بتسميتها عدّة جوائز لفيلم "صِبا"، لا تكرم "جمعية نقّاد نيويورك السينمائية" شريط المخرج الأميركي ريتشارد لينكلاتر فحسب، بل تؤكد أيضاً حظوظه الكبيرة في سباق "الأوسكار" المقبل (شباط/ فبراير 2015).
ومع أن خيارات الجمعية لم تتقاطع كثيراً، في السنوات القليلة الماضية على الأقل، مع خيارات لجنة الأكاديمية الأميركية، إلا أن هذا الاستنتاج التاريخي لن يبدو منطقياً بالنسبة إلى "صِبا". ذلك أن الشريط، منذ بدء عرضه بداية هذا العام، يحتل، مع عدة أشرطة أخرى، مقدمة الإنتاجات الأميركية في 2014، ويفوق غالبيتها لناحية "أصالته"، أو، بكلمة أخرى، فرادته، في حين قد يفوقه بعضها تقنياً وإنتاجياً.
"صِبا"، الذي استمر تصويره نحو 12 عاماً، دارت كاميرا لينكلاتر ساعتين في كل سنة منها، يروي حياة بطله، مايسون، منذ عمر السادسة وحتى الثامنة عشر، وما يعتري هذه الفترة من تغيرات فيسيولوجية ونفسية ومعرفية، وحتى على مستوى العلاقة مع العائلة والعالم. صحيح أن الشريط يضاف إلى سلسلة اشتغالات المخرج الأميركي على علاقة السرد السينمائي بالزمن، إلا أن لينكلاتر يضع نفسه في الموقع المقابل لاشتغالاته السابقة، خصوصاً مقابل ثلاثيته الشهيرة التي يدور كل فيلم منها في حيز زمنيّ مدته يوم واحد.
بهذا المعنى، ينتقل صاحب "قبل منتصف الليل" إلى الموقع الآخر من علاقته بالزمن، ليقدم حكاية، بعكس حكاياته السابقة، تطول، على الشاشة الكبيرة كما في الواقع، 12 عاماً. وكما رأى قوس واسع من النقاد وأعضاء لجان تحكيم في جوائز عالمية إضافة إلى كثير المواقع المختصة، فإن لينكلاتر قد نجح في هذه المواجهة الجديدة التي وضع نفسه فيها، عبر تقديمه شريطاً ناجحاً إلى حد بعيد لا تبدو مدادته الزمنية عائقاً ونقطةَ ضعفٍ فيه بقدر ما تبدو نجاحاً.
هذا النجاح في اللغة السينمائية، الذي يكمله أداء الممثلين اللافت، رغم طول فترة التصوير، هو ما كرمته "جمعية نقّاد نيويورك السينمائية"، قبل أيام، حين أعلنت جوائزها لهذا العام. منحت الجمعية "صبا" جائزة أفضل فيلم، وإلى مخرجه ريتشارد لينكلاتر جائزة أفضل مخرج، بينما ذهبت جائزة أفضل ممثلة مساعدة إلى باتريشيا أركيت (تلعب دور والدة مايسون، في الشريط) التي قدمت أداء قوياً. تضاف هذه الجوائز إلى سجل "صبا" الذي انتزع لينكلاتر عنه، أيضاً، جائزة أفضل مخرج في "مهرجان برلين السينمائي الدولي" مطلع العام الحالي.
إلى جانب "صِبا"، حاز شريط الأميركي الآخر وس أندرسون، "فندق بودابست الكبير"، أحد أبرز أشرطة هذا العام أيضاً، جائزة أفضل سيناريو، بحسب "جمعية نقاد نيويورك". وينافس شريط أندرسون، بقوة أيضاً، في النسخة المقبلة من "الأوسكار"، بعد أن انتزع، هو الآخر، جائزة أفضل فيلم في النسخة الأخيرة من "برلين"، وحقق نجاحاً واسعاً أيضاً. أما جائزة أفضل شريط أجنبي فقد ذهبت إلى فيلم البولندي بافل بافليكوفسكي، "إيدا".
وانتزع مدير التصوير الإيراني داريوس خوندجي جائزة أفضل صورة عن إدارته لسينماتوغرافيا "المهاجر" (إخراج جميس غراي). ويعد خوندجي من أبرز المرشحين لجائزة أفضل مدير تصوير في منافسات "الأوسكار" المقبلة، ليس عن إدارته صورة "المهاجر"، بل عن شراكته في فيلم وودي آلن الأخير، "سحر في ضوء القمر". وقد ذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى الفرنسية ماريون كوتيار عن دوريها في "المهاجر" و"يومين وليلة" للأخوين البلجيكيين داردن.
بينما نال البريطاني تيموثي سبول جائزة أفضل ممثل عن تأديته دور الرسام الإنكليزي جوزف تورنر في شريط "السيد تورنر" (إخراج الإنكليزي مايك لي). ويشهد هذا العام تحولاً ذهبياً في مسيرة سبول الذي قضى وقتاً طويلاً في لعب أدوار ثانوية، ككمثل مساعد، قبل أن يعرف نجاحاً كبيراً هذه السنة مع "السيد تورنر"، الذي سبق أن نال عن دوره فيه جائزة أفضل ممثل في الدورة الأخيرة من "مهرجان كان".