نعم.. لتخرج "النصرة" من حلب وسورية

13 نوفمبر 2016
+ الخط -
لا يشفع لجبهة النصرة أنها تجيد مقاتلة جيش الأسد المتهالك، لأنها قضمت وقاتلت، وما زالت تقضم وتقاتل، فصائل تحسب نفسها على عدو الأسد ونظامه: الجيش السوري الحر. ولا يشهد لثورة حريةٍ أن تحتاج إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، لكي يدافع عنها أو ينصرها، وليس من الثورية في شيء سكوتها عليه، وامتناعها ماضياً وحاضراً عن منعه من التوطّن في سورية، التي خرج شعبها، قبل قرابة ستة أعوام، طالباً حريته، فركبت على حراكه لا لتحقق أمنيته، بل لتحول بينه وبينها، وتنخرط في القتال من أجل استبداد مذهبي لا يقل سوءاً عن استبداد الأسد الطائفي، وتعدّ الشعب بحكم وثني الأيدلوجيا معاد للإسلام، من حيث رسالته ومعاييره السياسية وعنفه، ورفضه تراحم الدين الحنيف، وإحلاله إرادة الجولاني محل الإرادة الإلهية، وفرض رؤيته على المؤمنين، باعتبارها القراءة الوحيدة الصحيحة للإسلام التي يتوعد المسلمين والمؤمنين بتطبيقها بالسيف.
مثل "داعش"، ليست جبهة النصرة، ولم تكن يوماً جزءاً تكوينياً من ثورة الشعب السوري التي صاغت برنامجاً لخصه مطلبان: "الحرية، والمحافظة على وحدة الشعب". لكن "النصرة" ترفض مطالبته بالحرية، وحجتها أن المخلوق ليس، ولا يمكن أن يكون حرّاً، لأنه عبد لخالقه، ولأن مطالبته بحريته كفرٌ، يضمر انفكاكه عنه. وترفض، في الوقت نفسه، اعتبار السوريين شعباً واحداً، وترى فيهم مللاً ونحلاً، معظمها مرتد أو كافر. بما أن تعايش مؤمني "النصرة" مع الكفرة محال، فإنها ستقضي عليهم، ما دام قتلهم لا يعدّ جريمة، بل هو فعل إيمانٍ، يحتسب لمرتكبيه عند الله.
بهذا البرنامج، أسهمت "النصرة" في قتل السوريات والسوريين واضطهادهم، وقوّضت ثورة الحرية بحرفها عن مسارها الملبي حاجات ورؤى أغلبية الشعب، وتصدّت للمقاتلين تحت رايتها وطرحت برنامجاً مذهبياً، لعب دوراً خطيراً في تضليل المواطنين وتشتيت قواهم، وشقّ المجتمع وقسّمه إلى كياناتٍ متناحرةٍ، ليس لغير كيانه الحق في الحياة. بدل وعد الحرية لمواطنين يتساوون في حقوقهم وواجباتهم الذي قالت به الثورة، تعدنا "النصرة" بحرب أهليةٍ مفتوحةٍ، لا تعترف بآصرة وطنية أو مجتمعية أو إنسانية في مجتمعنا، وترفض أي تنظيم قانوني لعلاقاتهم، بحجة أن القانون وضعي ومنافٍ للتدبير الإلهي، كما ترفض هويتنا الوطنية، فنحن لسنا، في نظرها، سوريين، بل مهتدين من جهة وكفرة وضالين من جهة أخرى، فأية مساواةٍ في الحقوق والواجبات يمكن أن تكون بين من اهتدى إلى سبيل الله، ومن ضلّ عنه؟
أخيراً: هل سبق لسوري أن سمع بثورة انتصرت ببرنامجين متناقضين، يدعو أحدهما إلى الحرية، وثانيهما إلى نفيها، وقتال القائلين بها، والمطالبين بدولتها، الذين يعتبرهم مرتدّين وخارجين عن الدين، يفرض واجبه الشرعي، عليه مقاتلتهم، ومنعهم من الوصول إلى أهدافهم عبر سلطةٍ جديدةٍ، تقوم على أنقاض السلطة الاستبدادية الأسدية؟
هل يجوز الدفاع عن تنظيمٍ هذه وعوده ومواقفه، والنتائج الداخلية والعربية والدولية التي ترتبت على توطّنه في بلادنا، وأدت إلى تقويته وإضعاف المقاتلين من أجل الحرية، ووحدة الشعب والمجتمع، وأغرقت الثورة في التباساتٍ أنهكتها، وكانت في غنىً عنها؟ وهل يحقّ لأحدٍ التمسّك ببقائه في حلب، حيث يشجع على القتال بين التنظيمات، تمهيدا لاحتوائها وإقامة وضع على الأرض هو طرفه الأقوى أو الوحيد، بعد أن حال نيّفاً وشهراً دون إيصال الغذاء والدواء إلى قسمها الشرقي، واتّخذه الروس والنظام ذريعةً لتدمير حلب وقتل مواطنيها؟ إذا كانت مواقف "النصرة" تتعارض إلى هذا الحد مع مصالح الثورة والشعب السوري الواحد، هل يجوز التضحية بالثورة وسورية من أجلها؟ لو كانت "النصرة" حريصةً على وطننا وشعبنا، لبادرت إلى الالتحاق بالجيش الحر، ولرفعت علم الثورة، وتخلت عن طابعها العصبوي/ الإرهابي الذي عاد إلى اليوم بضرر قاتلٍ على شعبنا وثورة الحرية.
لتخرج جبهة النصرة من حلب، ومن سورية أيضاً، لأن طريقها غير طريقنا، وأهدافها معادية لأهدافنا، ولأننا نرفض ما تتبناه من خياراتٍ وأدلجة، ولا نقبل بديلاً عن برنامجنا: الحرية للشعب السوري الواحد.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.