05 نوفمبر 2024
نظرية "الوطن يا زينهم"
محمد طلبة رضوان
"الوطن يا زينهم" هي جملة الفنان الراحل أحمد راتب في مسرحية الزعيم، تلك الجملة السحرية التي كان يستفز بها مشاعر "زينهم الغلبان"، إذا أراد منه أن يُخاطر بحياته، ووجد منه خوفًا فطريًا على روحه، يذكّره بالوطن، فإذا بالأدرينالين المصري الذي تربى على الغالي، من أفلام أكتوبر، والطريق إلى إيلات، "وعاش خاين ومات كافر"، إلى مسلسلات رأفت الهجان وجمعة الشوان، وكان زينهم (عادل إمام)، الساخر الاستثنائي، يستخدم كل ما تمنحه طبقات صوته من "جحشنة"، ليعادل ما يشعر به المواطن الغلبان، حين يخاطبه أحدهم باسم الوطن، فيستجيب من دون أن يفكر لحظة واحدة، ما الوطن؟
كان زينهم "كومبارس سيما" صادقًا بقدر ما كان ساذجًا، لا يعرف السياسة وألاعيبها، لكنه أدرك، بفطرته وحدسه، أن مشاعره الوطنية تستخدم وتوظف لغير صالح الوطن، أدرك أن لصوص الوطن يمرّون إلى مسروقاتهم من خلاله، وهو إدراكٌ يصعب على كثيرين من مثقفينا اليوم، فيأتي خطابهم "الوطني" منحازا للصوص، من حيث أرادوا، كما أفترض، أن يكون منحازًا لأصحاب الوطن وسكانه الأصليين.
يقع كثيرون في أسر الابتزاز "الوطنجي"، حين يصرفون قرّاءهم ومتابعيهم عن صاحب المسؤولية الحقيقية في كل ما تعانيه مصر الآن من ويلات، إلى ردود الفعل الغاضبة، والعاجزة، والحانقة، وغير المنضبطة، بطبيعة الحال، إزاء ما يحدث، لنا وفينا. إثيوبيا اليوم تخبرنا بوضوح أنها ماضية في طريقها لا تلوي على شيء، لا يعطلها تفاوض، ولا يردعها اتفاق، يشتم المصريون ويسبون ويلعنون ويسخرون ويشمتون ويزايدون، كل حسب قدرته على التعبير وعلى الاحتمال، فإذا بأصحاب "نظرية الوطن يا زينهم" يتركون المسؤول الرئيس في استمرار مهزلة سد النهضة الإثيوبي، ويستديرون إلى إدانة سخرية الساخرين وشماتة الشامتين، باعتبارها انحرافاتٍ عن طريق الفضيلة الوطنية والأخلاق السياسية الحميدة التي تفرّق بين معارضة النظام والعداء للوطن، تتوه المسؤولية بين أرجل المتعاركين حول الوطن وله، ويفلت المجرم بجريمته، مصدّرًا إياها، عبر معارضيه المفترضين، إلى المواطن!
يتكرّر الأمر في كل الملفات التي تتحمّل فيها الدولة المسؤولية الأولى، وربما الوحيدة، في الوصول إلى أدنى دركات التردّي والانحطاط. يموت المصريون على أبواب المستشفيات لا يجدون سريرًا، أو جهاز تنفس، تأتي ردود الأفعال من منطقة الحنق والغضب. طبيعي، أنّى لعاجز ومهروس تحت عجلات الظلم أن يعبر عن رفضه بحكمة ووعي وانضباط. يترك أصحاب نظرية "الوطن يا زينهم" الفاعل الحقيقي، ويتجرّدون لاصطياد بوست هنا أو تغريدة هناك يمكن تأويلهما باعتبارهما شماتة في عجز الدولة عن مواجهة كورونا، وتدور المعركة حول إدانة الشامت غير الوطني الذي عليه أن يتضامن مع عجز الدولة ليبرهن على وطنيته! ما يحدث في ليبيا، حدودنا المهددة، اقتراب الأتراك، هزيمة محور الثورة المضادة، خسارة عبد الفتاح السيسي ورهاناته على مليشيات خليفة حفتر بدلًا من الانحياز للشعب الليبي، ورفضه في كل محطات الصراع أي حل تفاوضي. تتكرر ردود الفعل الغاضبة، بأشكالها المختلفة، المقبولة حينًا، والمرفوضة أحيانًا، لكنها في الأخير ردود فعل، بالقول لا بالفعل، تتكرّر الإدانة، لا للسيسي، مرتكب الجريمة الأصلي، بل لحسابات مواقع التواصل التي لا تراعي في السيسي وطنية ولا "زينهم"..!
لقد اختار النظام المصري، منذ اللحظة الأولى للانقضاض على السلطة، استبعاد فكرة المعارضة، وإزاحتها، ووصمها، تحت دعاوى "حالة الحرب". وفي الحرب، لا مجال للاختلاف، إما أن تقتل معي، أو أقتلك، جرى تصنيف "كل" المعارضين من "كل" التيارات باعتبارهم أعداء الوطن، والتعامل معهم وفقا لذلك، فهم إما قتلى، أو سجناء، أو مطاردون، أو منفيون، أو هاربون. بعض المعارضين تماهى مع هذا الخطاب، وبادل الدولة وأجهزتها عداءً بعداء، مع فارق الإمكانات. والبعض الآخر ما زال يناضل لانتزاع حق المعارضة، من دون تخوين من الدولة أو تكفير من دار الإفتاء. وفي الحالين، لا يمكننا توجيه اللوم لأيٍّ من الفريقين، مهما بلغت درجة تجاوزاتهم "الخطابية"، فهم في الأخير يتكلمون، يصرخون، فيما تقتل الدولة، ثم تطالبنا بالانحياز لرصاصاتها من أجل الوطن.
يقع كثيرون في أسر الابتزاز "الوطنجي"، حين يصرفون قرّاءهم ومتابعيهم عن صاحب المسؤولية الحقيقية في كل ما تعانيه مصر الآن من ويلات، إلى ردود الفعل الغاضبة، والعاجزة، والحانقة، وغير المنضبطة، بطبيعة الحال، إزاء ما يحدث، لنا وفينا. إثيوبيا اليوم تخبرنا بوضوح أنها ماضية في طريقها لا تلوي على شيء، لا يعطلها تفاوض، ولا يردعها اتفاق، يشتم المصريون ويسبون ويلعنون ويسخرون ويشمتون ويزايدون، كل حسب قدرته على التعبير وعلى الاحتمال، فإذا بأصحاب "نظرية الوطن يا زينهم" يتركون المسؤول الرئيس في استمرار مهزلة سد النهضة الإثيوبي، ويستديرون إلى إدانة سخرية الساخرين وشماتة الشامتين، باعتبارها انحرافاتٍ عن طريق الفضيلة الوطنية والأخلاق السياسية الحميدة التي تفرّق بين معارضة النظام والعداء للوطن، تتوه المسؤولية بين أرجل المتعاركين حول الوطن وله، ويفلت المجرم بجريمته، مصدّرًا إياها، عبر معارضيه المفترضين، إلى المواطن!
يتكرّر الأمر في كل الملفات التي تتحمّل فيها الدولة المسؤولية الأولى، وربما الوحيدة، في الوصول إلى أدنى دركات التردّي والانحطاط. يموت المصريون على أبواب المستشفيات لا يجدون سريرًا، أو جهاز تنفس، تأتي ردود الأفعال من منطقة الحنق والغضب. طبيعي، أنّى لعاجز ومهروس تحت عجلات الظلم أن يعبر عن رفضه بحكمة ووعي وانضباط. يترك أصحاب نظرية "الوطن يا زينهم" الفاعل الحقيقي، ويتجرّدون لاصطياد بوست هنا أو تغريدة هناك يمكن تأويلهما باعتبارهما شماتة في عجز الدولة عن مواجهة كورونا، وتدور المعركة حول إدانة الشامت غير الوطني الذي عليه أن يتضامن مع عجز الدولة ليبرهن على وطنيته! ما يحدث في ليبيا، حدودنا المهددة، اقتراب الأتراك، هزيمة محور الثورة المضادة، خسارة عبد الفتاح السيسي ورهاناته على مليشيات خليفة حفتر بدلًا من الانحياز للشعب الليبي، ورفضه في كل محطات الصراع أي حل تفاوضي. تتكرر ردود الفعل الغاضبة، بأشكالها المختلفة، المقبولة حينًا، والمرفوضة أحيانًا، لكنها في الأخير ردود فعل، بالقول لا بالفعل، تتكرّر الإدانة، لا للسيسي، مرتكب الجريمة الأصلي، بل لحسابات مواقع التواصل التي لا تراعي في السيسي وطنية ولا "زينهم"..!
لقد اختار النظام المصري، منذ اللحظة الأولى للانقضاض على السلطة، استبعاد فكرة المعارضة، وإزاحتها، ووصمها، تحت دعاوى "حالة الحرب". وفي الحرب، لا مجال للاختلاف، إما أن تقتل معي، أو أقتلك، جرى تصنيف "كل" المعارضين من "كل" التيارات باعتبارهم أعداء الوطن، والتعامل معهم وفقا لذلك، فهم إما قتلى، أو سجناء، أو مطاردون، أو منفيون، أو هاربون. بعض المعارضين تماهى مع هذا الخطاب، وبادل الدولة وأجهزتها عداءً بعداء، مع فارق الإمكانات. والبعض الآخر ما زال يناضل لانتزاع حق المعارضة، من دون تخوين من الدولة أو تكفير من دار الإفتاء. وفي الحالين، لا يمكننا توجيه اللوم لأيٍّ من الفريقين، مهما بلغت درجة تجاوزاتهم "الخطابية"، فهم في الأخير يتكلمون، يصرخون، فيما تقتل الدولة، ثم تطالبنا بالانحياز لرصاصاتها من أجل الوطن.
دلالات
مقالات أخرى
29 أكتوبر 2024
22 أكتوبر 2024
15 أكتوبر 2024