هاجس "إسقاط صنعاء" يظلل تصعيد الحراك الجنوبي

30 نوفمبر 2014
ترقب مشاركة حاشدة في تظاهرات اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -

تتجه الأنظار، اليوم الأحد إلى مدينة عدن جنوبي اليمن، حيث يتصاعد مطلب فك الارتباط عن الشمال، مع حلول موعد الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني، الذي يصادف عيد استقلال الجنوب عن الاحتلال البريطاني. ويشكّل الموعد أيضاً نهاية المهلة التي مُنحت للنظام اليمني لتحقيق مطالب المعتصمين المؤيدين للحراك الجنوبي، وسط تكهنات حول الخطوات التصعيدية التي يمكن أن يبدأ المعتصمون بها، ولا سيما مع اقتراب الحوثيين من الجنوب بعد سيطرتهم الجمعة على أجزاء من محافظة تعز، وتصعيد السلطات اليمنية ضد قيادات الحراك وتحديداً رئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي حسن أحمد باعوم، الذي تمكن من دخول عدن أمس بعد منعه من قبل السلطات لمرتين متتاليتين.

فالأربعاء الماضي ومن دون أي اعتراض، عاد باعوم، من البوابة الشرقية لمدينة عدن، بعد أن منعته السلطات من دخول المدينة للمشاركة في الحدث المرتقب، وطلبت منه العودة إلى مدينته المكلا عاصمة حضرموت.

قبول باعوم بالعودة آثار استغراب المعتصمين، ولا سيما أنهم هددوا بإخراج مسيرة لنقطة العلم العسكرية التي استوقفته لإدخاله بالقوة. لكن باعوم عاد وتوقف في شبوة، حضر مهرجان شارك فيه الآلاف ودعوا خلاله للزحف إلى عدن، رافضين منع السلطات له من دخول عدن. وعلى الأثر، سارعت السلطات للرد عليهم الجمعة، عبر محاصرة مقر إقامة باعوم وسط عتق بشبوة في ظل مخاوف من أن يعود القيادي البارز في الحراك الجنوبي إلى عدن برفقته مسلحي القبائل ما يعزز من عدم القدرة في السيطرة على الأوضاع في الشارع الجنوبي.
وحاول باعوم أمس السبت الدخول من جديد إلى عدن قبل أن يمنع لساعات من ذلك ومن ثم تسمح له السلطات بالعبور للمشاركة في فعاليات 30 نوفمبر.

ودعوة الزحف إلى عدن، على الرغم من تكررها جنوباً سابقاً، إلا أنها اليوم خطرة، وتمثل سيناريو يعيد للأذهان زحف الحوثيين لإسقاط صنعاء رغم استبعاد الكثيرين لذلك، وخصوصاً في ظل التطمينات التي حرصت اللجنة المكلفة بالإشراف على الاعتصام في عدن على إرسالها. ضمن هذا السياق، عقدت اللجنة أمس السبت، مؤتمراً صحافياً، تطرقت فيه إلى عدد من القضايا في ما يخص التظاهرات المنوي تنظيمها اليوم في الجنوب وتحديداً عدن. وأكد رئيس الهيئة حسين بن شعيب، أن الحراك الجنوبي لن يستنسخ طريقة الحوثيين في إسقاط المدن والسيطرة على المؤسسات الحكومية، وإنما عن طريق النقابات والاتحادات العمالية.

وشدد على أن الاعتصام سيظل سلمياً ولن ينجر للعنف، مضيفاً حتى لو فشل الجنوبيون "فإنهم سيكررون المحاولة، ولن ينجروا للعنف، لكنهم قد يمنعون بطرقهم محاولة الحوثيين دخول الجنوب"، مشيراً إلى أن "مشروع الحوثيين إمامي وسلالي، يختلف كلياً عن مشروع الجنوبيين".

كما هاجم بن شعيب الأصوات التي أطلقت تهديدات بأن الثلاثين من نوفمبر هو آخر يوم لطرد الجيش والموظفين من أبناء المحافظات الشمالية، معتبراً "الكلام هراء وخيالي"، نافياً أن يكون "هذا التهديد صادر عن المعتصمين، وإنما كان صادرا عن اللجنة التحضيرية لمليونية أكتوبر".

وكانت اللجنة المشرفة على الاعتصام في عدن واظبت على إرسال تطمينات بسلمية المعتصمين وسلمية تصعيدهم، لتلافي أي مساعٍ لجر المعتصمين من قبل بعض القوى للعنف، بسبب بعض الأصوات المتشددة. وظهرت هذه المساعي من خلال الخطب والكلمات التي تلقيها قيادة اللجان، فضلاً عن فرضها تشديد أمني للداخلين والخارجين من ساحة الاعتصام.

من جهته، يقول الناشط السياسي شفيع العبد لـ "العربي الجديد" إنه "ليس منطقياً توقّع تكرار سيناريو إسقاط صنعاء بأيدي الحوثيين، أو حدوث نسخة مشابهة له في عدن، كون أنصار الله جماعة أتت مستعينة بأدوات القوة والعنف من بداياتها، بينما الحراك الجنوبي السلمي ولد وتطور بأدوات السياسة، وتمسكه بوسائل النضال السلمي لتحقيق خياراته". ويرى أنه "لو ارتفعت أصوات هنا أو هناك تطالب بالانتقال إلى خيار السلاح والقوة، فهي لا تمثل إلا نفسها فقط"، مستبعداً "انهيار الأوضاع في الجنوب نحو الفوضى والعنف، على الأقل في المدى المنظور".

ووفقاً للعبد، فإن ما تعرض له باعوم "يدخل في إطار الانتهاكات الإنسانية غير الأخلاقية وللحقوق مكفولة دولياً ومهمة السلطات حمايتها"، مطالباً قوى الحراك الجنوبي السلمي بأن "تتعامل مع الحادثة كحالة انتهاك لا تتطلب أي ردة فعل غير عقلانية، ستستغلها كثير من القوى، ومنها قوى تابعة للسلطة، التي تتربص بالحراك لإخراجه عن دائرة السلمية، والإيقاع به في شراك العنف والفوضى، بهدف ضربه وإيجاد مبرر للاعتداء على ساحة الاعتصام السلمي".

وكان لافتاً أن توقف باعوم في شبوة التي شهدت أعمالا أمنية، ونجا فيها قائد المنطقة العسكرية الثالثة، العميد أحمد سيف اليافعي من محاولة اغتيال فيها بينما قتل عدد من مرافقيه، جاء متزامناً أيضاً مع زيارة مفاجئة لوزير الدفاع اليمني، اللواء محمود الصبيحي، إلى المحافظة نفسها.

ودعا الصبيحي القبائل إلى تحمل مسؤوليتها لحماية المحافظة، في ما يبدو أنها محاولة لقطع الطريق أمام أي تحركات، ولا سيما أن وزير الدفاع غادر إلى عدن، للمشاركة في عيد استقلال الجنوب عن الاحتلال البريطاني، في الثلاثين من نوفمبر، الذي من المقرر أن يشهد فعاليتين متناقضتين للسلطات والحراك الجنوبي.

ويربط البعض تواجد وزير الدفاع بعدن لقيادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، وإدارة الأزمة في الجنوب ميدانياً وعن قرب، في ظل هواجس النظام للتحركات الجنوبية الأخيرة.

وكانت السلطات اليمنية قد أرسلت تعزيزات عسكرية كبيرة إلى الجنوب، وانتشرت عشرات الآليات العسكرية، من مدرعات ودبابات وأطقم عسكرية في شوارع عدن وأمام المؤسسات الحكومية والمصارف. كما شملت الإجراءات المرافق الاستراتيجية كالموانىء والمطار والتلفزيون، والمعسكرات ودور الرئاسة. كما امتدت الإجراءات إلى المحافظات الجنوبية الأخرى، ولا سيما تلك المحيطة بعدن، استعداداً للتصعيد المرتقب للجنوبيين.

وتحاط عدن بسياج محافظتين، أبين ولحج يسودهما الانفلات الأمني، وتنتشر فيها الجماعات المسلحة، بما فيها اللجان الشعبية. كما يمتد الأمر إلى شبوة، بينما يسود شك في ولاء اللجان الشعبية في تلك المدن للسلطات. وهو ما يرجح كفة الحراك في السيطرة عليها. واستباقاً لذلك يبدو أن تفاهمات للسلطة مع بعض الأطراف في تلك المناطق، أجبرت عناصر مسلحي اللجان الشعبية، التي كانت دخلت عدن وقت سابق، إلى مغادرتها والعودة إلى أبين.

وتؤكد مصادر أمنية لـ "العربي الجديد" أنّ هناك "تشديدا أمنيا واستعدادات كبيرة لمواجهة أي أعمال عنف قد تحدث في أي محافظة جنوبية، ولا سيما في عدن وحضرموت".

وتلفت المصادر إلى أن "لغة قوى الحراك الجنوبي متناقضة، بين من يؤكد على سلمية التصعيد، وبين دعوات متشددة، وهو ما يجعل السلطات تقوم بهذه الإجراءات، تحسباً لمواجهة أي أخطار قد تستغلها قوى للفوضى".

المساهمون