نسبة الاقتراع... التحدّي الرئيسي للانتخابات الإيرانية

26 فبراير 2016
يتجاوز عدد الناخبين الـ54 مليوناً و915 ألفاً (العربي الجديد)
+ الخط -

يتوقع أن تحدّد نسبة إقبال الناخبين الإيرانيين، اليوم، على صناديق الاقتراع، نتائج الانتخابات التشريعية، وانتخابات مجلس خبراء القيادة. ولكل طيف من الأطياف المتنافسة جمهوره الخاص، ولكل تيار سياسي شريحته الاجتماعية التي تدعمه. ومن هذا الباب زادت دعوات عدد من المسؤولين في البلاد للناخبين للتوجه بكثافة لصناديق الاقتراع.

اقرأ أيضاً:"لائحة الأمل": استراتيجية إصلاحيي إيران في السباق الانتخابي

وانطلق كل سياسي من أولويات محددة، تم اختبارها خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ يذكّر المشهد الراهن بما كان عليه الوضع قبل أكثر من عامين. حين كانت المرة الأولى التي ينجح فيها السياسيون في إقناع الناخبين، خصوصاً في المدن الكبرى، بالاقتراع بكثافة، وهذا إبان حصول فجوة من عدم الثقة لدى البعض في الشارع، والتي نتجت عن احتجاجات عام 2009، على أثر تشكيك مناصري المرشح الرئاسي الإصلاحي مير حسين موسوي، بنزاهة عملية فرز الأصوات التي أسفرت عن فوز منافسه المحافظ محمود أحمدي نجاد بدورة رئاسية ثانية.

ويبلغ عدد سكان إيران 79 مليون نسمة تقريباً، ويبلغ عدد من يحق لهم الاقتراع في هذين الاستحقاقين الانتخابيين 54 مليوناً و915 ألفاً و24 شخصاً، بحسب ما أعلنت هيئة الانتخابات العامة ووزارة الداخلية الإيرانية. تتوزع غالبيتهم على المدن الكبرى.

تحتل محافظة طهران المرتبة الأولى، من حيث عدد قاطنيها من السكان، ويبلغ عدد من يحق لهم الاقتراع فيها ثمانية ملايين و475 ألفاً. تليها محافظة خراسان رضوي، في الشمال الشرقي، بعدد أربعة ملايين و420 ألفاً، ومن بعدها خوزستان، جنوباً، بما يزيد عن ثلاثة ملايين، ثم أصفهان وفارس، فأذربيجان الشرقية. يتوجه الناخبون في هذه المحافظات إلى الدوائر الانتخابية الأقرب إليهم لوضع أصواتهم في 130 ألف صندوق اقتراع موزّعة في مختلف المناطق. ويشرف عليها مراقبون تابعون لوزارة الداخلية وهيئة الانتخابات العامة ولجنة صيانة الدستور، فضلاً عن مراقبين آخرين تابعين للأحزاب والتيارات المتنافسة، فيما يتولى مهمة حفظ الأمن 250 ألف عنصر تابعين للشرطة الإيرانية.

وأجرت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية استطلاع رأي، نشرته أمس الخميس، جاء فيه أن أكثر من 60 في المئة ممّن يمتلكون حق الاقتراع سيشاركون في هذين الاستحقاقين. وذكر رئيس مركز الدراسات والتحقيقات التابع لهذه الهيئة جعفر عبد الملكي، لوكالة أنباء "فارس"، أنه من المتوقع أن تصل نسبة المشاركة إلى 70 في المئة.

وجاء في الاستطلاع أن 79.6 في المئة من المواطنين مهتمون بالشعارات والعناوين الاقتصادية التي استخدمها المرشحون في الدعاية الانتخابية، ما يعني أن أصواتهم ستذهب لمن قدم برنامجاً اقتصادياً دقيقاً لحل مشاكلهم. كما أظهر استطلاع الرأي تقدم المحافظين في مختلف المناطق باسثناء مدينة طهران، ولم تذكر فيه أي تفاصيل أخرى تتعلق بالعاصمة.

وأشار الاستطلاع نفسه إلى أن 67 في المئة من الإيرانيين تلقوا الدعاية الانتخابية للمرشحين عبر التلفزيونات والقنوات المحلية. وحلت المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ثانياً، فيما قال 4 في المئة فقط إنهم تلقوا أخبارهم المتعلقة بهذا الشأن عبر القنوات الأجنبية.

ولوحظ خلال الأيام الأخيرة تكثيف التصريحات الموجهة للناخبين الإيرانيين والتي دعتهم لمشاركة أكبر في العملية الانتخابية، كما ركز عدد كبير من المسؤولين على ضرورة الوقوف بوجه ما وصفوه بمحاولات الغرب لاختراق إيران، وتخريب انتخاباتها.

وكان المرشد الأعلى علي خامنئي، في مقدّمة هؤلاء، إذ قال، يوم الأربعاء، إنه يجب الوقوف بوجه من يريد الترويج بأن في إيران برلمان مع الحكومة أو برلمان ضدّ الحكومة، ولا يجب قبول فكرة أن هناك قطبين مختلفين ومتباعدين، ويتصارعان في الداخل الإيراني.

واعتبر أن بعض الجهات ترى أن المشاركة في العملية الانتخابية بلا معنى أو هدف، ويعمل هؤلاء على الترويج لهذه الصورة، وكل هذا بغرض إضعاف البلاد، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لطالما أصدرت تصريحات من هذا القبيل، لكنها لم تبد وجهة نظر هذه المرة، في وقت توجد فيه جهات أخرى مرتبطة بها تمارس السياسات ذاتها، داعياً الإيرانيين للحذر منها، ولإفشال هذه المخططات، على حدّ تعبيره.

من جهته، رأى رئيس البرلمان الحالي علي لاريجاني، أن مشاركة الناخبين سترفع من مستوى إيران أمام دول العالم، مضيفاً أن الأطراف الخارجية ووسائل إعلامها ترصد الانتخابات وتطوراتها وتتعامل معها كملف حساس، معتبراً أن ارتفاع نسب المشاركة يعني تجنب كل ما يرمون إليه.

كما واظب الرئيس الإيراني حسن روحاني على إصدار تصريحات مستمرة ومكررة خلال الفترة الأخيرة، تتعلق بأهمية مشاركة الناخبين الإيرانيين، معلناً عن جعمه بشكل علني توجهات ما يسمى تيار "الاعتدال"، وكانت آخر خطواته في هذا الشأن، إرسال رسالة نصية على خطوط الهواتف المحمولة لكل المواطنين الإيرانيين، موقعة باسم الرئيس، قال لهم فيها إن "البلاد اليوم بحاجة لأصواتكم، لنرسم مستقبلاً مليئاً بالأمل لإيران".

وأبدى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، مواقف شبيهة بتلك التي تبناها روحاني إزاء الانتخابات، مع الإشارة إلى أنه وروحاني من المرشحين الأقوياء في انتخابات الخبراء. ووجه رفسنجاني دعوته للإيرانيين قائلًا إنه عليهم الوقوف بوجه من يريد تفرقتهم، مضيفاً أن المواطن الذي لا يريد "الإفراط والتفريط" عليه التوجه نحو صناديق الاقتراع.

ورغم استبعاده من قبل لجنة صيانة الدستور من انتخابات مجلس الخبراء، دعا حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني، لعدم مقاطعة الانتخابات في سبيل تحقيق مستقبل أفضل لشباب إيران.

وتحمل جميع هذه التصريحات بين طياتها رسائل سياسية لكل طيف على حدة. لكن اللافت كان ما كتبه محمد تقي كروبي، على صفحته على موقع "فيسبوك"، وهو نجل المرشح الرئاسي الإصلاحي السابق مهدي كروبي، والذي يخضع للإقامة الجبرية حاليا نتيجة لدعمه احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009.

ذكر كروبي الابن أن والده راغب بالمشاركة في هذا الاستحقاق الانتخابي، وينوي التصويت فيه، ناقلاً عن لسانه أنه ورغم المشاكل التي تعاني منها البلاد، فإن تحقيق مصلحة إيران والحفاظ على جمهوريتها يستدعي إدلاءه بصوته.

وقد علّق رئيس هيئة الانتخابات العامة محمد حسين مقيمي، على إمكانية مشاركة من يخضعون للإقامة الجبرية بالاقتراع، قائلاً إنّه من الممكن أخذ الصناديق لأماكن إقامتهم.

وفي السياق، نقل موقع "كلمة"، المحسوب على الحركة الخضراء، بياناً لبنات زعيم الحركة مير حسين موسوي وزوجته الخاضعات للإقامة الجبرية، قلن فيه إنهن سيشاركن في الاقتراع بهدف تحسين الظروف في البلاد.

يبقى التحدي الأكبر في هذه الانتخابات في حضور المقترعين الموالين للإصلاح وما يسمى بـ"الاعتدال" بكثافة، لأن من شأنه أن يحسم الأمور لصالح  تركيبة برلمان معتدل من الجولة الأولى للانتخابات التشريعية. وفي المقابل، لا يجب الاستهانة بالجمهور الداعم للتوجه المحافظ، والمتمركز في القرى والأرياف، أكثر من المدن الكبرى.

اقرأ أيضاً: 3 أيام للانتخابات التشريعية الإيرانية... لوائح مركّبة وشعارات اقتصادية

المساهمون