نعيمة زيطان.. محظورات تخرج من الأكواريوم

06 ابريل 2016
مشهد من مسرحية "التلفة"
+ الخط -

لم تظهر قضايا المرأة والجندر على المسرح المغربي من زمن طويل، إذ أن طرْقها يعني فتح أبواب المحظورات سواء أكانت ثقافية أو دينية أو اجتماعية أو جنسية. إحدى التجارب التي كرّست نفسها لهذا المحظور، تجربة فرقة "مسرح أكواريوم" التي أسّستها نعيمة زيطان عام 1994، حيث المرأة ليست الممثلة والكاتبة والمخرجة فقط، بل إنها الموضوع أيضاً.

في حديثها إلى "العربي الجديد"، تؤكد زيطان انحياز "أكواريوم" منذ تأسيسها إلى مواضيع متعلّقة بالمرأة؛ تقول: "نعتبر أنفسنا معنييّن بقضايا المرأة أيّاً كانت، ونحاول تمرير وجهات نظرنا في هذا الموضوع الشائك عبر الخشبة بمختلف أنواع المسرح المتاح، فنواكب التراجعات الحاصلة في ما يتعلق بمكتسباتها السابقة، ونتابع مطالب الحركات النسائية التقدّمية، ونحن جزء منه، لذلك فطرح قضايا المرأة عبر المسرح هو اختيار ومبدأ منذ البداية".

في العروض المسرحية للفرقة، ثمة تنوّع في المرجعية التي تؤطّر الإخراج. وبالنسبة لصاحبة "أحمر + أزرق = بنفسجي" فالإخراج هو تلاحم عدد كبير من العناصر الفنية؛ أوّلها الأداء لأنّه من يبتكر الفرجة المسرحية، إضافة إلى النص والسينوغرافيا والملابس والمؤثرات الصوتية والڤيديو والكوريغورافيا، هنا تقول زيطان: "الإخراج هو تناغم كل هذه العناصر وغيرها لتحقيق فرجة تحترم المشاهد.. لا شيء عفوياً أو مجانياً فوق الخشبة، لكل حركة أو كلمة أو إكسسوار مبرّراته".

قدّمت فرقة "أكواريوم" مسرحيتها الجديدة "التلفة" (أي الضياع) التي تناولت موضوعاً شائكاً يتعلّق بمعاناة النساء داخل السجون. تقول زيطان عن هذا العمل: "النص كتبه رشيد أمحجور، وقد ارتكز فيه على شهادات حيّة لسجينات في مدينة طنجة، طوّرناها إلى حوارات وعدّلنا في بعض التفاصيل عند اشتغالنا عليه وزيارتنا لأحد سجون النساء في الرباط".

عن مدى تفاعل المتلقّي المغربي والعربي عموماً مع مضمون العرض وأسئلته، تبيّن أن "التلقي كان إيجابياً في العموم" وتستدرك: "لكن الأمر يختلف في بعض الدول العربية. في الكويت مثلاً، كان هناك ضغط كبير على الفرقة لكي تنزاح عن بعض من خياراتها في العرض المسرحي، وشكّل هذا عائقاً فعلياً أمام تقديم فرجة حقيقية".

العمل على الجسد وعنه في الفنون البصرية، هو إحدى الطرق الصعبة التي قد يسلكها الفنان في المغرب أو غيره من البلدان العربية، وسبق أن قوبل عرض "ديالي" بهجوم كبير. لكن الجسد يبقى فقط أحد المواضيع التي اختارت الفرقة العمل عليها.

توضّح زيطان "نشتغل على مواضيع تشكّل تابوهات في المغرب من قبيل جسد المرأة، بائعات الهوى، كل أشكال العنف الممارس على المرأة، ظاهرة الرشوة، سنوات الرصاص، خادمات البيوت القاصرات، ظاهرة الفتاوى وغيرها"، وتكمل "باختصار، كل المواضيع التي تجعلنا متأخرين على صعيد حقوق الإنسان والحريات. هذا دورنا كفنانين أن نتكلم على بعض مشاكلنا بوسيلة نحترفها ونتقنها، وفي حالتي هي المسرح".

مسألة الدعم تبقى إحدى المشكلات الكثيرة التي يواجهها المسرحيون، خصوصاً "المشاكسين" منهم، وعمّا إذا كان هناك تأثير لتحكّم الدولة (ممثلة في وزارة الثقافة) في دعم المسرح على حرية الإبداع واحترافية الفرق المسرحية.

توضّح "في العديد من مشاريعنا الثقافية، لم تكن وزارة الثقافة طرفاً مانحاً. بل أكثر من ذلك نحن الفرقة المغربية الوحيدة التي تتوفّر على مسرح خاص في حيّ شعبي، نشتغل فيه منذ عشر سنوات، ولم نتلقّ لحد الآن دعماً يتعلّق بهذا المشروع الكبير، وبذلك قد لا تكون الرقابة مباشرة، لكن يبدو أن للوزارة اختياراتها وخطّها الفني الذي تودّ أن يكون هو السائد وهذا حقّها".

تتابع "في قولنا هذا فإننا لا نقيِّم أعمال زملائنا بل نحترمهم وندعمهم ونتابع إبداعاتهم. لكن من حقّنا أيضاً أن تكون لنا اختيارات مختلفة؛ مسرح "الأكواريوم،" مثلاً، لم يتلق دعماً من الوزارة منذ سنة 2000 أي منذ ست عشرة سنة، الأمر الذي يجعلنا نطرح سؤال لماذا، من دون تلقّي أي جواب في الموضوع".

 تشير "عندما استفدنا هذه السنة من برنامج التوطين (برنامج أطلقته وزارة الثقافة يهدف إلى تمكين الفرق المسرحية من فضاءات قارة للتدريب والعرض) كانت نيّتنا الأولى إنجاح هذه التجربة لأنها في رأينا مهمّة؛ من حيث توفيرها فرص عمل للفنانين، وتنشيط فضاءات شبه راكدة عجزت الوزارة عن تحريكها ثقافياً".

وهنا تبيّن زيطان: "زُجّ بنا في مسرح المنصور في مدينة الرباط، وخُضنا التحدي رغم النوايا التي كانت تحيط بنا. ويبدو أن الوزارة مارست رقابة غير مباشرة على الفرقة رغم عدم متابعتها أنشطتنا طيلة سنة من الاشتغال، معتمدة في تقييمها على تقارير لا نعلم مصدرها ونيتها وهدفها، وهذا ضرب من العبث ومحاولة فاشلة في إجهاض تجربة مسرحية عمرها 22 سنة. ولنا في هذا التعامل المبني على الإقصاء أمثلة عديدة".


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المرأة مسيٍّرة
رغم الدعم الظاهري للتغيير الثقافي والالتفات إلى قضايا المرأة بالعموم، يبدو أن الدعم الرسمي يُمنح ويُمنع أو يحجب وفقاً للمقولة التي يطرحها العمل، توضّح نعيمة زيطان "خطنا الفني مزعج للغاية لكننا نتحمّل مسؤوليته. وأن تكون الفرقة مسيّرة من امرأة والإبداعات موقعة باسم امرأة، أمر يستدعي الكثير من النضال والتشبّث بمبدأ الاستمرار لأننا ببساطة نشتغل وفق عقلية ذكوريّة فجّة، علينا التصدي لها".



المساهمون