نمرُ كردستان.. ونُكتةُ ديك بغداد

02 مايو 2014

شارع في أربيل (أكتوبر 2013 أ.ف.ب)

+ الخط -
ابتداءً من لحظة الدخول إلى مطار أربيل، تتراجع الصورة النمطية الشائعة للأكراد، باعتبارهم أبناء مجتمع جبلي، قبلي، يتسم بالشدة، والعنف، والفقر، لتحل محلها، شيئاً فشيئاً، الشواهد العنيدة القائلة إن أبناء هذي الجبال، الذين ظلت المعادلات الدولية تحول، على مدى التاريخ المعاصر، دون طموحهم إلى حكم أنفسهم، وتقرير مصير بلادهم، الموزعة بين دول المنطقة، قد استطاعوا، أخيراً، التأسيس في كردستان العراق، لبناء دولةٍ حديثة، ولم يعد ينقصهم، ليعلنوا الاستقلال، سوى ضوء أخضر إقليمي وعالمي، مازال، غير ممكن، وربما شبه مستحيل.
أنت، قبل القدوم، إلى أربيل، تحتاج إلى تأشيرة دخول، تصدر عن السلطات المحلية في إقليم كردستان العراق، لا عن السلطات المركزية في بغداد. وما أن تصل، وتغادر الطائرة، حتى تجد نفسك داخل ميناء جوي حديث، ليُدقق في جواز سفرك ويختمه، موظفون وموظفات، مُنعَمون، وأنيقون، لا مقاتلو بشمركة، أو رجال درك، كما قد تتوقع. ثم سرعان ما يتعزز انطباعك الإيجابي، مع إحساسك بأجواء الاستقرار، والأمن، والتعددية السياسية، والحريات الصحافية التي تثمر كلها، الآن، نهضة عمرانية ملموسة، وهي نهضة تعيد تذكير اقتصاديين كثر ببدايات ما يُسمى معجزة نمور شرق آسيا، في إشارةٍ إلى الطفرة الكبرى التي أحرزتها سنغافورة وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية.
يقال هنا إن الجار التركي الذي طالما كانت قواته تتوغل في أراضي كردستان العراق، بحجة ضرب قواعد حزب العمال الكردستاني، صار على وئام معلن، مع حكومة الإقليم ذات النزعة البراغماتية، وصارت شركاته، هي التي تتوغل، في قلب أربيل والسليمانية ودهوك، لتبني وتستثمر.
وقد علمتُ من الزميل محمد كريشان، مذيع قناة الجزيرة، الذي يشاركني رحلة عمل إلى أربيل، ولا أشاركه جولات البحث عن "الأنتيكة" في أسواق العاصمة الكردية، أنه شاهدَ متاجرَ، تعرض تحفاً، وسجاداً، ولوحات، عليها صور الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، في قرينة أخرى قد تشير إلى أن الأكراد يطوون صفحة الماضي، ويتجهون، فعلا، نحو صنع مستقبل مختلف.
لذلك، لم يعد مستغرباً أن يتدفق العراقيون، من كل أنحاء البلاد، إلى أربيل، بهدف السياحة، أو حتى بغية الإقامة الدائمة، إن استطاعوا إليها سبيلا. وأقول؛ إن استطاعوا إليها سبيلا، لأن العراقي يحتاج إلى كفيل كردي، لكي يستطيع زيارة كردستان العراق، بموجب قوانين حكومة الإقليم، كما يحتاج إلى وفرة مالية، تسمح له بتدبير أمور معيشته، وسط غلاء الأسعار الباهظ.
اللافت أيضاً، في المدن الكردية المزدهرة، وجود ألوف اللاجئين الأكراد الفارين من بلداتهم في شمالي شرق سورية، ومثلهم ألوف النازحين العراقيين الذين يواصلون الهرب من مدن محافظة الأنبار وقراها، نتيجة الصراع المحتدم على أرضها، لا بل المتصاعد في معظم أنحاء العراق، والذي تتعدد أطرافه، وتتنوع، من حكومة نوري المالكي، المتهم بالطائفية والفساد، مروراً بتنظيمات مذهبية، يصعب حصرها، وصولاً إلى قوى إقليمية ودولية، لا تخفى على أحد.
وفي تفسير كوميدي موجع، لهذه المأساة التي تعصف بمعظم أنحاء العراق، حكى لي عجوز كردي، نكتة، تقول إن رجلاً اشتكى إلى جاره من إزعاج يتسبب به ديك، كان يقتنيه الأخير، ولا يكف عن الصياح، طوال ساعات الصباح الباكر. قال له: ديكك أقلق راحتي، وحرمني النوم، يا جاري العزيز، وأظن أن كل جيراننا القريبين، والبعيدين، مستاؤون منه. فما كان من صاحب الديك سوى أن ردَ بالقول؛ بسيطة.. غداً، سأذبحه، وأصنع منه وليمة، لنا معاً، ولمن يشاء من الجيران. في اليوم التالي، برَ صاحب الديك بوعده، فتوهم الجميع أن الأمر انتهى، وراحوا ليناموا الليل الطويل، غير أنهم فوجئوا، مع طلوع الفجر، بصياح عشرات الديكة. وحين جاء الأول مستوضحاً، عم يحدث، رد عليه جاره، بالقول: نسيت أمس أن أقول لك، إن الديك الذي ذبحناه، وأكلناه، هو الذي كان يفرض الصمت، على كل هذي الديكة.
 
 
EA99C928-BF02-4C77-80D6-9BE56F332FDE
ماجد عبد الهادي

صحفي وكاتب فلسطيني