انتهى اليوم الاستعراضي الطويل في مصر، بتسلم عبد الفتاح السيسي الرئاسة المصرية من سَلَفه المؤقت، عدلي منصور، أمام حشد من الحكام العرب، في مقابل حضور دولي خجول. ولم تعكّر أي مفاجأة صفو مراسم تنصيب السيسي، في ظل إجراءات أمنية مشددة حوّلت القاهرة إلى شبه ثكنة عسكرية، خصوصاً في محيط المحكمة الدستورية العليا وقصر الاتحادية، وهو ما حال ربما، دون تمكّن التظاهرات المعارِضة للتنصيب، من الوصول إلى العاصمة، بينما خلت الساحة لأنصار السيسي للاحتفال في ميدان التحرير.
وفي كلمته التي ألقاها غداة قسمه اليمين الدستورية، كان لافتاً أن السيسي خصّ بالذكر العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز وحده، وذلك لشكره على مبادرة "مؤتمر أصدقاء مصر" المنوي تنظيمه لدعم مصر مالياً. وفي حين تعهد السيسي بأن تعود مصر في عهده "لتؤدي دوراً فاعلاً إقليمياً ودولياً"، فقد شدد على أنه ممكن أن "نختلف من اجل الوطن وليس على الوطن، ويجب أن يستمع كل طرف الى الآخر لتحقيق الصالح للوطن". كلام يشكّك كثيرون بصدقيته، نظراً للمواقف والقرارات الصادرة على لسان السيسي ووزرائه وقضاته، والتي تصنّف جزءاً كاملاً من الشعب المصري، من معارضي انقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013، في خانة "الإرهابيين" الذين يجدر التعامل معهم على هذا الأساس.
وبتوقيع السيسي ومنصور وثيقة تسليم السلطة، للمرة الأولى في تاريخ مصر الحديث، والتي جاءت مذيّلة "باسم ثورة 25 يناير و30 يونيو المكمِّلة لها"، تكون الخطوة الثانية من "خريطة الطريق" التي وُضعَت منذ عزل الرئيس محمد مرسي، قد أُنجزت.
وسبقت كلمة السيسي التي تلت خطاباً لعدلي منصور، شكر فيه الدول العربية الداعمة لسلطات بلاده منذ يوليو 2013، أداءه اليمين الدستورية أمام أعضاء الجمعية العامة للمحكمة الدستورية. وجاء في نَصّ القسم: أقسم بالله العظيم أنْ أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه.
وقبل أداء اليمين، قدّم نائب رئيس المحكمة والمتحدث باسمها، ماهر سامي، خطاباً جاء فيه أن "30 يونيو/ حزيران لم تكن انقلاباً عسكرياً كما روّج البعض، ولكنّها كانت ثورة شعب، ضاق بما حل به من ظلم جائر"، مشيراً إلى أنّ "الجيش احتضن الشعب وأنصت لما قاله المصريون وعمل على تنفيذه". وشنّ هجوماً على جماعة "الإخوان المسلمين"، قائلاً إنهم خرّبوا الثورة.
بدوره، لم يوفّر رئيس لجنة الانتخابات الرئاسية، النائب الأول لرئيس المحكمة الدستورية أنور العاصي، عبارات المديح بحق السيسي، قبل أن يعلن عودة عدلي منصور، الرئيس المؤقت المنتهية ولايته، إلى منصبه السابق رئيساً للمحكمة الدستورية العليا.
وتقدم الحضور كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الأقباط تواضروس الثاني، اللذين كانا حاضرين أيضاً إلى جانب السيسي، حين أعلن انقلابه في الثالث من يوليو من العام الماضي.
وكان اليوم الاستعراضي قد بدأ صباحاً، عندما هبط السيسي بمروحية عسكرية على بعد أمتار من مقر المحكمة، ثم استقل سيارة إليها حيث أدى اليمين الدستورية أمام المحكمة، بسبب عدم وجود مجلس منتخب للنواب (برلمان)، بحسب نص المادة 144 من الدستور. وكان لافتاً تلعثم السيسي "لغوياً" عند أدائه اليمين الدستورية المكوّنة من 4 جمل فقط. وبدلاً من قول "مخلصاً" قال "مخلساً"، وبدلاً من نصب لفظة التمييز في عبارة "أن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة"، قام برفعها وتنوينها.
ومثلما كان متوقعاً، شارك حوالي 42 حاكماً ومسؤولاً عربياً وغربياً في حفل التنصيب، غير أنّ غياب التمثيل رفيع المستوى غربياً، كان واضحاً، بينما كانت لافتة برقية التهنئة من أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، إلى السيسي.
على المقلب المعارِض، شهدت مدن مصرية تظاهرات منددة بالحدث، وهو ما حصل في مدينة بلطيم بمحافظة كفر الشيخ، شمالي مصر، وفي مركز إطسا بمحافظة الفيوم، جنوب غرب البلاد، وفي محافظة الجيزة. وفي السياق، شدد "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، خلال مؤتمر صحافي عقده في اسطنبول، على عدم الاعتراف بالسيسي رئيساً للبلاد، مجددين دعوة دول العالم كافة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، إلى "الرهان على الشعب المصري الذي قاطع الانتخابات الرئاسية".