01 يونيو 2017
نصف النبوءة الذي يقتلنا
في مرويات "الفتن والملاحم" وأحاديث "آخر الزمان"، أن كل أمم الأرض تتداعى على "أهل الرايات السود" في الشام، عند مرج دابق، استعداداً لمعركة "هرمجدون الكبرى"، حيث تنطلق ملاحم "عودة المهدي"، و"نزول عيسى ابن مريم"، ليحكم الأرض. قصة مثيرة، وملفتة، تتقاسمها أديان كثيرة، بصيغ مختلفة، لكنها قد تصبح قاتلة، وقاتلة جداً.
تتباين المرويات حول "الرايات السود"، في المعنى والمآل. كما تتباين، في الموعد، وإن اتفقت أغلبها على صفاتهم، ومكانهم، وسطوتهم، وما يفعلون، في أساطير مدفونة في طيات الكتب منذ مئات السنين. التباين الأكبر في هذه الأساطير في الموقف من أصحاب الرايات السود أنفسهم، بين مرويات تؤكد على "الفرار" منهم، وأن "باطن الأرض خير من ظاهرها" عند ظهورهم، وأخرى تقول "الحق بهم ففيهم المهدي"، واعتبارهم "الطائفة المنصورة" التي ترث الأرض.
تتحدّث المرويات عن أكثر من رايات سوداء، تتحدث عن التي تقتل بني أمية، وتقيم دولة بني العباس، وأخرى تتعلق بملاحم آخر الزمان مع "الروم"، وتجمع أمم الأرض لقتالهم في الشام. وهناك وعي بهذا التباين في كتب التراث؛ فنحن أمام رايات سوداء متعددة، في حقب زمانية مختلفة، منها ما مر، ومنها ما يأتي. ولكن، من يستطيع أن يقنع المؤمن بهذه المرويات، بأنها كتبت متأخرة في التاريخ الإسلامي، في خضم صراع بني أمية وبني العباس، وهذا ظاهر في النصوص، ومتضمن في أحاديث "السفياني" و"المهدي" امتداداً لصراعات بني أمية وبني العباس.
لذا، جاء التاريخ مضطرباً حيال هذه الرايات، تارة تصبح علامة لـ "الطائفة المنصورة"، وأخرى تصبح دلالة للكفر والمروق من الدين؛ "إذا خرجت الرايات السود، فأولها فتنة، وأوسطها ضلالة، وآخرها كفر". تبث الكتب أوصاف أهل هذه الرايات؛ "... قوم ضعفاء لا يُؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق، وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء".
هل تسمية "تنظيم الدولة" مصادفة؟ هل اختيار الرايات السود، والشعور المسدلة، والكنى، والتوحش، واستعداء كل أهل الأرض، مصادفة؟ لا، ولا حتى تسمية المجلة الناطقة باسم داعش "دابق" ، نسبة إلى "مرج دابق"، مكان هرمجدون الكبرى بحسب مرويات التاريخ. ليست مصادفة، إنها نصف الرواية التي تقتلنا، التي يستطيع أي مغامر صناعتها، مستفيداً من هذه "السيناريوهات" الكاملة، المنثورة في كتب التراث، منذ مئات السنين. وهنا حديث آخر، لا علاقة له بنشأة "التنظيم"، ودوافع الالتحاق به، وإنما هو الحديث عن شكله، ورموزه، وسرديته التي يتبناها، فالتنظيم وجد لظروف وعوامل مختلفة متعددة، إنما تلك الروايات أثرت في بعض صياغاته، وشكله على الأرجح.
تلك نصف النبوءة التي يستطيع أي مغامر صناعتها، وكأننا أمام مخرجٍ لأحد أفلام هوليوود، يقرأ الرواية، ليكتب سيناريو المشهد، ويختار له أزياءه وهيئته، ويحدد أداء الممثلين، وخطابهم، فكل ما في هذه الروايات ممكن التطبيق، تستطيع أن تطيل شعرك، وتتسمى بكنية، وأن تتوحش وتقتل، وتستعدي كل أهل الأرض، وتصور الحال حرباً دينية، في محاولة لجلب "ثمانين غاية"، أو راية "صليبية" لتحاربك، كما في النبوءة. تلك هي نصف الرواية التي بيدك، والتي تصنعها، بانتظار التممة السماوية للمشهد.
في حادثة اقتحام الحرم في 1980، جمع جهيمان مجموعة من البشر، وجاء بـ"المهدي" محمد بن عبدالله، وطلب من أنصاره، بعد صلاة الفجر، مبايعة "المهدي"، وهذا ما كان. حقق نصف النبوءة التي بيده، وحشدت "الجيوش" بانتظار نصفها الآخر، بحسب جهيمان، حيث كان ينتظر أن يُخسف بالجيش، وينتصر المهدي، هذه تتمة الرواية التي لم تكتمل. بل أخفى جهيمان نبأ مقتل "المهدي" عن أنصاره، حتى لا يُخبرهم باكراً جداً، بأن مهديهم المنتظر لن ينتصر، بل كان أول المهزومين.
اليوم تحشد كل الأمم لمحاربة "أهل الرايات السود". تخيّل أنك تحمل هذه الرايات، وتقرأ النبوءات التي كتبت قبل أكثر من ألف ومئتي سنة. تخيّل أنك مؤمن بها بشكل مطلق، وأنت ترى رايات "الصليبيين الأعداء" من كل الأمم تحشد ضدك، تخيل هذا كله، وأنت تنتظر النهاية، المحسومة لصالحك "بحسب إيمانك". تترقب النصر، وتعيد تشديدك على الرواية، وتحاول إتقان السيناريو، تبالغ في حرفية تتبعه، بانتظار التكملة التي لن تأتي أبداً، أو ستأتي على هيئة صواريخ تدمر كل شيء، عندما فقط تكتشف، متأخراً جداً، أي ضلال ذلك الذي كنت فيه.
تتباين المرويات حول "الرايات السود"، في المعنى والمآل. كما تتباين، في الموعد، وإن اتفقت أغلبها على صفاتهم، ومكانهم، وسطوتهم، وما يفعلون، في أساطير مدفونة في طيات الكتب منذ مئات السنين. التباين الأكبر في هذه الأساطير في الموقف من أصحاب الرايات السود أنفسهم، بين مرويات تؤكد على "الفرار" منهم، وأن "باطن الأرض خير من ظاهرها" عند ظهورهم، وأخرى تقول "الحق بهم ففيهم المهدي"، واعتبارهم "الطائفة المنصورة" التي ترث الأرض.
تتحدّث المرويات عن أكثر من رايات سوداء، تتحدث عن التي تقتل بني أمية، وتقيم دولة بني العباس، وأخرى تتعلق بملاحم آخر الزمان مع "الروم"، وتجمع أمم الأرض لقتالهم في الشام. وهناك وعي بهذا التباين في كتب التراث؛ فنحن أمام رايات سوداء متعددة، في حقب زمانية مختلفة، منها ما مر، ومنها ما يأتي. ولكن، من يستطيع أن يقنع المؤمن بهذه المرويات، بأنها كتبت متأخرة في التاريخ الإسلامي، في خضم صراع بني أمية وبني العباس، وهذا ظاهر في النصوص، ومتضمن في أحاديث "السفياني" و"المهدي" امتداداً لصراعات بني أمية وبني العباس.
لذا، جاء التاريخ مضطرباً حيال هذه الرايات، تارة تصبح علامة لـ "الطائفة المنصورة"، وأخرى تصبح دلالة للكفر والمروق من الدين؛ "إذا خرجت الرايات السود، فأولها فتنة، وأوسطها ضلالة، وآخرها كفر". تبث الكتب أوصاف أهل هذه الرايات؛ "... قوم ضعفاء لا يُؤبه لهم، قلوبهم كزبر الحديد، هم أصحاب الدولة، لا يفون بعهد ولا ميثاق، يدعون إلى الحق، وليسوا من أهله، أسماؤهم الكنى، ونسبتهم القرى، وشعورهم مرخاة كشعور النساء".
هل تسمية "تنظيم الدولة" مصادفة؟ هل اختيار الرايات السود، والشعور المسدلة، والكنى، والتوحش، واستعداء كل أهل الأرض، مصادفة؟ لا، ولا حتى تسمية المجلة الناطقة باسم داعش "دابق" ، نسبة إلى "مرج دابق"، مكان هرمجدون الكبرى بحسب مرويات التاريخ. ليست مصادفة، إنها نصف الرواية التي تقتلنا، التي يستطيع أي مغامر صناعتها، مستفيداً من هذه "السيناريوهات" الكاملة، المنثورة في كتب التراث، منذ مئات السنين. وهنا حديث آخر، لا علاقة له بنشأة "التنظيم"، ودوافع الالتحاق به، وإنما هو الحديث عن شكله، ورموزه، وسرديته التي يتبناها، فالتنظيم وجد لظروف وعوامل مختلفة متعددة، إنما تلك الروايات أثرت في بعض صياغاته، وشكله على الأرجح.
تلك نصف النبوءة التي يستطيع أي مغامر صناعتها، وكأننا أمام مخرجٍ لأحد أفلام هوليوود، يقرأ الرواية، ليكتب سيناريو المشهد، ويختار له أزياءه وهيئته، ويحدد أداء الممثلين، وخطابهم، فكل ما في هذه الروايات ممكن التطبيق، تستطيع أن تطيل شعرك، وتتسمى بكنية، وأن تتوحش وتقتل، وتستعدي كل أهل الأرض، وتصور الحال حرباً دينية، في محاولة لجلب "ثمانين غاية"، أو راية "صليبية" لتحاربك، كما في النبوءة. تلك هي نصف الرواية التي بيدك، والتي تصنعها، بانتظار التممة السماوية للمشهد.
في حادثة اقتحام الحرم في 1980، جمع جهيمان مجموعة من البشر، وجاء بـ"المهدي" محمد بن عبدالله، وطلب من أنصاره، بعد صلاة الفجر، مبايعة "المهدي"، وهذا ما كان. حقق نصف النبوءة التي بيده، وحشدت "الجيوش" بانتظار نصفها الآخر، بحسب جهيمان، حيث كان ينتظر أن يُخسف بالجيش، وينتصر المهدي، هذه تتمة الرواية التي لم تكتمل. بل أخفى جهيمان نبأ مقتل "المهدي" عن أنصاره، حتى لا يُخبرهم باكراً جداً، بأن مهديهم المنتظر لن ينتصر، بل كان أول المهزومين.
اليوم تحشد كل الأمم لمحاربة "أهل الرايات السود". تخيّل أنك تحمل هذه الرايات، وتقرأ النبوءات التي كتبت قبل أكثر من ألف ومئتي سنة. تخيّل أنك مؤمن بها بشكل مطلق، وأنت ترى رايات "الصليبيين الأعداء" من كل الأمم تحشد ضدك، تخيل هذا كله، وأنت تنتظر النهاية، المحسومة لصالحك "بحسب إيمانك". تترقب النصر، وتعيد تشديدك على الرواية، وتحاول إتقان السيناريو، تبالغ في حرفية تتبعه، بانتظار التكملة التي لن تأتي أبداً، أو ستأتي على هيئة صواريخ تدمر كل شيء، عندما فقط تكتشف، متأخراً جداً، أي ضلال ذلك الذي كنت فيه.