نيللي كريم لم تكن ممثلة تؤدي شخصية متعافية من الإدمان، بل انسلخت تماماً عن نفسها وعن حياتها وغاصت لأعمق نقطة في حياة وشخصية "مريم"، أصبحت هي نفسها تلك الفتاة التي تواجه ضعفها ومخاوفها وتحاول ألا تنتكس وألا تعود لدائرة الإدمان مرة أخرى.
وبالتتابع، قدمت نيللي كريم أربعة مشاهد عظيمة وتاريخية في "تحت السيطرة"، يمكن التعامل معها وحدها كـ"بورتريه" لشخصية المدمنة التي تحاول التعافي.
المشهد الأول في الحلقة السادسة: مريم تزور شقة والدها القديمة في المعادي، تشعر كأن الماضي الذي تركته هنا لم يتغير ولم يبارحها، خصوصاً مع الصور والذكريات المتناثرة، تكلم صديقتها القديمة المدمنة (إنجي) ثم تدرك فداحة الخطأ الذي ترتكبه، فتتحدث بانهيار مع صديقها شريف (هاني عادل) كي يجذبها بعيداً عن المستنقع الذي تكاد أن تقفز فيه.
حالة الـ"بانيك أتّاك" التي تصيب مريم تصلنا تماماً كمتفرجين، نشعر بمقدار الثقل الذي تعانيه في مقاومة الدوامة القديمة.
المشهد الثاني في الحلقة 11: بفعل مشاكل حياتها مع زوجها حاتم تنتكس "مريم" فعلاً، وتعود للمخدرات، مرة واثنتين وثلاث مرات، مع الشلّة القديمة نفسها، قبل أن يعصف بكيانها اكتشاف أنها "حامل"، تذهب لصديقتها الأقرب "مايا" لتخبرها عن الحمل والمخدرات.. الأداء الجسدي لنيللي كريم في تلك اللحظة عظيم فعلاً، تشعر أنها فقدت السيطرة على يديها وحركتها بفعل الضغط العصبي الشديد الذي تمر به، تلك التشنُّجات التي يقوم بها الناس في الحياة الحقيقية عند المرور بمأساة مؤلمة.. عندما يفقدون القدرة على التعبير فيبدو وكأن جسدهم قد انفصل عنهم.
المشهد الثالث في الحلقة 12: تقرر "مريم" الاحتفاظ بالجنين، وبدء رحلة التعافي، تدخل للـ"ديتوكس" كي تخلّص جسدها من سم الإدمان، وتعاني من أعراض الانسحاب. هناك أكثر من مشهد جيد للانسحاب في المسلسل، لأحمد وفيق ومحمد فرّاج وجميلة عوض، وبإخراج جيد ومعبّر جداً دوماً من تامر محسن، ولكن هذا المشهد هو الأفضل على الإطلاق، تبدو كأنها لحظة انعتاق لمريم، لحظة تحرر من الماضي الذي تركته وهربت قبل 9 سنوات من دون التخلُّص منه، وفي تلك اللحظة لا تخلّص جسمها فقط من المخدر، ولكن تخلّص روحها وذكرياتها من الماضي المتروك. ومن جديد هناك أداء نيللي كريم الجسدي.
أما المشهد الرابع فهو الافتتاحي في الحلقة 15: يحضر حاتم إلى مريم، وفي اللحظة التي يقرران فيها العودة لبعضهما يجد "حقنة مخدرات" ملقاة، نسيتها مريم من فترة ما قبل التعافي، بالنسبة لحاتم فهو لن يتحمّل سراً جديداً يشعره بأنه لا يعرف زوجته، وبالنسبة لمريم فهي لن تتحمل ظلماً آخر نتيجة لانتكاسة حدثت لأنه ــ في الأصل ــ تركها بمفردها ورحل.
لحظة مواجهتهما من أفضل اللحظات التلفزيونية خلال العام، كل منهما ينفجر في وجه الآخر، في مشهد مكتوب ومُؤدى بدرجات عالية جداً من الصدق. في نهاية المشهد يخلع حاتم "الدبلة" دلالة على نهاية علاقته بمريم، فيما تحاول هي ثنيه عن ذلك من دون حديث.. تمسك بيده وبجسده وتكون بين المنع والرجاء قبل أن يتركها في النهاية ويرحل.
ظافر عابدين كان يؤدي أفضل مشاهده في المسلسل كاملاً، بينما نيللي كريم تقوم بتدرّج عظيم في أدائها من الانفعال والحدة والزّعيق واللوم.. نحو الانهيار البطيء والضعف الصامت في نهاية المشهد.
في النصف الثاني من أحداث المسلسل تستقر الشخصية، لا تعاني من تلك التحولات والفورات والضغوطات بنفس حدة بداية الأحداث، وبالتالي كان أداء نيللي كريم نفسه أهدأ وأكثر عادية، ولكن ما قدمته في حلقات النصف الأول لا يجعل من قبيل المبالغة أبداً اعتبارها أفضل ممثلة مصرية في رمضان 2015، وأن أداءها لشخصية "مريم" من الأداءات المهمة التي ستبقى في ذاكرة الدراما.
اقرأ أيضاً: التلفزيون المصري يحذف مشاهد كاملة من المسلسلات وصنّاعها غاضبون