نيكولا ساركوزي والسياسة: هل يعود أم لا؟

07 اغسطس 2019
ساركوزي يحضر بقوة في عالم النشر (فرانس برس)
+ الخط -


ماذا لو عاد نيكولا ساركوزي من جديد للسياسة؟ وهل يفكر فيها، أم أنه لا يمكن تصديقه إلا حين يؤكد بنفسه على أنه غادر الحياة السياسية. لا شك أن الرجل لا ينسى أي شيء، الخيانات والهزائم والخيبات، وبالتأكيد فهو لن ينسى يوم أقصي في الدورة الأولى من انتخابات "الجمهوريون" الداخلية، سنة 2016، لتحديد من يكون مرشح اليمين لانتخابات 2017 الرئاسية، حين فاز فيها إيمانويل ماكرون.

ولكن رئيس الجمهورية الأسبق يمكن له أن يمارس السياسة بطرق أخرى، غير الترشح المباشر والاصطدام بصناديق الاقتراع. ومنها القيادة الروحية لحزبه أو لتيار فيه، على الأقل، وأيضا تقديم النصح لرئيس الجمهورية الحالي الذي يرى فيه مستقبَلَهُ، ولا يختلف معه في معظم القضايا، خاصة أن الرئيس إيمانويل ماكرون، مدعوما بوزراء مهمين قادمين من اليمين، كرئيس الحكومة ثم وزيري الاقتصاد والميزانية، يؤدي سياسة يمينية، ما كان بإمكان أي زعيم يميني أن ينجح فيها، باعتراف القيادي في "الجمهوريون"، فرانسوا كوبي.


وعلى الرغم من إلحاح كثير من أنصاره بالعودة لإدارة حزب "الجمهوريون"، بعد الهزيمة الكبرى التي مُنِيَ بها الحزب في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، إلا أنه يُشهر رفضَه العودة، ويكتفي بتوجيه بعض النصائح وكثير من اللوم لقيادات كثيرة في اليمين.

ولكن كثيرا من الذين أحسوا باليُتم السياسي ممزوجا بالحزن، بسبب رفض ساركوزي التقاط الأيدي الممدودة وبسبب وضعية الحزب- وهو أكبر حزب يميني فرنسي- المثيرة للرثاء، سرعان ما وجدوا بعضَ العزاء في حضور ساركوزي في وسائل الإعلام، وتحديدا في عالم النشر.

ويبدو أن ساركوزي سعيدٌ في قرارة نفسه، لأنه انتصر (أو انتقم من هزيمته)، على الرئيس السابق فرانسوا هولاند، في عالم المكتبات وفي المبيعات. فإذا كان الرئيس السابق فرانسوا هولاند قد حقق مبيعات كبيرة جدا، بعد نشر كتابه الأخير، "دروس السلطة"، إلا أن نيكولا ساركوزي حقق، فعلا، فتوحات كبرى في المبيعات، فقد تجاوزت مبيعات كتابه "أهواء"، الذي صدر نهاية شهر يونيو/حزيران، 220 ألف نسخة، فيما تجري طباعة 40 ألف نسخة إضافية.

وقد تجاوزت، فعلا، مبيعات بعض، وليس كل مؤلفات إيريك زمور، الذي يعتبر من أكثر كتاب اليمين شعبية، فكتابه "الانتحار الفرنسي"، بلغت مبيعاته 500 ألف نسخة، سنة 2014.

وهكذا يستطيع بعض أتباع نيكولا ساركوزي أن يستمتعوا معه بهذا النصر الكبير في عالم الكتاب، ولو أنهم لا يستطيعون إخفاء حنينهم لزمن استطاع فيه نيكولا ساركوزي توحيد كل مكونات اليمين المحافظ والليبرالي والوسط، للوصول إلى الإيليزيه، سنة 2007، وأيضا عدم فهمهم لرفض ساركوزي العودة إلى الحلبة السياسية، رغم امتلاكه لشعبية جارفة في أوساط اليمين، وخاصة في أوساط حزب "الجمهوريون"، قدّرها معهد إيلاب لاستطلاعات الرأي بـ 87 في المائة.

                

ومن جهته، لا يزال الرئيس الأسبق في ثمالة هذا الانتصار في عالم النشر، حيث يتيح له الالتقاء بأنصاره ومحبيه، في حفلات توقيع، كما يتيح له، أيضا، تلقي رسائل وخطابات محبة، ويريد لهذا الفرح أن يستمر ويمتد، ولهذا يتأهب لنشر الجزء الثاني، الذي انتهى من كتابته. وسيكون الجزء الثاني من هذه الاعترافات ومن تصفية الصراع مع فاعلين سياسيين كثر من كل الاتجاهات السياسية، بل وحتى من عائلته السياسية، فرصة لقراءة مواقف نيكولا ساركوزي من فترة الرئاسة 2007-2012، ثم الهزائم التي تلقاها بعد انتهاء ولايته الرئاسية اليتيمة.

ولا شك أن عوامل كثيرة أخرى، إلى جانب فشل ورثته في الحزب، وغياب شخصيات كاريزمية وحازمة، تلعب دورا في عودة هذه الشعبية، التي تؤدي دورا حاسما في تسويق كتابه الأخير، منها سأم المواطنين الفرنسيين من بطء القضاء الفرنسي في الحكم في العديد من القضايا التي يُتابَع فيها الرئيس الفرنسي الأسبق، والزمَن يلعب دورا في تشجيع المواطنين على الصفح والنسيان.

وعلاوة على ذلك، هناك حملة منسقة تقوم بها صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، المقرَّبة من الرئيس إيمانويل ماكرون، منذ عدة أسابيع في نشر بعض الاعترافات التي قد تلعب دورا في تبرئة ساحة المتهم نيكولا ساركوزي في قضايا التمويل الليبي لحملته الانتخابية لسنة 2007.

ويبقى الدور الأكبر في "الحاجة إلى ساركوزي" وفي "شعبيته"، هو لافتقار أكبر حزب يميني فرنسي، لشخصيات ذات شعبية ومفوَّهة وقادرة على تحريك الحشود. حزب "خطف" الرئيس إيمانويل ماكرون ولا يزال، بضربة معلم، معظم قادته وسياسييه الواعدين وتركه ينزف، فيما يستمر إغراءُ اليمين المتطرف لقاعدته الشعبية، التي لا تتوقف عن التآكل.