن تفسيره بأنهم لا يريدون أن يشمت بهم خصومهم، فضلاً عن كونهم لا يزالون يمتلكون القدرة على لعب العديد من الأدوار والتأثير في قضايا مختلفة. كما أن البعض في بيت الأحمر يعبّر عن عدم الرغبة في مواصلة لعب دور النافذ الذي كان أولاد الشيخ عبد الله الأحمر يقومون به في عهد صالح، بقدر ما يسعون لضمان قدرٍ من التأثير يتناسب مع المعادلة السياسية الجديدة في اليمن، اليوم.
المساهمون