نموذج بريطاني لمتورّطي "ختان الإناث"

15 فبراير 2020

مانيش شاه .. طبيب بريطاني استغل مريضاته

+ الخط -
أحد مكونات الجدل العبثي الدائر في مصر وبضع دول عربية حول ما يسمّى "ختان الإناث" هو الاحتجاج بفعل بعض الأطباء. والإشكال هنا يتجاوز الطب المؤدلج، إلى تهاون واضح من مؤسسات العدالة. قبل أيام، حصل طبيب تسبب بمقتل طفلة مصرية عمرها 12 عاماً في أثناء إجراء العملية المشؤومة على أمر بإخلاء سبيله، بكفالة زهيدة قيمتها 50 ألف جنيه مصري. (3000 دولار). 
يصادف ذلك صدور حكم بريطاني يعد من الأقسى من نوعه، ضد طبيب مرموق، بالسجن المؤبد ثلاث مرات، ما يعني أنه لن تتاح له أي فرصة لمغادرة السجن بإفراج مشروط أو غيره قبل 15 عاماً كاملة. بعض المدانين بقضايا إرهاب لم يحصلوا على حكم مشابه. السبب هو إدانة الطبيب بارتكاب 90 اعتداء جنسيأً على 24 مريضة، وذلك بسبب إجرائه "فحوصاً بدون داعٍ طبي".
مجرّد فحوص وليس عملية جراحية خطيرة تحذر منها كل مراجع الطب، وتسميها باسمها الواقعي "تشويه الأعضاء التناسلية للإناث"! .. ولكن كيف يمكن التمييز بين المخالفة والسلوك الطبيعي؟ ماذا لو كان حقا انتوى إجراء فحوص لا أكثر؟ الإجابة هي لب الاختلاف بين النموذجين، لا مجال للاجتهاد ولو قيد أنملة خارج المراجع العلمية، وأدلة السلوك الطبي المعتمدة. ارتكب الطبيب مانيش شاه عدة مخالفات، تشمل أنه خالف قاعدة ألا يجري الطبيب فحص مسحة عنق الرحم لمريضة صحيحة أصغر من 25 عاما، أو فحوص سرطان الثدي لمريضة صحيحة تحت 50 عاماً، بل إن أصغر ضحاياه كانت تبلغ 15 عاما وقت الواقعة. وخالف شاه أيضا قاعدة ارتداء القفازات الطبية وعدم اللمس بيده مطلقا، وكذلك خالف قاعدة وجود شخص ثالث في أثناء "الفحوص الحميمة". وفي إحدى الحالات، ترك ضحيته عارية على سرير الفحص.
وبالضبط، كما يتلاعب أطباء الختان بعواطف الأهالي، مدّعين أن هذه الجريمة تهدف علميا إلى ضبط شهوة المرأة. كان شاه يتلاعب بضحاياه، حيث أكّدن وجود نمط ثابت من مبالغة الطبيب في تخويفهن من مصير الفنانة جيد جودي التي توفيت مبكرا، أو مصير أنجلينا جولي التي استأصلت ثدييها لمخاوف من سرطان الثدي، وبالتالي يستسلمن لفحوصه.
حضرت جلسة الحكم 15 فتاة من المجني عليهن، وأسهبت بعضُهن في وصف الأضرار النفسية الجسيمة التي تعرّضت لها بسبب أفعال الطبيب المجرم. قالت أصغرهن إنها أصبحت تصاب بالقلق والارتجاف، إذا فكرت بزيارة أي طبيب، كما أضافت أن مشاعرها تغيرت نحو الرجال، وأصبحت تتخوف من أن تكون بالنسبة لهم "أداة جنسية". قال الادّعاء إن ضحايا عديدين فقدن الثقة بزيارة أي طبيب، وبعضهن تعرّضن لأضرار في حياتهن الشخصية مع شركائهن.
بينما أقرأ ذلك الجزء بالصحف البريطانية تذكّرت منشوراً بالغ الانتشار، يؤكّد صاحبه بحيادية أن ختان الإناث لا علاقة له بمعدّل الشهوة، كما أنه لا علاقة به بمسألة النظافة، لكنه مع ذلك يتمسّك به بشدة، لأنه من "شعائر الإسلام"، وينصح الأهلي بتحبيبه لطفلاتهم منذ سن مبكرة.
إحدى الوسائل المحببة لذوي المواقف المتمسّكة بالعادة الجاهلية هي طعن شخص المتحدّث في أنه لا يهتم بـ "قضايا الأمة"، وبينما أرى أن بعض أفضل الناشطين بـ "قضايا الأمة" هم أيضا من الناشطين بقضايا النسوية، لكن الحقيقة أن هذه ليست من "قضايا الأمة"، بينما هي تؤثر على غالبية المصريين، حيث تدخل كل بيت، كما أن حياة البشر، كما ونوعا، بالتأكيد مسألة لا تقل أهميةً له عن "الأمة" شخصيا.
قالت القاضية للمُدان: "تصرّفك لم يكن بدافع جنسي فقط، بل كان كان مدفوعاً أيضاً برغبتك للسيطرة وإذلال المرأة". كم شاه في بلادنا في الطب وخارجه!