نكفوري وكمال: حكايتان من القدس العتيقة في رحلة البحث عن الرزق

27 يونيو 2017
كفاح من أجل لقمة العيش (العربي الجديد)
+ الخط -
ليس بعيداً عن المسجد الأقصى المبارك وبمحاذاة جدار ما بين حي الجالية الأفريقية وطريق الآلام الذي سار به السيد المسيح ذات يوم، اتخذ ماجد نكفوري المقدسي المسيحي زاوية له هناك أقام فيها بسطته النادرة.

لم تحو بسطة نكفوري طعاماً ولا شراباً، ولم يبع لرواد بلدته القديمة والمسجد الأقصى عصائر أو كعكاً مقدسياً أو برازق سمسم. ولأنه خطاط وفنان موهوب، فقد اختار طيلة شهر رمضان وحتى عشية ليلة عيد الفطر المبارك، أن يقدم لزوار القدس ما يلفت انتباههم ويستهوي كثيراً منهم من فنون الخط، وإبداعات الرسم على الخشب والقماش ونقش آيات من القرآن الكريم، وعبارات الحب باللغتين العربية والإنكليزية.

بالنسبة لنكفوري، وهو معيل ستة أبناء، فالبسطة مصدر رزق يعيش منها، وبات معروفاً ومشهوراً لدى المقدسيين ولدى رواد مدينته من الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، وحتى من السياح الأجانب الذين يختارون ما يناسبهم من نقوش ورسومات وعبارات ينقشها بخطه الجميل.

مع ذلك لا يخفي نكفوري شعور الخيبة إزاء تراجع إقبال المواطنين الفلسطينيين على بسطته، ليس عزوفاً عنها بل بسبب الأحداث الأخيرة التي شهدتها المدينة المقدسة بعد العملية الفدائية التي وقعت في باب العامود بمدينة القدس في 16 من الشهر الجاري، وفرض حصار مشدد على أسواق البلدة القديمة من القدس، حيث تأثرت مبيعات جميع المحالات ومنها بسطته أيضاً.

يقول نكفوري لـ"العربي الجديد"، "كان معدل مبيعاتي اليومية يتجاوز المائتي شيقل بالعملة الإسرائيلية (أكثر من 55 دولاراً)، دخل جيد يوفر احتياجات عائلتي اليومية. لكن بعد إجراءات الاحتلال تراجع المدخول إلى ما بين 35 – 70 شيقلاً فقط، وهو بالكاد يفي بأقل الاحتياجات".




يأمل نكفوري مع ذلك، أن تكون الأيام القادمة أفضل بكثير، ويعوّل كثيراً على إقبال الشبان والفتيات على بسطته، خلال أيام عيد الفطر، حيث تستهوي أعماله الفتيات والفتية، ويقبلون في العادة عليها. بينما سيبقى في ركنه الصغير بين حي الجالية الأفريقية وطريق الآلام يبحث عن لقمة عيشه وعن رزقه الحلال، كما يقول.

في الطريق إلى حي السلسلة وتحديداً إلى ملتقى هذا الحي مع تفرع الطريق المؤدي إلى عقبة الخالدية وطريق الهكاري إلى الغرب من المسجد الأقصى، كان هناك المواطن المقدسي وهو في أواسط الخمسينيات من عمره يدعى زكي كمال.

يبيع الأنتيكا القديمة لطالبيها (العربي الجديد)


كان في جدال مع زبائن من بلدة عتيل بمحافظة طولكرم شمال الضفة الغربية، أزواج أربعة توقفوا أمام محله البسيط جداً يفاوضون على شراء أنتيكة قديمة تعود لعقود خلت كان استخدامها رائجاً في القدس القديمة، فاستهوت الزبائن الذين استمعوا منه إلى شرح عن كثير من محتويات المحل.

البائع والمتسوقون، ما لبثوا أن اشتروا بعض أنتيكة قديمة، ومنها قلائد زرقاء وأيقونات ومفاتيح. وكان الرجل سعيداً بيومه، حيث أمكنه أن يرتزق من مبيعاته ما يعينه على سداد كفاف يومه.

روى كمال لـ"العربي الجديد"، كيف تراجعت مهنته في السنوات الأخيرة إلى أبعد مدى. وكيف تقلص عدد زبائنه إلا من السياح الأجانب الذين يجتازون سوق السلسلة وصولاً منه إلى ساحة حائط البراق، بينما لا يعبر السوق مرتادون وزار محليون من الداخل الفلسطيني المحتل ومن بعض الأقطار العربية والإسلامية تستوقفهم محتويات المحل ويكتفون فقط بتوجيه الأسئلة عن الأسعار وعن طبيعة ما يعرض في المحل من صوان نحاسية قديمة ومن أقفال أبواب خشبية ومفاتيحها، وقليل من هؤلاء تستهويه بعض القطع النادرة فيشتريها ويقتنيها كزينة.

البسطة مصدر رزق له (العربي الجديد)


المحل كما يقول كمال، "هو واحد من معالم السوق في حي السلسلة، وهو قائم منذ عقود، بدأ العمل فيه والده ومن قبله جده. وهو يجاور محلات أخرى يعدها المقدسيون من أبرز معالم السوق، مثل معصرة السمسم وزيت السيرج المستخرج منه، إضافة إلى عشرات محلات التوابل والأقمشة المطرزة ومحلات المنتجات السياحية (السوفنير) من الخشب المنقوش وزخارف الخزف".

حال محله، كما يقول كمال، "من حال السوق عموماً، حيث الركود التجاري هو الغالب على مدار السنة، ومع هذا الركود لا تتوقف سلطات الاحتلال عن حملات الدهم الضريبي، علماً أن مدخولات التجار هناك لا تتجاوز في معدلاتها الـ 100 شيقل يومياً لكل تاجر، وأحياناً أقل من هذا المبلغ".

بالنسبة لكمال، لا مصدر رزق له، غير محله. منه يرتزق أيضاً ويدبر احتياجات أسرته، فيما عائلات مقدسية كثيرة داخل البلدة القديمة من القدس تئن تحت الفقر والبطالة، وتعيش في أوضاعٍ صعبة تتغلب عليها بما تحصل عليه من مساعدات من أهل الخير.