04 أكتوبر 2024
نيكولا شوفان العربي
تُعرّف الشوفينية، بحسب "ويكيبيديا"، بأنها "الوطنية المفرطة، الغيورة والعدائية، والإعجاب الحصري لدى الشخص بوطنه والحميّة العمياء للمجد العسكري، والاعتقاد المتحمس بأن وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق الأمم". وتنسب الشوفينية إلى جندي فرنسي، كان يقاتل في جيش نابليون بونابرت، اسمه نيكولا شوفان، وكان شديد الفخر بفرنسيته، وبالقتال في جيش الجمهورية الذي يقودة نابليون، من دون السؤال عن أحقية القضية التي يقاتل من أجلها هذا الجيش، بكل ما يعنيه ذلك من ولاءٍ وتعصبٍ أعمى لتوجه سياسي وعسكري معين. ومن دون الاهتمام بمصير الضحايا الذين يوقعهم هذا التوجه، ولا بشكل المستقبل الذي سينتج منه في المجتمعات الخاضعة له أو المستهدفة منه، بحيث تختصر البشرية ومصيرها بهذا التوجه أو ذاك، التوجه المدّعي امتلاك الحقيقة بكاملها، والمعادي بشراسةٍ كل من لا يؤمن بهذه الحقيقة المفترضة.
والغريب أن مستوى الشوفينية في مجتمع ما يتناسب طردا مع حالتين متناقضتين: الأولى، أزمنة الانتصارات العسكرية في الحروب الكبيرة التي تخلف ضحايا كثيرين، وتغير مصير البشرية، كالشوفينية الألمانية في زمن النازية، التي اعتبرت أن أصحاب الدم الأزرق يجب أن يتسيّدوا العالم بسبب تفوقهم عرقا بشريا على باقي الأعراق. وبالتالي، تصبح إبادة الخارجين عن هذا المنطق واجبا وطنيا وعرقيا وقوميا، وهو ما جعل المحارق تزدهر في زمن النازية. والثانية، في أزمنة الانحطاط التي تعيشها الدول والمجتمعات، بحيث تصبح الشوفينية الوطنية، أو الدينية، التعويض الجمعي عن حالة الفشل والهزيمة السائدة، والتي يحاول الجميع التنكّر لها، ووصم الآخرين بها، وتحويلها ذهنيا إلى حالة انتصار وطني، يشوهها الأعداء، المفترضون، وهو الحال الذي طالما ميز مجتمعاتنا العربية منذ أكثر من ستين عاما، وتجلى أكثر ما تجلى في السنوات التي سبقت الربيع العربي، حيث ظهرت الشوفينية الوطنية لكل دولةٍ على حدة، والاعتزاز بهذه الوطنية التي تم فصلها عن محيطها العربي أو القومي عموما، بحيث ظهرت النزعات الوطنية الممتدة في الماضي، كالفينيقية والفرعونية والسومرية، وإلى آخر ما هنالك من هذه الرؤية المتعامية عن سيرورة التاريخ، وكأن الحضارات البشرية القديمة وصلت إلينا كما هي، صافية وخالية من أي تلاقح أو تأثير وتأثر متبادل مع باقي الحضارات الأخرى. وكأن الزمن الطويل لم يخلط الأعراق بعضها ببعض، ولم ينتج من هذا الاختلاط سلالات بشرية عدة مختلفة، لكنها تحمل، في الوقت نفسه، صفات مشتركة، تلغي تماما حالة الاستعلاء الشوفيني التي يعيشها أصحاب هذه النظرية، متعامين عن حقائق التاريخ وسيروراته الطبيعية.
أما حالتنا، نحن العرب، بعد الربيع العربي، فهي المثال الناصع على الشوفينية التي يتسبّب بها الفشل والهزائم، إذ نتيجة ما حصل من تدمير لكل الأحلام التي لمعت مثل نور مفاجئ لدى الشباب العربي، ونتيجة فشل الثورات العربية وانقسام المجتمعات بين مؤيدين للأنظمة ومعارضين لها، وتدمير بنيتها بالكامل، وعودة الأنظمة إلى الإمعان في سياسات القمع والاستبداد والعنف، والذي وصل إلى حد الجريمة اليومية ضد الشعوب، مجموعات وأفرادا، تعزّزت الشوفينيات المتعدّدة من الوطنية إلى القومية إلى الدينية إلى المذهبية إلى القبلية. وظهرت شوفينيات جديدة، أكثر ضيقا وصغرا، كالعسكرية والأمنية، بحيث أصبحت هاتان المؤسستان اللتان تنتمي إليهما غالبية الأنظمة العربية هما بمثابة نقطة الأمان الوحيدة للخائفين من فكرة التغيير والتحول في المجتمعات. وبحيث، أيضا، يصبح تناول هاتين المؤسستين بالنقد بمثابة الخيانة، أو الاشتراك في المؤامرة الوطنية ضد الأوطان، من دون الاهتمام بمصير الملايين الذين تفتك بهم هاتان المؤسستان، ومن دون السؤال عن مستقبل المجتمعات التي تم الفتك بها نتيجة السياسات الجرمية والمتعالية للعسكرتارية الأمنية، والتي يراها عابدو هاتين المؤسستين انتصاراتٍ وطنيةٍ عظيمة، لا يجوز التشكيك فيها.
أما الشوفينية الدينية والمذهبية التي لاقت رواجا وانتشارا كبيرين بعد فشل الربيع العربي، فقد ساهمت في مزيد من حالة الانعزال عن باقي العالم الذي يتحمل، بحسب الشوفينيين الدينيين، مسؤولية ما يحصل لجموع المسلمين في هذا الشرق المنكوب، من دون أدنى محاولة للسؤال عن مسؤولية المؤسسة الدينية عن الحالة المزرية والتخلف، والتي يعيش في ظلها الملايين، المؤسسة التي تفتي بقتل الآخر، المختلف في الدين والمذهب بحجة الكفر، التي تحجب الحقوق عن النساء، بحجة التفوق الجنسي التي تمنع الحريات الفردية بحجة الأخلاق، التي تحجب دور العقل بحجة التسليم التي تفعل كل ما تريده منها أنظمة الاستبداد، وهي تقدم لشعوبها الفكر الشوفيني على أطباق الدم، وتحول أفرادها جميعا إلى "نيكولا شوفان" ما.
والغريب أن مستوى الشوفينية في مجتمع ما يتناسب طردا مع حالتين متناقضتين: الأولى، أزمنة الانتصارات العسكرية في الحروب الكبيرة التي تخلف ضحايا كثيرين، وتغير مصير البشرية، كالشوفينية الألمانية في زمن النازية، التي اعتبرت أن أصحاب الدم الأزرق يجب أن يتسيّدوا العالم بسبب تفوقهم عرقا بشريا على باقي الأعراق. وبالتالي، تصبح إبادة الخارجين عن هذا المنطق واجبا وطنيا وعرقيا وقوميا، وهو ما جعل المحارق تزدهر في زمن النازية. والثانية، في أزمنة الانحطاط التي تعيشها الدول والمجتمعات، بحيث تصبح الشوفينية الوطنية، أو الدينية، التعويض الجمعي عن حالة الفشل والهزيمة السائدة، والتي يحاول الجميع التنكّر لها، ووصم الآخرين بها، وتحويلها ذهنيا إلى حالة انتصار وطني، يشوهها الأعداء، المفترضون، وهو الحال الذي طالما ميز مجتمعاتنا العربية منذ أكثر من ستين عاما، وتجلى أكثر ما تجلى في السنوات التي سبقت الربيع العربي، حيث ظهرت الشوفينية الوطنية لكل دولةٍ على حدة، والاعتزاز بهذه الوطنية التي تم فصلها عن محيطها العربي أو القومي عموما، بحيث ظهرت النزعات الوطنية الممتدة في الماضي، كالفينيقية والفرعونية والسومرية، وإلى آخر ما هنالك من هذه الرؤية المتعامية عن سيرورة التاريخ، وكأن الحضارات البشرية القديمة وصلت إلينا كما هي، صافية وخالية من أي تلاقح أو تأثير وتأثر متبادل مع باقي الحضارات الأخرى. وكأن الزمن الطويل لم يخلط الأعراق بعضها ببعض، ولم ينتج من هذا الاختلاط سلالات بشرية عدة مختلفة، لكنها تحمل، في الوقت نفسه، صفات مشتركة، تلغي تماما حالة الاستعلاء الشوفيني التي يعيشها أصحاب هذه النظرية، متعامين عن حقائق التاريخ وسيروراته الطبيعية.
أما حالتنا، نحن العرب، بعد الربيع العربي، فهي المثال الناصع على الشوفينية التي يتسبّب بها الفشل والهزائم، إذ نتيجة ما حصل من تدمير لكل الأحلام التي لمعت مثل نور مفاجئ لدى الشباب العربي، ونتيجة فشل الثورات العربية وانقسام المجتمعات بين مؤيدين للأنظمة ومعارضين لها، وتدمير بنيتها بالكامل، وعودة الأنظمة إلى الإمعان في سياسات القمع والاستبداد والعنف، والذي وصل إلى حد الجريمة اليومية ضد الشعوب، مجموعات وأفرادا، تعزّزت الشوفينيات المتعدّدة من الوطنية إلى القومية إلى الدينية إلى المذهبية إلى القبلية. وظهرت شوفينيات جديدة، أكثر ضيقا وصغرا، كالعسكرية والأمنية، بحيث أصبحت هاتان المؤسستان اللتان تنتمي إليهما غالبية الأنظمة العربية هما بمثابة نقطة الأمان الوحيدة للخائفين من فكرة التغيير والتحول في المجتمعات. وبحيث، أيضا، يصبح تناول هاتين المؤسستين بالنقد بمثابة الخيانة، أو الاشتراك في المؤامرة الوطنية ضد الأوطان، من دون الاهتمام بمصير الملايين الذين تفتك بهم هاتان المؤسستان، ومن دون السؤال عن مستقبل المجتمعات التي تم الفتك بها نتيجة السياسات الجرمية والمتعالية للعسكرتارية الأمنية، والتي يراها عابدو هاتين المؤسستين انتصاراتٍ وطنيةٍ عظيمة، لا يجوز التشكيك فيها.
أما الشوفينية الدينية والمذهبية التي لاقت رواجا وانتشارا كبيرين بعد فشل الربيع العربي، فقد ساهمت في مزيد من حالة الانعزال عن باقي العالم الذي يتحمل، بحسب الشوفينيين الدينيين، مسؤولية ما يحصل لجموع المسلمين في هذا الشرق المنكوب، من دون أدنى محاولة للسؤال عن مسؤولية المؤسسة الدينية عن الحالة المزرية والتخلف، والتي يعيش في ظلها الملايين، المؤسسة التي تفتي بقتل الآخر، المختلف في الدين والمذهب بحجة الكفر، التي تحجب الحقوق عن النساء، بحجة التفوق الجنسي التي تمنع الحريات الفردية بحجة الأخلاق، التي تحجب دور العقل بحجة التسليم التي تفعل كل ما تريده منها أنظمة الاستبداد، وهي تقدم لشعوبها الفكر الشوفيني على أطباق الدم، وتحول أفرادها جميعا إلى "نيكولا شوفان" ما.