21 فبراير 2018
نصيحة للملك في الوقت الضائع..
سقط عن عرشه قبل 38 سنة، لكن سيرته في المُلك، صعودا ونزولا، مازالت تثير الباحثين وكتّاب السير. إنه شاه إيران محمد رضا بهلوي. كتب عالم السوسيولوجيا الإيراني، إحسان نراغي، كتابا مهما عن الأيام الأخيرة قبل سقوط الشاه، "من بلاط الشاه إلى سجون الثورة"، ونقل فيه حوارات شيقة ومهمة بينه وبين الشاه، حيث استدعى الملك واحدا من كبار مثقفي بلاده ليسمع صوتا جديدا غير الأصوات المحيطة به، والتي عجزت عن إعطائه تفسيرا للتظاهرات التي تجتاح شوارع البلاد، مناديةً بسقوط "الطاغية"، فكان حوارا ممتدا إلى السياسة وطبائع السلطة. هنا أجزاء منه.
الشاه: ماذا يجري، يا نراغي، في إيران؟ وكيف أن أحدا من المسؤولين حولي لم ينبّهني إلى هذا السيل المتدفق من الغضب والرفض لي ولنظامي في الشارع؟ نراغي: يا مولاي، لم تكن لدى الحكم التكنوقراطي الذي أقمته حولك الوسائل، ولا الثقافة، لسماع صرخة الحقيقة في الشارع، هو الذي منع عنك الحقيقة. الشاه: لكننا اخترنا كوادر الحكم من بين أفضل المتخصصين في الجامعات الأوروبية والأميركية، لماذا لم يستطع هؤلاء المهندسون والدكاترة إخباري بأمر هذه الأزمة التي نضجت على نار هادئة؟
نراغي: هذا راجع، يا مولاي، إلى طبيعة نظامك الهرمي، وحكمك الفردي، لا يشعر أي وزير بأنه مسؤول على الصعيد السياسي، لأن القرارات المهمة تصدر عنك وحدك، وبما أنك انفردت بتحديد الأهداف، اعتبرت النخبة دورها ينحصر في تزويدك بالمعلومات التي تتفق مع خطك السياسي. استعملت ذكاءها وعلمها لتتبعك، وبعبارة أخرى لتمنع عنك الرؤية. التكنوقراط آلةٌ لا تجيب إلا عن الأسئلة التي تطرح عليها، ولا تطرح الأسئلة.
يسأل الشاه: هل أفهم من قولك أنه يجب تغيير كل شيء وتغيير كل المسؤولين؟ نراغي: نعم، من الواجب تغيير المحيطين بك، لأنهم غير قادرين على مواجهة الأزمة، ولأن المجتمع الإيراني ينتظر شيئا آخر. حين يخترق الدين الحياة السياسية والاجتماعية، يصير الناس صارمين حيال حكّامهم الذين عليهم تغيير نمط عيشهم، وتجنّب مظاهر الترف والأبهة، فأعمالهم وتصرفاتهم تمر من غربال الانتقاد الشعبي. وعندنا، يستحيل فصل الحياة الخاصة عن العامة، كما يحدث في الغرب. لهذا حبَّذا لو تخليت، يا مولاي، عن بعض الأبّهة التي تعيش فيها، وأن تترك بعض قصورك للجمعيات الخيرية، وأن تعيش في مسكنٍ عادي، كما كان جمال عبد الناصر.
رد الشاه غاضبا: هل تريدني أن أمثل أنا وعائلتي دور الفقراء؟ سيتهمني الشعب بالنفاق والتملق له. يكابد نراغي لإقناع مولاه: لا، قد يكون مناسبا إعطاء المثال للطبقة الحاكمة التي أصبحت مسرفةً ومحتقرة للشعب. يجب أن تثبت للجميع أنك قادرٌ على أن تحكم بلدا كبيرا، وأن تعيش ببساطة في الوقت نفسه. إننا نواجه اليوم صورةً شديدة الخطورة والرمزية، بين مدينتي قم المتواضعة وطهران الباذخة.
كتب نراغي في مذكراته: قبل أن أنصرف، رأيت أن أشير إلى التدخل المفرط لعائلة الشاه في التجارة والاقتصاد. بدا دهشا وسألني: ماذا تقصد؟ ألا يحق لي ولعائلتي ممارسة التجارة كغيرنا من المواطنين؟ هل من العدل مضايقة أفراد الأسرة الحاكمة لمجرّد أن كبيرهم في الحكم؟ رد نراغي: إنهم ليسوا كالآخرين، يا صاحب الجلالة، إنهم يتمتعون بامتيازاتٍ لا تُحصى، والثمن الذي عليهم دفعه هو حرمانهم من بعض الحقوق. رد الشاه بتذمر: لكن سائر أفراد العائلات المالكة في العالم، حتى في أوروبا، ليسوا محرومين، على حد علمي، من هذه الحقوق. ملكة بريطانيا الأغنى في بلادها. تلقى نراغي الكرة ورد: أجل، يا مولاي، لكن في بريطانيا بالذات، وبفضل الدور الذي يلعبه البرلمان والنظام القضائي ووسائل الإعلام، من الصعب ممارسة المحسوبية والسقوط في الفساد والمسّ بالتنافسية عن طريق خلط التجارة بالسلطة. الأمور هناك تختلف عنها هنا.. من الأفضل أن تبقى العائلة المالكة خارج الصفقات التجارية تماما.
يكتب نراغي أن الشاه بقي ينظر إلى رسوم وألوان وأشكال السجاد الإيراني الجميل على أرضية الصالة في القصر، ولولا ظروف البلاد وأحوال الثورة، لما دام هذا الحوار ساعتين و45 دقيقة، ولما شدّ الشاه على يدي في نهاية المقابلة، وقال لي: إلى اللقاء.
الشاه: ماذا يجري، يا نراغي، في إيران؟ وكيف أن أحدا من المسؤولين حولي لم ينبّهني إلى هذا السيل المتدفق من الغضب والرفض لي ولنظامي في الشارع؟ نراغي: يا مولاي، لم تكن لدى الحكم التكنوقراطي الذي أقمته حولك الوسائل، ولا الثقافة، لسماع صرخة الحقيقة في الشارع، هو الذي منع عنك الحقيقة. الشاه: لكننا اخترنا كوادر الحكم من بين أفضل المتخصصين في الجامعات الأوروبية والأميركية، لماذا لم يستطع هؤلاء المهندسون والدكاترة إخباري بأمر هذه الأزمة التي نضجت على نار هادئة؟
نراغي: هذا راجع، يا مولاي، إلى طبيعة نظامك الهرمي، وحكمك الفردي، لا يشعر أي وزير بأنه مسؤول على الصعيد السياسي، لأن القرارات المهمة تصدر عنك وحدك، وبما أنك انفردت بتحديد الأهداف، اعتبرت النخبة دورها ينحصر في تزويدك بالمعلومات التي تتفق مع خطك السياسي. استعملت ذكاءها وعلمها لتتبعك، وبعبارة أخرى لتمنع عنك الرؤية. التكنوقراط آلةٌ لا تجيب إلا عن الأسئلة التي تطرح عليها، ولا تطرح الأسئلة.
يسأل الشاه: هل أفهم من قولك أنه يجب تغيير كل شيء وتغيير كل المسؤولين؟ نراغي: نعم، من الواجب تغيير المحيطين بك، لأنهم غير قادرين على مواجهة الأزمة، ولأن المجتمع الإيراني ينتظر شيئا آخر. حين يخترق الدين الحياة السياسية والاجتماعية، يصير الناس صارمين حيال حكّامهم الذين عليهم تغيير نمط عيشهم، وتجنّب مظاهر الترف والأبهة، فأعمالهم وتصرفاتهم تمر من غربال الانتقاد الشعبي. وعندنا، يستحيل فصل الحياة الخاصة عن العامة، كما يحدث في الغرب. لهذا حبَّذا لو تخليت، يا مولاي، عن بعض الأبّهة التي تعيش فيها، وأن تترك بعض قصورك للجمعيات الخيرية، وأن تعيش في مسكنٍ عادي، كما كان جمال عبد الناصر.
رد الشاه غاضبا: هل تريدني أن أمثل أنا وعائلتي دور الفقراء؟ سيتهمني الشعب بالنفاق والتملق له. يكابد نراغي لإقناع مولاه: لا، قد يكون مناسبا إعطاء المثال للطبقة الحاكمة التي أصبحت مسرفةً ومحتقرة للشعب. يجب أن تثبت للجميع أنك قادرٌ على أن تحكم بلدا كبيرا، وأن تعيش ببساطة في الوقت نفسه. إننا نواجه اليوم صورةً شديدة الخطورة والرمزية، بين مدينتي قم المتواضعة وطهران الباذخة.
كتب نراغي في مذكراته: قبل أن أنصرف، رأيت أن أشير إلى التدخل المفرط لعائلة الشاه في التجارة والاقتصاد. بدا دهشا وسألني: ماذا تقصد؟ ألا يحق لي ولعائلتي ممارسة التجارة كغيرنا من المواطنين؟ هل من العدل مضايقة أفراد الأسرة الحاكمة لمجرّد أن كبيرهم في الحكم؟ رد نراغي: إنهم ليسوا كالآخرين، يا صاحب الجلالة، إنهم يتمتعون بامتيازاتٍ لا تُحصى، والثمن الذي عليهم دفعه هو حرمانهم من بعض الحقوق. رد الشاه بتذمر: لكن سائر أفراد العائلات المالكة في العالم، حتى في أوروبا، ليسوا محرومين، على حد علمي، من هذه الحقوق. ملكة بريطانيا الأغنى في بلادها. تلقى نراغي الكرة ورد: أجل، يا مولاي، لكن في بريطانيا بالذات، وبفضل الدور الذي يلعبه البرلمان والنظام القضائي ووسائل الإعلام، من الصعب ممارسة المحسوبية والسقوط في الفساد والمسّ بالتنافسية عن طريق خلط التجارة بالسلطة. الأمور هناك تختلف عنها هنا.. من الأفضل أن تبقى العائلة المالكة خارج الصفقات التجارية تماما.
يكتب نراغي أن الشاه بقي ينظر إلى رسوم وألوان وأشكال السجاد الإيراني الجميل على أرضية الصالة في القصر، ولولا ظروف البلاد وأحوال الثورة، لما دام هذا الحوار ساعتين و45 دقيقة، ولما شدّ الشاه على يدي في نهاية المقابلة، وقال لي: إلى اللقاء.