أحباب السرّ، طفلة سودانيّة في الثانية عشرة من عمرها. قبل عامين، وفي اليوم الدراسي الأول، كانت حالتها الصحيّة سيّئة جداً. ذهبت بها أسرتها إلى طبيب في القرية في منطقة شرق الجزيرة (وسط السودان). طلب لها مضادات حيوية، اعتقاداً منه أنها مصابة بالتهابات عادية، لكن من دون نتيجة. نُقلت إلى مستشفى السلام الطبي في الخرطوم، وطلب طبيبها بعضاً من الفحوصات، فكانت النتيجة صادمة للأسرة، وقد شخّص إصابتها بمرض سرطان الدم. لكنّ أطباء مركز الأمل لعلاج السرطان طمأنوا والديها حول إمكانية العلاج، ثم أُلحقا في دورة وحدة إرشادية نفسيّة تمكّنهما لاحقاً من التعامل بشكل صحيح مع الطفلة خلال رحلة علاجها.
بقيت أحباب السر في المركز مدّة ستة أشهر. خلال هذه الفترة، تساقط شعرها وامتنعت عن تناول الطعام، وعانت من ألم حاد في ظهرها، وفقر دم حاد، إضافة إلى الصداع. ويقول خال أحباب ياسر كردي لـ "العربي الجديد": "دخل أفراد العائلة في مرحلة من اليأس، وأصبحوا ينتظرون إعلان وفاتها. بعد الشهر السابع، بدأت الطفلة تستجيب للعلاج، حتى تعافت تماماً. لكنها ما زالت تتناول الأدوية وتُراجع الأطباء من حينٍ إلى آخر".
يضيف أنّ الدولة توفّر علاجاً مجانياً للسرطان. في بعض الأحيان فقط، ينقطع الدواء في الصيدلية الخاصة بالمركز، وتضطرّ العائلات إلى شرائه من الخارج بأسعار مرتفعة. لكنّ نادراً ما يحدث ذلك. وإن كانت النتيجة إيجابية في حياة الطفلة أحباب وعائلتها، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة لعائلة صفية عبد الوهاب. تقول ابنتها هالة عبد الجليل: "لم نكتشف إصابة الوالدة بالسرطان إلا بعدما وصل المرض إلى المرحلة الرابعة. كان الورم في مكان دقيق جداً في دماغها"، مشيرة إلى أن سبب تأخر اكتشاف المرض هو التشخيص الخاطئ من قبل الطبيب الذي قصدوه بداية. أخبرهم أنها مصابة بالصرع وعالجها على هذا الأساس، من دون أن يكون لذلك أي نتيجة. ثم قصدوا طبيباً آخر شخّص إصابتها بسرطان الدماغ. وكان صريحاً إذ أخبر العائلة أن العلاج لن يجدي نفعاً، وأي تدخل جراحي سيكون له تأثير سلبي.
اقــرأ أيضاً
العائلة لم تستسلم وتوجهت إلى مصر، حيث أجريت لها عملية جراحية لاستئصال جزء من الورم، وأبقي على الجزء الآخر لأنه ملتصق بشعيرات دقيقة جداً في الدماغ. ثم خضعت للعلاج بالأشعة. وبعد شهرين، عادت الأسرة من القاهرة إلا أن الأم توفيت بعد وقت قصير.
تضيف هالة أنّ الأزمة في السودان هي التشخيص الخاطئ، أو على الأقل بالنسبة لهم. لو اكتشف المرض مبكراً، لكان من الأيسر علاجه. المشكلة الثانية هي أن العلاج بالأشعة غير متوفر إلا في مستشفى واحد في الخرطوم. بالتالي، هناك ضغط كبير من المرضى، فضلاً عن تعطل أجهزة العلاج والكشف في كثير من الأحيان. وتشير إلى أن الكلفة المالية للعلاج خارج السودان كبيرة جداً، وقد دفعت أسرتها نحو 200 ألف جنيه (نحو 10 آلاف دولار ).
صفية والطفلة أحباب حالتان عانتا من السرطان في البلاد، علماً أن الأرقام باتت مقلقة جداً. وتشير إحصائية أعلنتها وزارة الصحة السودانية عن تسجيل نحو 12 ألف حالة إصابة بالسرطان سنوياً، مع توقعات بوجود نحو 18 ألف حالة إصابة لم تُشخّص بعد.
ويشكو مدير مركز أبحاث الأورام في وزارة الصحة، دفع الله أبو إدريس، ضعف الميزانيات المخصّصة لعلاج السرطان، مستشهداً باستمرار تعطّل أجهزة العلاج الكيميائي لعدم توفر نقود وميزانيات لصيانتها. ويشير إلى وجود ستة أجهزة فقط لعلاج السرطان في كل البلاد.
من جهته، يوضح مدير مركز الخرطوم للعلاج بالأشعة والطب النووي، خاطر يوسف لـ "العربي الجديد" أن حالات الإصابة بمرض السرطان التي تصل إلى المستشفيات أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، إذ لا يصل سكان الأطراف والمناطق البعيدة إلى المستشفى. ويبيّن أن متوسط الإصابات الجديدة التي تصلهم في المركز تقدر بألف حالة شهرياً، 70 في المائة منها تصل متأخرة. ويشير إلى أنه في مقابل كل حالة مكتشفة، هناك 3 حالات غير مكتشفة.
يضيف أن سرطان الثدي يشكّل 34 في المائة من الإصابات، علماً أن 80 في المائة من الحالات هي من خارج ولاية الخرطوم. ويرى أن المشكلة الرئيسية في البلاد ترتبط بضعف الكشف المبكر وبرامج التوعية بالمرض.
برأي يوسف، ما من أسباب مباشرة لازدياد أعداد مرضى السرطان في السودان. لكنّه يوضح أن 85 في المائة من الإصابات بسرطان الرئة ترتبط بالتدخين. أما الالتهابات، فتؤدي إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم لدى النساء. ويؤكد أن الدولة تتكفّل بعلاج مرضى السرطان، وهناك جهد حكومي واضح للحد من انتشار السرطان. ويلفت إلى وجود مستشفى آخر في مدينة مدني (وسط السودان)، وعدد من المراكز الموزعة على ولايات السودان المختلفة، تحديداً في كل من مدن بورتسودان والقضارف والأبيض ودنقلا ومروي وشندي. كما يشدد على أهمية إنشاء المزيد من المراكز.
اقــرأ أيضاً
في الآونة الأخيرة، بدأ مشاهير أصيبوا بمرض السرطان الكتابة عن تجاربهم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحولوا إلى ملهمين في المجتمع خاضوا المعارك ضد هذا المرض الخبيث، من أبرزهم وليد النقر، وهو ناشط ظلّ على مدى السنوات الأخيرة يستخدم صفحته على فيسبوك لعرض مراحل إصابته بالمرض، ومراحل العلاج، ووجد تضامناً كبيراً.
كما حكت المذيعة لمياء متوكل عن إصابتها بسرطان الثدي من خلال برنامج "البيت السوداني" الذي تعده وتقدمه على إذاعة "أم درمان" إف إم 100.
أما الصحافي والشاعر محمد محمد خير، فقد ظل لسنوات يكتب عن إصابته بالمرض وكيفية هزيمته. يقول لـ "العربي الجديد" إن لحظة الإبلاغ عن الإصابة بالمرض هي الأكثر إيلاماً من كل المراحل، مشيراً إلى أنه خضع لعملية جراحية. بعد إصابته بالسرطان، بات أكثر إطلاعاً حول المرض، واكتشف أن القراءة زادت من شكوكه، لدرجة أنه أصبح لا يلبي دعوات الغداء والعشاء، ولا يأكل إلا طعاماً طبخته زوجته.
بقيت أحباب السر في المركز مدّة ستة أشهر. خلال هذه الفترة، تساقط شعرها وامتنعت عن تناول الطعام، وعانت من ألم حاد في ظهرها، وفقر دم حاد، إضافة إلى الصداع. ويقول خال أحباب ياسر كردي لـ "العربي الجديد": "دخل أفراد العائلة في مرحلة من اليأس، وأصبحوا ينتظرون إعلان وفاتها. بعد الشهر السابع، بدأت الطفلة تستجيب للعلاج، حتى تعافت تماماً. لكنها ما زالت تتناول الأدوية وتُراجع الأطباء من حينٍ إلى آخر".
يضيف أنّ الدولة توفّر علاجاً مجانياً للسرطان. في بعض الأحيان فقط، ينقطع الدواء في الصيدلية الخاصة بالمركز، وتضطرّ العائلات إلى شرائه من الخارج بأسعار مرتفعة. لكنّ نادراً ما يحدث ذلك. وإن كانت النتيجة إيجابية في حياة الطفلة أحباب وعائلتها، فإنها لم تكن كذلك بالنسبة لعائلة صفية عبد الوهاب. تقول ابنتها هالة عبد الجليل: "لم نكتشف إصابة الوالدة بالسرطان إلا بعدما وصل المرض إلى المرحلة الرابعة. كان الورم في مكان دقيق جداً في دماغها"، مشيرة إلى أن سبب تأخر اكتشاف المرض هو التشخيص الخاطئ من قبل الطبيب الذي قصدوه بداية. أخبرهم أنها مصابة بالصرع وعالجها على هذا الأساس، من دون أن يكون لذلك أي نتيجة. ثم قصدوا طبيباً آخر شخّص إصابتها بسرطان الدماغ. وكان صريحاً إذ أخبر العائلة أن العلاج لن يجدي نفعاً، وأي تدخل جراحي سيكون له تأثير سلبي.
العائلة لم تستسلم وتوجهت إلى مصر، حيث أجريت لها عملية جراحية لاستئصال جزء من الورم، وأبقي على الجزء الآخر لأنه ملتصق بشعيرات دقيقة جداً في الدماغ. ثم خضعت للعلاج بالأشعة. وبعد شهرين، عادت الأسرة من القاهرة إلا أن الأم توفيت بعد وقت قصير.
تضيف هالة أنّ الأزمة في السودان هي التشخيص الخاطئ، أو على الأقل بالنسبة لهم. لو اكتشف المرض مبكراً، لكان من الأيسر علاجه. المشكلة الثانية هي أن العلاج بالأشعة غير متوفر إلا في مستشفى واحد في الخرطوم. بالتالي، هناك ضغط كبير من المرضى، فضلاً عن تعطل أجهزة العلاج والكشف في كثير من الأحيان. وتشير إلى أن الكلفة المالية للعلاج خارج السودان كبيرة جداً، وقد دفعت أسرتها نحو 200 ألف جنيه (نحو 10 آلاف دولار ).
صفية والطفلة أحباب حالتان عانتا من السرطان في البلاد، علماً أن الأرقام باتت مقلقة جداً. وتشير إحصائية أعلنتها وزارة الصحة السودانية عن تسجيل نحو 12 ألف حالة إصابة بالسرطان سنوياً، مع توقعات بوجود نحو 18 ألف حالة إصابة لم تُشخّص بعد.
ويشكو مدير مركز أبحاث الأورام في وزارة الصحة، دفع الله أبو إدريس، ضعف الميزانيات المخصّصة لعلاج السرطان، مستشهداً باستمرار تعطّل أجهزة العلاج الكيميائي لعدم توفر نقود وميزانيات لصيانتها. ويشير إلى وجود ستة أجهزة فقط لعلاج السرطان في كل البلاد.
من جهته، يوضح مدير مركز الخرطوم للعلاج بالأشعة والطب النووي، خاطر يوسف لـ "العربي الجديد" أن حالات الإصابة بمرض السرطان التي تصل إلى المستشفيات أقل بكثير من الأعداد الحقيقية، إذ لا يصل سكان الأطراف والمناطق البعيدة إلى المستشفى. ويبيّن أن متوسط الإصابات الجديدة التي تصلهم في المركز تقدر بألف حالة شهرياً، 70 في المائة منها تصل متأخرة. ويشير إلى أنه في مقابل كل حالة مكتشفة، هناك 3 حالات غير مكتشفة.
يضيف أن سرطان الثدي يشكّل 34 في المائة من الإصابات، علماً أن 80 في المائة من الحالات هي من خارج ولاية الخرطوم. ويرى أن المشكلة الرئيسية في البلاد ترتبط بضعف الكشف المبكر وبرامج التوعية بالمرض.
برأي يوسف، ما من أسباب مباشرة لازدياد أعداد مرضى السرطان في السودان. لكنّه يوضح أن 85 في المائة من الإصابات بسرطان الرئة ترتبط بالتدخين. أما الالتهابات، فتؤدي إلى الإصابة بسرطان عنق الرحم لدى النساء. ويؤكد أن الدولة تتكفّل بعلاج مرضى السرطان، وهناك جهد حكومي واضح للحد من انتشار السرطان. ويلفت إلى وجود مستشفى آخر في مدينة مدني (وسط السودان)، وعدد من المراكز الموزعة على ولايات السودان المختلفة، تحديداً في كل من مدن بورتسودان والقضارف والأبيض ودنقلا ومروي وشندي. كما يشدد على أهمية إنشاء المزيد من المراكز.
في الآونة الأخيرة، بدأ مشاهير أصيبوا بمرض السرطان الكتابة عن تجاربهم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وتحولوا إلى ملهمين في المجتمع خاضوا المعارك ضد هذا المرض الخبيث، من أبرزهم وليد النقر، وهو ناشط ظلّ على مدى السنوات الأخيرة يستخدم صفحته على فيسبوك لعرض مراحل إصابته بالمرض، ومراحل العلاج، ووجد تضامناً كبيراً.
كما حكت المذيعة لمياء متوكل عن إصابتها بسرطان الثدي من خلال برنامج "البيت السوداني" الذي تعده وتقدمه على إذاعة "أم درمان" إف إم 100.
أما الصحافي والشاعر محمد محمد خير، فقد ظل لسنوات يكتب عن إصابته بالمرض وكيفية هزيمته. يقول لـ "العربي الجديد" إن لحظة الإبلاغ عن الإصابة بالمرض هي الأكثر إيلاماً من كل المراحل، مشيراً إلى أنه خضع لعملية جراحية. بعد إصابته بالسرطان، بات أكثر إطلاعاً حول المرض، واكتشف أن القراءة زادت من شكوكه، لدرجة أنه أصبح لا يلبي دعوات الغداء والعشاء، ولا يأكل إلا طعاماً طبخته زوجته.