نُذر افتراق بين الفرنسيين ورئيسهم: شعبية ماكرون تتهاوى

23 يوليو 2017
يوليو شهد أزمة مع مؤسسة الجيش (أرنولد جيروكي/فرانس برس)
+ الخط -

عرف الرئيس الفرنسي، حديث العهد في الإليزيه، إيمانويل ماكرون، انخفاضًا حادًا في شعبيته، وهذه المرة هي صحيفة "لوجورنال دي ديمانش" من يعلن عنه؛ الأمر الذي عدّه مراقبون بداية انهيار شعبية الرئيس الشاب، إذ لم يعد يُعبّر سوى 54 في المائة من الفرنسيين عن رضاهم حيال سياساته، وهو ما يعني تراجع درجة الرضا، في شهر واحد فقط، بنسبة عشرة في المائة، فيما أعلن 56 في المائة عن رضاهم عن رئيس حكومته، إدوار فيليب.

وتحاول الصحيفة الفرنسية أن تفسر سبب هذا السقوط، الذي وصفته بـ"السقوط القاسي"، رغم أنها لا تخفي دعمها للرئيس ماكرون، إذ كرّست له، منذ صعوده في استطلاعات الرأي كمرشح وحتى الآن، عشرًا من صفحاتها الأولى، والتي حصلت، مقابل هذا "الولاء"، على لقاء حصري معه قبل أسبوع، على الرغم من أن الرئيس الجديد، الحريص على وقف كل التسريبات الصحافية، لا يتحدث إلى الصحافيين، وسبق أن ألغى الندوة الصحافية في عيد 14 يوليو/تموز.

ويرى جيروم فوركي، رئيس مركز استطلاع الرأي "إيفوب"، الذي أجرى ذلك الاستطلاع بطلب من صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، أن "ولوج إيمانويل ماكرون في الفضاء كان عنيفًا، وهو يتلقى اعتراضات وارتدادات من قطاعات مختلفة من المجتمع الفرنسي".

ولا يخفي تقرير الصحيفة دور النهاية التي عرفتها الأزمة بين الرئيس الفرنسي ورئيس أركان الجيوش، بيير دي فيليي، حول ميزانية وزارة الدفاع، في نفور بعض الفرنسيين من الرئيس وتعاطفهم مع الجنرال فيليي. لكنه يضيف إليها رفع "المساهمة الاجتماعية المعممة" (CSG) التي تقلق المتقاعدين، لمن هم فوق سن الخامسة والستين، الذين انخفضت لديهم شعبية الرئيس بنسبة 11 في المائة، وبنسبة 14 في المائة لدى من تتراوح أعمارهم ما بين 50 و64 سنة.

كما أن قانون الشغل الجديد الذي سيطبق قريبًا، إضافة إلى التضحيات التي تُطلب من الموظفين العموميين، جعل شعبية الرئيس تنحسر لدى ناخبي اليسار، وموظفي القطاع العمومي، بنسبتي 12 و18 في المائة.

ويعتبر هذا التدنّي في شعبية ماكرون أسوأ مما عرفه رئيسان فرنسيان سابقان في هذه الفترة، فقد حاز فرانسوا هولاند، في شهر يوليو/تموز 2012، 56 في المائة من استحسان الفرنسيين، في حين أن نسبة الرئيس نيكولا ساركوزي بلغت، في شهر يوليو/تموز 2007، 66 في المائة.

وإذا كان عزاء الرئيس ماكرون أن الأمور بخواتيمها، إذ سرعان ما انهارت شعبية هذين الرئيسين، بعدئذ، بسبب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وظهور "المتمردين" خلال ولاية هولاند، وبسبب مواجهة فرنسا والغرب أسوأ أزمة اقتصادية في ولاية ساركوزي، فإن القادم ليس ورديّا، على الأغلب؛ إذ إن الرئيس ماكرون مُقبلٌ على سجال اجتماعي، في الخريف، في غاية الخطورة. وهذا ما توعدت به عدة نقابات عمالية، إضافة إلى حركة "فرنسا غير الخاضعة" والحزب الشيوعي الفرنسي. ولن يخرجَ الرئيس ماكرون من المجابهات المنتظرة، من دون أن يَفقدَ بعضَ ريشاته، كما يُقال.



كواليس استقالة رئيس الأركان

وساهمت كثير من التفاصيل الصغيرة في إشاعة جوّ غير ودّي بين الرئيس الفرنسي ورئيس أركان جيوشه، انتهت بالافتراق بين الرجلين. فحسب بعض المصادر، التي تحدثت لصحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، فإن الرئيس ماكرون استبدّ به غضب شديد بعد رؤيته تسريبات عن استقبال حار للجنرال من قبل جنوده في ساحة وزارة الدفاع، انتشرت في موقع "فيسبوك" يوم الأربعاء الماضي، فقرر حينها الجنرال ألاّ يتحدث بشكل علني قبل انتهاء فصل الصيف. على الرغم من أنه تبادَل بعض الرسائل الهاتفية القصيرة مع بعض رجاله الموثوقين.

وتكشف الصحيفة أن الجنرال لم يطّلع على التضحيات الاقتصادية التي طُلب من وزارته القيام بها إلا في صحيفة "لوباريزيان"، حين قرأ تصريحات وزير الحسابات العمومية، جيرالد دارمانان. لم يصدق الجنرال عينيه، بحسب الصحيفة، إذ كان لا يزال يتصور أن بإمكانه التأثير في مصير ميزانية وزارته، لسنة 2017. كما كان يتصور أن تمديد وظيفته سنة أخرى، سيعزز موقفه التفاوضي، كما كان الشأن خلال ثلاث سنوات ونصف مضت.


وتضيف الصحيفة أن الكلمة القاسية التي صدرت عن الجنرال أثناء استجوابه أمام مجلس الدفاع في الجمعية الوطنية، لم تكن تستهدف رئيس الجمهورية بل وزارة المالية.

وفي ما يخص جملة الرئيس: "أنا قائدكم"، الذي تلفّظ بها ماكرون قبل الاستعراض العسكري بيوم واحد، رأى فيها الجنرال إهانة، إذ "لا يجب إهانة رئيس شركة أمام موظفيه"، كما قال أحد مقربي الجنرال. ورأى عسكري آخر، أنه "حين نوجه صفعة لرئيس الأركان، فإننا نحرمه من سلطته على جنوده. خصوصا أن خطاب الرئيس ماكرون ألقي بحضور رئيس الأركان الأميركي، حليفنا، وهو ما لا يمكن إلا أن يضع زميله الفرنسي في موقف ضعف".

وتتحدث الصحيفة الفرنسية عن مساع بذلها وزير الدفاع السابق، ووزير الخارجية وأوروبا الحالي، جان إيف لودريان، لوقف الاشتباك، لكن بعد فوات الأوان. إذ كان لودريان يرى أن التعايش ممكنٌ بين ماكرون ورئيس الأركان، بعد "لقاء خاص يجمع الرجلين"، خصوصًا أن الرئيس ماكرون وعد بميزانية للدفاع سنة 2018 تصل إلى 34.2 مليار يورو.

وتكشف الصحيفة، أيضًا، أن مساعي بُذلت، بنجاح، لثني 3 جنرالات لا يزالون في الخدمة عن نشر بيان غير مُوقَّع دعما للجنرال بيير دي فيليي، حتى لا تُصبَّ زيوتٌ أخرى على النار.

وتحاول الصحيفة تفسير روح الجنرال الصدامية، فتتساءل إن كان ممكنًا أن تعزى إلى تمديد وظيفته لسنة إضافية، وهو ما قد يكون منحه "ثقة مفرطة في النفس"، أو إلى اعتزاز الجنرال فيليي بقوته في مواجهة وزير ضعيف، كجيرالد دارمانان، هارب من حزب "الجمهوريون" من أجل اللحاق بماكرون، والذي لم تتردد مارين لوبان في وصفه بـ"يهودا الخائن".

ولكن الصحيفة تستعين في النهاية برأي مقرب من الجنرال، وهو يقدم تفسيرًا آخر، إذ يقول "لقد تحمّل الجنرال مسؤولياته، لأنه يؤمن بالاحترام الذي يستحقه جنوده، وأولئك الذين يتم إرسالهم إلى الحرب. ولو أنه تنازَلَ لكان فقد كل مصداقية له في عيون رجاله".

وعلى الرغم من خطاب الرئيس ماكرون المتصالح مع المؤسسة العسكرية، بعد استقالة الجنرال، إلا أن بعض العسكريين والسياسيين متشائمون من تأثيرات هذه الأزمة.