تواصل الحكومة الصينية تعزيز استراتيجية نفوذها في منطقة الخليج الغنية بالطاقة في خضم الصراع الجاري بينها وبين واشطن على صياغة النظام العالمي الجديد. وبعد قصة ترتيبها لإعادة العلاقات بين الإمارات وإيران وفقاً لطلب من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد في شهر يوليو/ تموز الماضي، تتجه بكين لتوقيع اتفاق استراتيجي في مجال الطاقة مع طهران.
في هذا الشأن، قالت تقارير غربية إن الصين عرضت على إيران اتفاقية شراكة استراتيجية طويلة المدى في مشروعات الطاقة لمدة 25 عاماً أثناء زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لبكين في نهاية الشهر الماضي.
وتتعهد الصين وفقاً للعرض باستثمار 400 مليار دولار في تطوير مشروعات النفط والغاز، مقابل أن تمنح الحكومة الإيرانية بكين الحق في كيفية إدارة الاستثمارات وتسويق النفط والغاز ومنتجات البتروكيميائيات التي ستنفق فيها الاستثمارات.
وحسب تقرير نشرته مجلة "بتروليوم إيكونومست" الشهرية المتخصصة في الطاقة في عددها الحالي، يتناول اتفاق الشراكة السماح للصين بوضع 5 آلاف جندي في إيران لحماية هذه الاستثمارات الضخمة.
ويلاحظ أن التحرك الصيني العسكري تجاه الخليج يتم عادة بالتنسيق مع موسكو التي تخطط لإقامة قواعد عسكرية في إيران. ولا يستبعد محللون أن تكون خطة الصين للاستثمار الاستراتيجي تتم بتنسيق تام مع موسكو التي تملك استراتيجية طاقة متكاملة في المنطقة ويتزايد نفوذها في العراق وتتعاون مع الرياض في رسم مستقبل أسعار النفط.
وتعد الخطة الصينية الإيرانية المطروحة إحياء لمشروع شراكة قديم تم الاتفاق عليه بين الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظيره الصيني شي بينغ جين، ولكنه لم ينفذ بسبب الحظر الأميركي على طهران.
وتستهدف إيران عبر هذه الخطة إعادة تشغيل وتطوير صناعة الطاقة، حيث توقفت معظم المشاريع التي تم الاتفاق عليها بعد عودة الحظر الأميركي وتهديد واشنطن للشركات الغربية بأنها ستواجه الحرمان من السوق الأميركي واستخدام الدولار والمتاجرة في أدوات المال الأميركية حال كسرها العقوبات المفروضة على طهران.
وتنص اتفاقية الاستراتيجية، على إعطاء الصين الأولوية في شراء النفط والغاز ومنتجات البتروكيميائيات الإيرانية وبحسم كبير يبلغ 12% من أسعار السوق، كما ينص كذلك على منح الشركات الصينية تعويضات مخاطر استثمارية تتراوح بين 6 و8% .
وحسب الاتفاقية "ستدفع الصين جزءاً من المبلغ بعملات الدول الناشئة التي تراكمت لديها من الفوائض التجارية مع الدول الآسيوية والأفريقية". وهذا يعني أن الصين ستتمكن عبر الدفع بهذه العمولات من الحصول على حسومات أخرى.
من جانبها، ترى مجلة "فورن بوليسي" الأميركية في تقرير الأسبوع الماضي، أن وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف يعتقد أن على الصين مواجهة التحدي المتمثل في إنهاء "التعصب الأميركي" في جميع أنحاء العالم، مؤكداً أن بلاده ستقدم بكل سعادة دعمها لهذا الجهد.
وترى " فورن بوليسي"، أن دعوة ظريف لإقامة أساس قوي للعلاقات الاقتصادية والتجارية مع الصين ستعود بالنفع على بلاده، ولكن يتم استقبال الاستثمارات الصينية بمخاوف واسعة النطاق في إيران، إذ يعتقد كثيرون أن العلاقات الاقتصادية الحالية تميل لصالح الصين، كما أن المسؤولين الإيرانيين يرون أن الضغوط الأميركية ستجعل بلادهم رهينة لبكين في حال اعتماد مثل هذه الاتفاقات طويلة الأجل التي ترهن قطاع الطاقة وصناعة البتروكيميائيات للصين.
وتعتمد الصين بدرجة رئيسية على استيراد الطاقة من منطقة الخليج إلى جانب روسيا، ومعظم الإمدادات النفطية التي تستوردها الصين تمر عبر مضيق هرمز. ومن هذا المنطلق تتزايد مخاوف بكين التي تدخل في نزاع تجاري شرس مع واشنطن، أن تستغل الإدارة الأميركية التوتر العسكري مع إيران والتأثير على وارداتها النفطية من المنطقة الخليجية.
في هذا الشأن كشفت نشرة "ذا ديفينس أفيرز" الشهرية الأميركية، أن بكين كانت الوسيط وراء الترتيبات الأمنية السرية التي جرت بين أبوظبي وإيران خلال الفترة الأخيرة، وتم على أثرها توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز أمن الحدود.
وحسب النشرة الدفاعية، فإن نفوذ التحالف الصيني الروسي بات يتزايد في منطقة الخليج، مستفيداً من شكوك كل من الرياض وأبوظبي في النوايا الأميركية الخفية من تصعيد التوتر في الخليج، وزادت هذه الشكوك بعد امتناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن توجيه ضربة عسكرية لإيران في شهر يونيو/ حزيران الماضي.
وتستهلك الصين من النفط حوالى 12.5 مليون برميل يومياً يأتي معظمها من إيران ودول منطقة الخليج إضافة إلى الصين والدول الأفريقية. كما تعمل الصين منذ سنوات لتكوين احتياطي استراتيجي ضخم شبيه بالاحتياطي الأميركي.