نسيان الثقافة.. لم تعد أداة مثلى للدعاية

25 ابريل 2017
(من حملة بنوا هامون، كارمو، قرب تمثال جان جوريس)
+ الخط -

"الثقافة: المنسية من الحملات"؛ هكذا عنونت صحيفة "ليبراسيون" أحد تقاريرها نهاية الشهر الماضي عن مسار الحملات الرئاسية التي تعيش على وقعها فرنسا، في إشارة إلى أن خطاب المرشّحين يغرق في بؤرتين: الأرقام (الاقتصاد) والخطوط الحمراء (الأمن) حتى لو كانوا على طرفي نقيض على المسطرة السياسية؛ من اليمين المتطرّف، حيث مارين لوبان، إلى اليسار الحالم، مع جان لوك ميلونشون، وبينهما من يصنّفون أنفسهم كوسطيين ولكن سنعثر لديهم على الرؤى نفسها مع اختلاف في درجات اللون.

ليست الحالة الفرنسية استثنائية بحال، يمكننا أن نمسح مختلف الحملات الانتخابية التي تعترضنا؛ وعلى رأسها النموذج الأميركي حيث أفرزت صناديق الاقتراع ليس أحد "نساة الثقافة" بل معادياً صريحاً لها. وهكذا بالمقارنة بالتجربة الأميركية، قد تراجع "ليبراسيون" موقفها وتقتنع بأن الثقافة محظوظة في الحملات الرئاسية الفرنسية.

إذن، فالمسألة ليست خاصة بفرنسا، إننا أقرب إلى عملية "تدويل" لنسيان الثقافة، فالفضاء الذي طالما اعتبر بأنه مساحة التواصل الأكثر حيوية؛ حيث الشعراء والفنانون والمفكّرون والكتّاب، بات أقرب إلى غيتو مغلق على نفسه بسبب مسارات التاريخ الحديث، حيث أدخلت التكنولوجيا الجميع إلى الفضاء العمومي وأطلقت وسائل الإعلام وعقيدة الاستهلاك العنان لتعويم الثقافة في الترفيه حتى اختلطت الأمور على الجميع، بمن فيهم السياسيون؛ حاملو أمانة تدبير الشأن العام في بلدانهم، حتى باتت الثقافة لا تحظى بشرف الحضور في الوعود الانتخابية.

ها هي الانتخابات الفرنسية قد صعدت بمرشّحين؛ أحدهما، إمانويل ماكرون، آت مباشرة من دوائر المال، ورغم أنه طرح نفسه كبديل للطبقة السياسية الفرنسية برمّتها إلا أنه لم يحد عن النظرة المنفعية للسياسة، حيث التفت فقط إلى ما يمكن أن يترجم بسرعة إلى أصوات.

أما الثانية، مارين لوبان، فخطابها الشعبوي يبدو أقرب إلى موجة تسميم للفضاء العام من خلال لعبها على ورقة تصنيف المجتمع الفرنسي بين طيّبين وأشرار، وغالباً ما كان إطارها السياسي؛ اليمين المتطرّف، ينظر للثقافة والفن كأدوات دعاية لا كفضاءات تعبير وعناصر مساهمة في التنمية.

كلا المرشّحين سيُطلق في المسافة الأخيرة نحو قصر الإليزيه باقة جديدة من الوعود، لا أحد منهما يُنتظر منه الكثير من التغيير، وإن لوّح بذلك. ثمة خلل عام في جميع الصاعدين إلى أضواء السياسة، وقلّة من يفكّرون في المسألة. المؤكّد أن السياسيين من جهتهم لا يحبّون التفكير في الأمر برمّته، ولن يتركوا الناس يفعلون ذلك بسهولة.

المساهمون