هناك ما يُقال على سبيل الدعاية في أنّ عدد الجامعات في السعودية ارتفع خلال فترة وجيزة حتى وصلت إلى 24 جامعة حكومية، وَ 10 جامعات أهلية، وَ 32 كلية أهلية، لكن الحقيقة أنها أغلبها ليست جميعها جامعات جديدة، فقد اتُخذ قرار بأن تكون هناك جامعة لكل منطقة، وهكذا أُلغيت فروع جامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود في المناطق المتفرقة، وسميت هذه الجامعات باسم المناطق الإدارية، فعلى سبيل المثال كان في منطقة القصيم فرعين للجامعتين، ثم دمجت في جامعة واحدة اسمها جامعة القصيم. ولكن هذا لا ينفي حقيقة إنشاء جامعات جديدة في بعض المحافظات والمدن.
وقد تضاعف الإنفاق الحكومي على التعليم عموما خلال السنوات الأخيرة، حتى وصلت ميزانية التعليم العام والتعليم العالي وتدريب القوى العاملة إلى 210 مليار ريال (56مليار دولار) في موازنة عام 2014 التي أعلنتها وزارة المالية*، وقد تضاعف الإنفاق الحكومي على التعليم العالي بين فترتي 2009 وَ2013 من 30 مليار ريال إلى أكثر من 60 مليار ريال*، كما بلغت ميزانية التعليم العالي في السنة المالية للأخيرة لعام 2014، 80 مليار ريال بحسب تصريح الوزير*. ولكن يُطرح سؤال كبير عن محصلة هذا الانفاق الضخم؟
يواجه التعليم العالي في السعودية عدة إشكاليات، ففي الوقت الذي لا تثق الجامعات السعودية بمخرجات التعليم العام حتى أنشأت (برامج تحضيرية) لجميع الطلاب المستجدين من خريجي الثانوية العامة تستغرق السنة الأولى من دراستهم الجامعية؛ فإن خريجي هذه الجامعات يواجهون إشكاليات لاحقة بعد تخرجهم، فوزارة التربية والتعليم لا تثق بجميع مخرجات هذه الجامعات في أن يكون هؤلاء الشباب أكفاء للتدريس والتربية في المدارس، ولذا فقد أُنشئت برامج واختبارات تأهيلية قبل انضمام خريجي الجامعات إلى سلك التعليم العام، كما أنّ سوق العمل لا يجد في جميع مخرجات الجامعات أكفاء لتوظيفهم، ويطال ذلك التخصصات الهندسية التي إلى وقت قريب يُقال أن خريجي هذه التخصصات مطلوبين بشدة لسوق العمل، وفي الوقت نفسه نجد أن البطالة تنتشر بشدة في السعودية، وبالطبع فإن نسبة لا تقل عن 20% من العاطلين هم من حاملي الشهادات الجامعية الذين يصل عددهم وفق برنامج حافز الحكومي إلى 1,9 مليون باحث عن عمل، ووفقا لمؤشرات مصلحة الاحصاءات يبلغ عددهم 600 ألف فقط.
هذه الإشكاليات لم يعالجها برنامج الابتعاث السعودي الذين انطلق في عام 2005 وتضاعف عددهم من 5000 عند بداية البرنامج إلى 150 ألف طالب وطالبة هذا العام 2014 في أكثر من 30 دولة، فقد وجد أعداد من العائدين من برامج الابتعاث أنفسهم في صفوف العاطلين عن العمل وهم من خريجي الجامعات الغربية الأميركية وغيرها، ويحملون شهادات بكالوريوس وماجستير ودكتوراه.
على المستوى الأكاديمي تشهد الجامعات السعودية طفرة في الاهتمام بالتخصصات الطبية والهندسية والعلوم التطبيقية والحساب الآلي والعلوم الإدارية وتشهد إقبالًا متزايدًا، وفي الوقت نفسه تلقى تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية والأدبية والفنية ضعفا في التطوير والاهتمام بالرغم من أنها لا تزال يشكل طلابها النسبة الأكبر مقارنة بالتخصصات الأخرى إذا استثنينا فقط تخصص الإدارة والتجارة الذي يعتبر الأول من حيث عدد الطلاب المنتظمين فيه ، حيث أنه لا يوجد في الجامعات السعودية تخصصا أكاديميا يدرس (الفلسفة)، كما أنّ تخصص (العلوم السياسية) لا يُدرَّس إلا في جامعتين فقط هما جامعة الملك سعود في الرياض وجامعة الملك عبدالعزيز في جدة وينحصر تخصص العلوم السياسية للذكور دون الإناث، كما أن برنامج الابتعاث يحصر مجالات التخصص خارج هذه العلوم الإنسانية.
وإذا عرجنا بالذكر على النشاط الطلابي فقد حُرمت الجامعات السعودية من أشكال التنظيم الطلابي، حيث لا يوجد اتحاد للطلبة السعودية، وهو انعكاس للواقع السياسي العام في المملكة الذي يحظر أشكال التنظيمات الطلابية والمهنية والنقابية ولا يوجد أي تقنين يسمح بجمعيات المجتمع المدني، وهذا الأمر الذي أدى إلى أن تتشكل حركات احتجاجية طلابية بسيطة بعد الربيع العربي خلال عامي 2011 وَ 2012 تمثلت في مطالب طلابية كان أشهرها احتجاج الطلاب في مارس 2012 في جامعة الملك خالد بأبها جنوب غرب السعودية مطالبين بإقالة مدير الجامعة على خلفية اعتداءات الأمن على طالبات في الجامعة، وهو ما أدى إلى إقالة المدير بعد الحادثة بأشهر، وحدثت احتجاجات شبيهة في جامعة الملك سعود في السنة التحضيرية في أبريل وديسمبر 2011 واحتجاجات الطالبات في جامعة أم القرى في يونيو 2011.
ويلقى العمل الطلابي ضعفًا كبيرًا بسبب كثرة القيود التي أصبحت تُفرض على حقبات متتالية، فقد كان أوج النشاط الطلابي الجامعي في فترات الثمانينات والتسعينات وكان أشهر الفاعلين في النشاط الطلابي هو نادي الجوالة المنتشر في أكثر من جامعة سعودية، ولكن القيود بدأت تُفرض على النشاط الطلابي شيئًا فشيئًا منذ منتصف التسعينات بعد موجة احتجاجات الصحوة الإسلامية التي اُعتقل فيها رموز الصحوة الإسلامية في السعودية، ثم مع موجة العنف التي حدثت في السعودية بعد أحداث سبتمبر ضُيّق العمل الطلابي أكثر فأكثر، حتى أصبح اليوم بعد الربيع العربي ضعيفًا جدًا وبلا فعالية في الأوساط الطلابية.
وقد حدثت محاولات من بعض مدراء الجامعات في إعطاء مساحة لحرية النشاط الطلابي، فرُفعت بعض القيود التي تحد من استضافة أسماء من خارج هذه الجامعات لإلقاء ندوات من دون موافقة السلطات من داخل وخارج الجامعة، وإتاحة فرصة لبعض الإبداع والتجديد الطلابي، وبرزت بعض الفعاليات الثقافية، ولكن انتهت الفترة بإقالتهم من الجامعة لهذه الأسباب وغيرها مثلما حدث في جامعة الملك سعود عام 2012.
وبشكل عام فإن التعليم العالي في السعودية سيظل يواجه أسئلة التنمية الشاملة على المستوى الوطني، فإذا كان الانفاق الحكومي على التعليم بلغ نسبة 25%* من الإنفاق العام وبلغ عدد طلاب التعليم العالي أكثر من 1.3 مليون طالب وطالبة؛ فإن السؤال الكبير يظل عن مخرجات هذا التعليم إلى أين في الوقت الذي يعاني فيه هذا القطاع الضخم من البيروقراطية الحكومية، ومركزية القرار، والإخفاق في خلق الحرية الأكاديمية، وتعطيل قدرات الطلاب في الأجواء الأمنية المقيدة، والتي تؤدي بالنهاية إلى تخريج عشرات الآلاف سنويًا من النسخ متكررة جدًا من الجنسين يبحثون عن التوظيف وينقصهم إلى حد كبير التأهيل الحقيقي لسوق العمل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.بيان وزارة المالية.
2. بيانات وزارة التعليم العالي http://www.mohe.gov.sa/ar/Documents/Budget/Inside%20208.pdf
3. تصريح وزير التعليم العالي لوكالة الأنباء السعودية
http://www.alriyadh.com/895270
4.بيان وزارة المالية السابق