نصائح للقيادة.. كيف تقتل النقد الذاتي بـ"شياكة"؟

28 ديسمبر 2016
تحلَّ بالهدوء والحكمة المفرطة (فرانس برس)
+ الخط -
بدأ صوت النقد الذاتي ودعوات المراجعة الذاتية يرتفع بين كل التيارات السياسية بعد انقلاب 3 يوليو، وإن كان دوي الصوت أكثر ارتفاعاً في أوساط الإسلاميين وبشكل لم يعتادوه قبلاً، ولعل السبب الرئيسي في ذلك أنّ أحداً لم يحقق نجاحاً لافتاً للنظر -هنا أقصد الجميع-.

فالعسكر الآن وحدهم يستحوذون على السلطة وأي مشروع سياسي آخر حاول المرور للسلطة من خلال العسكر أو في مواجهتهم، المحصلة تكاد تكون واحدة: لم ينجح أحد.

وفي السطور التالية سأقدم نصائح مُجرَّبة لقادة ونخب التيارات السياسية، وخاصة الإسلاميين الذين أنتمي إليهم حول كيفية مواجهة أصوات ترتفع بالنقد ودعوات المراجعة الذاتية الشاملة ونداءات تطالب بتحديد المسؤولين عن أخطاء الماضي والاعتراف بهذه الأخطاء.


فهذه الأصوات أصبحت مزعجة وتثير الضيق والضجر ولا تحترم الظروف.. لذلك سأحاول مساعدة هؤلاء الذين يُوجّه إليهم هذا اللوم لمواجهة هذا العبث وهذه الموضة بالخطوات التالية لعله يكون بها العلاج:

أولاً: (كن صخرة صماء)
عليك التحلي بالهدوء الشديد والحكمة المفرطة مهما كان الصوت المقابل غاضباً أو يحملك المسؤولية من دون النظر لصحة كلامه أوخطئه.. امتص هذا الغضب وهذه الثورة بالتجاهل.. ثم اطمئن أن الوقت كفيل بقتل هذه الحماسة ووأد هذا الغضب المستشيط.. كن هادئاً جداً.. وستنتصر في النهاية.. فما انتصر الشباب في وطننا يوماً!

ثانياً: (السحر في التسويف)
ما أروع كلمة "مش وقته" .. "أنت مش شايف القمع والمجازر والمعتقلات؟" .. "هل ده وقت الجدال والكلام أم أنه وقت العمل والمقاومة؟"

تحدث عن أنه ليس مهماً الحديث عن الماضي أو أخطائه أو معرفة أين القصور حتى نعالجه.. كفانا كلاماً ولنبذل طاقتنا في العمل الدؤوب.. العمل وفقط حتى لو كان هذا العمل مجرد جري في المحل.. وكذلك لا يجب أن نسأل متى سنحقق ما نريد؟ وكيف نحققه؟ بل ما هو ما نريده فعلاً؟ .. ركز في العمل!

ثالثاً: (اختبار النسب المائوية)
وجه هذه الأسئلة لهذا الشباب الثرثار: "كم نسبة حديثك عن العسكر وجرائمهم وكم هي نسبة حديثك عن مشاكل المؤسسة الداخلية؟" كم هي نسبة حديثك عن المظلوم الذي يتجرع مرارة القمع وكم هي نسبة حديثك عن الماضي؟"

ثم بعد أن توجّه السؤال.. باغتهم بالإجابة بنفسك عن سؤالك: أرأيت أنك تخوض المعركة الخطأ.. وأنك بدل أن تبذل جهدك ضد الخصم فإنك تصيبنا بنيران صديقة؟!

رابعاً: (سلاح المغالطات الفتاك)
أطلق هذه المجموعة من المغالطات التي يعجز الفلاسفة عن توفير طاقة للرد عليها في شهور.. باستطاعتك أن تقلب الحقائق أو أن تنكر وقائع ثابتة، باستطاعتك كذلك أن تتلاعب بالألفاظ والمفردات كما شئت.. ألا يتشدق هؤلاء الشباب بحق الجميع في طرح الآراء وحرية التعبير؟ فما الغضاضة في أن تقول رأياً مخالفاً للمزاج العام؟!

فإذا قيل لك أخطأت أو نحتاج وقفةً.. رد مباشرة بهذه الجُمل دفعة واحدة:
ألم يُخطئ الآخرون أيضاً؟
لماذا تقف عندي فقط.. انظر ماذا فعل فلان؟
خطئي ليس أكبر من خطأ طرف علان؟
ألم تكن هناك مؤامرات إقليمية ودولية علينا؟
ألم تشاركني في ما كنت أقوم به وانصعت لقراراتي، إذاً أنت شريكي وتتحمل الخطأ معي؟
ألم يكن الوضع جديداً علينا ولم نكن نتخيل خيانة العسكر؟
ألم نكن تحت ضغوط لا يتحملها بشر؟
ألم نجتهد قدر استطاعتنا ومن اجتهد فأخطأ فله أجر؟
ألا ترى أن الجميع ينتقدنا وغير راض عن أي شيء نقوم به؟
فمهما فعلنا سنظل في مرمى النقد والاتهام.. أليس كذلك؟

خامساً: (التاريخ هو سرديتك)
اسرد قصتك واحكِ سرديتك الخاصة للأحداث واختر المواقف التي تعجبك وتجاهل ما لا يعجبك.. ولا مانع أن تضخم الإيجابيات وأن تسقط السلبيات من السرد.. احك الماضي وكأنك تقرأ من كتب التاريخ وتتحدث بلسانه، قف عند المحطات التي تريد واقفز فوق ما لا تريد.

سادساً: (الشعارات هي حصنك المنيع)
إذا طنطن هؤلاء المتحذلقون المتفلسفون من الشباب بأسئلة عجيبة مثل:
ما هي رؤيتنا؟ وكيف سنخرج من هذه الأزمة الطاحنة؟

صدقني هذا ليس مأزقاً فالحل سهل ويسير.. كلما قيل لك ذلك، لا تمل ترديد نفس العبارات: الأمور ستكون على ما يرام، اصبر فالإعداد القوي يحتاج إلى وقت، السفينة لن تغرق، من في صمودنا وتحملنا، نحن باقون وأفكارنا باقية ما دامت السموات والأرض..

حتى ولو أن هذه الشعارات الرائعة لا تكفي وحدها.. لكن ثق أنها ستلجم لسان أي أحد، ولا تتوقف عن ترديدها كلما سنحت لك الفرصة.

عزيزي القيادي..
على الرغم من أن الله سبحانه عاتب الصحابة في غزوة أُحد بقرآن يُتلى ليوم القيامة، حينما قال "منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة" حتى إن تعليق الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود المُفاجَأ بهذه الحقيقة، قال: "لم أكن أعلم أن بين صحابة النبي من يريد الدنيا إلا بعد أن سمعت هذه الآيات".

بل على الرغم من أن الله سبحانه عاتب أحب خلقه وأشرفهم في مواضع عدة في القرآن الكريم "عبس وتولى" "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم" وعاتبه سبحانه وسط كفار ومنافقين متربصين وألسنتهم حداد.

وعلى الرغم من أن العقل البشري وخاصة علماء الإدارة وصلوا لنهج علمي لإدارة المؤسسات يستحيل أن يستبعد منه محور "التقييم الذاتي للمؤسسة" إذا أرادت المؤسسة أن تخطو خطوة واحدة نحو تطوير أو تغيير أو حل مشكلة.

والتقييم الذاتي المؤسسي (evaluation-self Institutional) كما يعرفه الباحث الفلسطيني إياد الدجني:
هو مجموعة الخطوات الإجرائية التي يقوم بها أفراد المجتمع لتقييم مؤسستهم بأنفسهم استناداً إلى مرجعية معايير الجودة والاعتماد، وذلك من خلال جمع المعلومات والبيانات عن الأداء المؤسسي في الوضع الحالي، ومقارنته بمعاييرالجودة والاعتماد.

وعلى الرغم من أن الدول والشركات والجامعات تهتم بتقارير التقييم ودراسات الفجوة وتحديد المسؤول عنها بل وتمعن في الاعتذار والإعلان عن هذه الأخطاء.

وعلى الرغم من أن هناك ساسة ورؤساء قدموا نقداً لذاتهم ولإدارتهم كما فعل أوباما عندما سئل أن يذكر أحد أخطائه في حوار أجرته معه "سكاي نيوز"، فقال:
إن فشله في الاستعداد لمواجهة ما يحدث في ليبيا بعد انهيار نظام القذافي يشكل أكبر فشل لإدارته خلال فترتي ولايته.

وكذلك اعتراف أردوغان، أن هناك فشلاً وقصوراً مخابراتياً حدث في مواجهة الانقلاب الفاشل، على الرغم من الدور المحوري الذي قام به جهاز المخابرات في إفشال الانقلاب.

إلا أن كل هذا لا يعنيك.. فكل هذه الحالات هي حالات مختلفة عن وضعك الداخلي.. وجميعها وشبيهاتها التي لم أذكرها هي بعيدة تماماً عنك وعن ظروفك الاستثنائية فأنت ومؤسستك وجماعتك أو حزبك.. بدعٌ من البشر، وأنت تسير في الطريق السليم وبخطوات صائبة..

استمر.. استمر ولا تلتفت ولا تعبأ بهذه الأصوات غير الناضجة المتعجلة والتي لا تعلم شيئاً عن بواطن الأمور ولا ترى المشهد بوضوح.. استمر يا سيدي في ما أنت عليه فالنجاح ذاته لا ينتظرك وحسب، ولكنه يهرول إليك هرولة.

المساهمون