نهاية آبو:عندما لم يتنبأ "ذا سيمبسونز" بالمستقبل

30 نوفمبر 2018
آبو هي أول شخصية هندية تظهر في مسلسل أميركي(IMDB)
+ الخط -
يتبادر للذهن كثيرٌ من الأمور البديهية عند ذكر كلمة "سبرينغفيلد"؛ فهي موطن أحداث مسلسل "ذا سيمبسونز" الشهير. المدينة ذات شعار "الفساد على أشدّه"؛ حيث تُلقى النفايات النووية في النهر، وتتسم برامج الأطفال بالدموية. هذه الصفات وغيرها، تجعل المدينة مكاناً لطروحات فلسفية وأخرى تعقيبيّة على كثيرٍ من مناحي الثقافة الشعبية الأميركية والأحداث العالمية عموماً. 
رحلة "ذا سيبمسونز" المستمرة منذ 30 عاماً والتي وضعته على رأس القائمة لأطول مسلسل مكتوبٍ في التاريخ، لم تكن يوماً خاليةً من الجدلية، أو في مأمنٍ من التعرض للنقد والهجوم الشديد بعض الأحيان.
اختتمت الحلقة الثالثة هذا الموسم من مسلسل "ساوث بارك" بطرد شخصية هانكي خارج المدينة، وحسب الحوار الذي رافق المشهد، "فإن عليه أن يجد مكاناً يتقبّل العنصرية والكائنات المريعة مثله، حيث لا يهتمون بالتعصّب الأعمى والكراهية". ينتقل المشهد لوصول هانكي إلى "سبرينغفيلد"؛ حيث تستقبله الشخصيات الصفراء ويرحب به آبو على وجه الخصوص، وتختتم الحلقة بوسم يطالب بإلغاء مسلسل "ذا سيمبسونز".
لا مجال للظنّ أن مسلسل "ساوث بارك" قد يحمل راية التسامح؛ أو أن المشهد المذكور ليس سوى سخريةٍ ذات وجهين من "ذا سيمبسونز"، ومن المنادين بالتصحيح السياسي، حتى أن الوسم سبق واستعمله ساوث بارك في حملته الإعلانية لهذا الموسم حين طالب بإلغاء نفسه. بالتالي، فإن المباشرة التي يحملها الطرح السابق ليست سوى سلسلة من التوريات وطبقاتٍ من السخرية تشمل عدّة مواضيع يجمع بينها عامل التصحيح السياسي. الموضوع الذي يهمّنا في حلقة "ساوث بارك" التي تناولت أيضاً الكوميديان لوي سي كي، والممثلة روزيان بار، هو قضيّة آبو و"ذا سيمبسونز".


مشكلة هاري مع آبو
أصدر الكوميديان هاري كوندابلو العام الفائت فيلمه الوثائقي "ذا بروبليم وذ آبو"؛ ويستعرض الكوميديان، ذو الأصول الهندية، أثر الشخصية الكرتونية آبو على المجتمع ذي التراث الجنوب آسيوي؛ فـ آبو هو الشخصية المسؤولة عن المتجر العام في "سبرينغفيلد"، ويتحدر من أصول هندية كما يتضح من لون بشرته ولهجته ومعتقده.
يوضح الفيلم مآخذه على الشخصية وتعامل صنّاع المسلسل مع الثقافة الهندية عموماً؛ فالشخصية التي ظهرت منذ الموسم الأول لا تزال من دون تطوّر أو تمايز، وتقترب لتكون ظلّ شخصيّة لا تظهر سوى لكيل الإهانات وترسيخ الصورة النمطية على المجتمع الجنوب آسيوي.
ما يزيد الطين بلّة، أنّ المؤدي لصوت الشخصية هو الممثل الأميركي هانك أزاريا؛ أي أن شخصاً أبيض يمارس تقمّصاً للهجة هندية مصطنعة بهدف السخرية، والسخرية فقط، من مجتمع كاملٍ ذي أبعادٍ وحضارةٍ، بحسب هاري وضيوفه الذين يتنوعون بين مشاهير وروّاد مجتمعٍ جنوب آسيويين؛ فإنهم كانوا عرضةً للتنمر، بينما يوفّر "ذا سيمبسونز" ذخيرة أسبوعية ساخرةً على أسمائهم ومهنهم وآبائهم.
إنّ شخصية آبو هي أول شخصية هندية ثابتة تظهر في مسلسل أميركي، وقد هيأت المناخ لتكون اللهجة الهندية مطلباً شبه أساسي في جميع الأعمال المستقبلية، ما أدّى إلى صعود تيّارٍ مضادٍّ يرفض أداء هذه اللهجة، بالتالي قلّص من فرص العمل لهؤلاء الممثلين، وحصر الشخصيات التلفزيونية في قالب الهندي ذي اللهجة المضحكة، مثل مسلسلي "ذا بيغ بانغ ثيوري" و"ذات سيفنتيز شو".

ردّ آل سيمبسون
بدايةً، رفض الممثل هانك أزاريا الظهور في الوثائقي واعتذر بقوله إنه لن يكون مرتاحاً ليتحدث نيابةً عن المسلسل ككل. وفي الموسم الفائت، تناولت إحدى الحلقات قصّة مارج، وهي تبحث عن كتابٍ كانت تفضّله في سنّها المبكّر كي تقرأه ابنتها ليزا، ولكنهما فوجئتا بمقدار الإساءة التي يحملها. تنتهي الحلقة بقول ليزا إن شيئاً قد حظي بالإشادة عند ظهوره وأصبح اليوم غير مقبولٍ سياسياً، فما العمل؟ وتنتقل الكاميرا لصورة لـ آبو.
لم تنل الحلقة أصداءً إيجابيةً، واعتبرت تجاهلاً للقضية أكثر من كونها معالجةً لواقعٍ يعيشه المسلسل والعالم في آنٍ معاً. فكيف للمسلسل المعروف بتناوله كلّ ما يطرأ على الثقافة الشعبية ومعالجته العميقة لكثير من القضايا الاجتماعية أن يجبن عن نقاش قضيةٍ سببّها وتمسّه بشكلٍ مباشر؟
خلف الكواليس، تحدّث أزاريا أنه سيكون سعيداً للتوقف عن أداء الشخصية، ويطمح لرؤية كتّابٍ من ثقافات متعددة، بينها الهندية، لوضع طروحاتٍ كي تتجدد دماء الشخصية، أو تتحوّل لممثل آخر. بينما صرّح مبتكر المسلسل، مات جروينج: "نشهد أياماً حيث يحبّ الأشخاص أن يدّعوا شعورهم بالإهانة".
بين هذا وذاك، لا بدّ من توضيح بعض الحقائق؛ شخصية آبو لم تجدد ظهورها منذ ثلاثة أعوام، وهي ككل لا تظهر سوى في ثلث حلقات العمل. وبحسب أحد كتّاب العمل، فإن ظهورها الأخير كان يُلمح لنهاية حضورها، فالحلقة حينها شهدت زيارة قريب آبو للمدينة، وسعت لتحويل آبو إلى شخصية أميركية أكثر ما أمكن. حتى أن القريب استنكر لهجة آبو وقال له تبدو كأميركي يقلّد اللهجة الهندية، إذن كان يجري التعامل مع المشكلة قبل أن تثور الجلبة، ويتخذ فريق العمل موقف اللاتنازل.

هل شُطب آبو؟
الجواب البسيط والمباشر: لا! على مرّ الأسابيع الماضية تم تداول عدّة أخبارٍ مفادها أن المسلسل قرر إنهاء الشخصية من دون صناعة حلقة خاصّة أو وضع تبرير. الخبر جاء عبر المنتج إيدي شانكار - أحد منتجي المسلسل الكرتوني "كاستلفينيا" - وردّ المنتج التنفيذي للسيمبسونز آي جين، أن شانكار ليس من فريق العمل، وليس له أن يتكلم نيابةً عن المسلسل.
في إبريل/ نيسان بدأ "شانكار" مسابقةً لوضع أفضل سيناريو يُنهي جدلية آبو ضمن المسلسل الشهير، واقترح حينها أن يُرسل الجميع أفكارهم وهو بدوره سيختار الأفضل ويقدّمه إلى شبكة فوكس، وإن لم يقابل بالإيجاب سيقوم بإنتاجه بمفرده! كي يضع خاتمة للشخصية والجمهور الذي يُساء له. وقد أقرّ في المقابلة التي ادّعى ضمنها أن صنّاع المسلسل قرروا شطب الشخصية بوجود نص لحلقة تحمل النهاية المنشودة.
بالنسبة لكادر "ذا سيمبسونز" فالتصريح الرسمي أن الموضوع سيتم التعامل معه لاحقاً، هذا التسويف مضى عليه أكثر من عام، دون أي فكرة جدّية أو محاولة لرأب الصدع الحاصل، ومما يتضح من تصريح "أزاريا" أن هناك شكاوى من ندرة التعددية في طاقم الكتابة، لكن حتى الآن ليست هناك نيّةٌ للتراجع، فقد ظهر "آبو" خلال الحلقة الثالثة هذا الموسم وإن كان بمشهدٍ صامت.

جاءت معالجة "ساوث بارك" أكثر عمقاً وجرأةً مقابل هشاشةٍ في محاولة "ذا سيمبسونز"، بينما يبدو أن الوقت قد فات حقاً لتغيير أي شيء؛ إذ إن أي معالجة جديدة ستبدو دخيلةً على روح المسلسل وسلباً لإرادته الحرّة، بالإضافة لتقصّي التصحيح السياسي ضمن أي محاولة قادمة، هكذا لا تُرى معضلة "هاري" بكونه شخصاً هنديّاً يحب "ذا سيمبسونز" ويُسيئه أن يرى شخصيةً تمثّل تراثه مجسّدةً بصوتٍ أميركيّ تسخر من أسلافه إلّا من نظرة ضيّقة تراعي جانب التصحيح السياسي ومدلولاته اليوم، وأن أي تنازلٍ قد يشيّع الكوميديا التي تعتاش على الامتهان والصور النمطية السلبيّة، أمرٌ تجاوزه "ساوث بارك" منذ زمنٍ بابتكار شخصية "مدير التصحيح السياسي" الذي يراجع جميع الدعابات، وأنجب من زوجته "امرأة قوية" كثيراً من "الرضّع المصحّحين سياسيّاً" الذين يحاربون الإساءات عبر الإنترنت والوسوم.
دلالات
المساهمون