"عندما يأوي الناس إلى فراشهم، أذهب إلى سلال المهملات المنتشرة في الشوارع بحثاً عن رزقي. أجوب شوارع العاصمة ليلاً وأحمل أكياساً ثقيلة على ظهري. في الليل يرتاح الناس، ويتعب آخرون".
إنه محمد. لا نعرف إن كان هذا اسمه الحقيقي أم لا. ربما يفضّل عدم كشف اسمه خجلاً من عمله الليلي، الذي بدأه قبل ثلاث سنوات. يقول إنه يعمل "في نبش النفايات" لأنّه لم يجد مورد رزق آخر. يبدأ عمله عند الثامنة مساءً ويستمر فيه حتى منتصف الليل. يفضّل ألا يراه أياً من معارفه. يجمع بقايا الأكل ليبيعها في ما بعد إلى الفلاحين الذين يستخدمونها كعلفٍ للمواشي والأبقار. أيضاً، يجمع المواد البلاستيكية لتسليمها إلى الوسطاء الذين يجمعون هذه المواد ويبيعونها لشركات إعادة التدوير في البلاد.
محمد واحدٌ من بين آلاف يسترزقون من "بقايا" الناس. وقالت الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات إن نحو ثمانية آلاف شخص يقتاتون من جمع الفضلات، كالمواد البلاستيكية والثياب والزجاج، من خلال بيعها إلى الشركات المتخصصة بإعادة التدوير، بهدف تأمين لقمة عيشهم.
على مقربة من العاصمة، وتحديداً في منطقة برج شاكير، يقع أكبر مكبّ للنفايات. ترمى فيه يومياً أطنان من النفايات، ما يثير سخط العديد من المواطنين. تصل الشاحنات إلى المكبّ لتفرغ ما بين 2700 إلى 3000 طن من النفايات المختلطة. في المقابل، شكّل المكبّ مورد رزق بالنسبة لآخرين، ليتحوّل خطر الإصابة ببعض الأمراض أو الموت نتيجة التسمّم إلى شرٍ لا بدّ منه، لاستمرار حياة هؤلاء.
ويتوافد عشرات الأشخاص من جميع الأعمار إلى المكبّ منذ ساعات الصباح الأولى، بهدف البحث بين أكوام الفضلات عمّا يمكن بيعه، على غرار بقايا الأطعمة والملابس والمواد البلاستيكية والنحاس وغيرها، وخصوصاً المواد التي يمكن إعادة تدويرها.
يقول صالح الربيعي (30 عاماً) إنه لم يجد عملاً آخر يقتات منه، ما اضطره إلى البحث بين فضلات القمامة للعيش. يعمل في هذا المكان منذ سبع سنوات، ويجمع المواد البلاستيكية والنحاسية. يقول إنه يبيع الكيلوغرام الواحد من القوارير البلاستيكية بأربعة دنانير (2.5 دولار)، في حين يبيع الكيلوغرام الواحد من النحاس بـ 18 ديناراً (11 دولاراً).
يأتي هؤلاء إلى المكبّ من مختلف المحافظات، وينتمون إلى مختلف الفئات العمرية. من المعتاد أن تجد بينهم أطفالاً، يعرّضون أنفسهم للتسمّم، وأحياناً الاختناق. يعملون من دون أي إجراءات حماية من المواد الكيميائية أو الأدوات الحادة.
في السياق، تقول ممثلة وزارة الشؤون الاجتماعية عزيزة كوكي لـ "العربي الجديد" إن "الوزارة مهتمة بهؤلاء الأشخاص، لاسيما الأطفال منهم، وتسعى إلى مساعدتهم للعودة إلى مقاعد الدّراسة. لكن للأسف، تشجّعهم عائلاتهم على العمل في هذه المكبات لجني المال"، مضيفة أن "ظروف الحياة القاسية تدفع الأطفال والشباب إلى العمل لكسب قوتهم اليومي".
بلقاسم كهل (55 عاماً)، متزوج وأب لأربعة أطفال توقفوا عن الدراسة بسبب ضيق الحال. وعلى الرغم من عمله في جمع الفضلات وبقايا الطعام والمواد البلاستيكية، إلاّ أنه عجز عن تأمين أقساط المدارس.
بعد صلاة الفجر، يبدأ جولته في الشوارع، للبحث عما يمكن بيعه. ويسلّم ما يجده إلى أشخاص آخرين يجمعون تلك المواد لبيعها إلى شركات إعادة التدوير. يؤكد أنه مضطر لتحمل الروائح الكريهة والأمراض التي تسببها حتى يستطيع تحصيل لقمة العيش.
تتشابه حكايات آلاف الأشخاص الذين يعملون في نبش القمامة، وقد وجدوا أنفسهم مضطرين للعمل في هذه الظروف الصعبة، ويقدّمون ما يجمعونه إلى الوسطاء الذين غالباً ما يستغلونهم ويعطونهم المال القليل. إذ إنهم يشترون تلك المواد بنصف ثمنها، ويبيعونها إلى الشركات المتخصصة بضعف ثمنها الحقيقي. وتجدر الإشارة إلى أن فئة قليلة فقط تتعامل مع هذه الشركات مباشرة من دون وسطاء.
في المقابل، يقول مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات عمر الزواغي إن عدد العاملين في مجال جمع النفايات ارتفع، مشيراً إلى أن هؤلاء يعملون على فرز النفايات وبيعها، حتى يتمكنوا من العيش. من جهة أخرى، يوضح أن غالبيتهم لا يعرفون بأبسط شروط الوقاية الصحية، على غرار استعمال القفازات، بالإضافة إلى عدم أخذ اللقاحات الأساسية على غرار التهاب الكبد الفيروسي وغيرها من الأمراض.
اقرأ أيضاً: مصريون رزقُهم في حاويات القمامة