نساء يتقدّمن حَمَلة النياشين

03 مايو 2019
+ الخط -
بلا نياشين أو نجوم مصفوفة على الصدر، وبلا سيوف أو صقور معلقة على الأكتاف. بلا بزّة عسكرية مزركشة بالميداليات، ومن دون تحية عسكرية ومراسم احتفالية، تسلمت بيني موردونت (46 عاما) وزارة الدفاع البريطانية خلفا للمُقال غافين ويليامسون، بعد تحقيقات بشأن تسريب الأخير معلوماتٍ تخص الأمن القومي البريطاني. تسلمت السيدة الأنيقة مفاتيح وزارة تتولى قيادة واحدٍ من أعتى الجيوش في العالم، بابتسامة تطغى في قوتها على كشرة جنرالاتٍ يعود تاريخ آخر حروب خاضوها خارج الحدود إلى عصر ما قبل اختراع البارود.
السيدة الأولى بحق، لأنها أول سيدة تحمل حقيبة الدفاع في تاريخ بريطانيا، ستتولى مهام تشمل العمليات الاستراتيجية وعضوية مجلس الأمن القومي في المملكة المتحدة، وتعد أيضاً مسؤولة عن خطط الدفاع والنفقات، بجانب الشراكات الاستراتيجية مع حلفاء بريطانيا في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وستكون موردونت مسؤولة أيضا عن العمليات والسياسات المرتبطة بترسانة الأسلحة النووية البريطانية.
وبقدر ما تبدو وزيرة الدفاع البريطانية الجديدة ناعمة في مظهرها وطلتها، إلا أنها صلبة وحديدية في مواقفها، ومؤيدة قوية لاستخدام القوة الخشنة. وبوصفها نائبا عن حزب المحافظين في مجلس العموم منذ تسع سنوات، صوتت دائما لصالح تدخل قوات بلادها خارج الحدود، إذ صوتت في العام 2010 لصالح بقاء انتشار القوات البريطانية في أفغانستان، وصوتت في 2011 لصالح فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، كما أيدت توجيه القوات البريطانية ضربات جوية للمجموعات الإرهابية في العراق (2014) وفي سورية (2015). ويبدو أن السيدة موردونت تشربت القسوة في أثناء عملها إلى جانب الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، عندما كانت مكلفة بالعلاقات مع الصحافة الأجنبية خلال حملته للانتخابات الرئاسية عام 2000.
لم تأت وزيرة الدفاع البريطانية الجديدة إلى وزارة الدفاع من ثكنة عسكرية، مع أنها خدمت في سلاح البحرية، ولا تزال على مرتبة الاحتياط، بل جاءت من وزارة المرأة والمساواة التي تولت مسؤولياتها في إبريل/ نيسان الماضي 2018. لم يستفز تعيينها على رأس وزارة الدفاع "رجولة" رجال القوات المسلحة البريطانية، ولم يعترض أيٌّ منهم على هذا التعيين، ذلك أن منصب وزير الدفاع في الدول المدنية منصب مدني، لا يختلف عن وزير الصحة أو التعليم أو الزراعة... إلخ.
لن تشعر وزيرة الدفاع البريطانية بالعزلة أو الوحشة في اجتماعات أقوى الأحلاف العسكرية في العالم، حلف الناتو، ذلك أن وزيرات أخريات سبقنها الى ذات المنصب، منهن وزيرات الدفاع لفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وهولندا، وسلوفينيا، وألبانيا. ولا تمتاز دول أوروبا، أو تتميز، بتكليف وزارة الدفاع لنساء، إذ إن نساء في بلدان الجنوب شغلن هذا المنصب أو يشغلهن كذلك، منهن الشيخة حسينة واجد، رئيسة وزراء بنغلادش التي تناوبت على منصبي رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع مع منافستها خالدة ضياء. كما حملت رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة، بينظير بوتو، حقيبة الدفاع إلى جانب رئاسة الحكومة في بلادها. وتحمل حقيبة الدفاع في المالديف ماريا ديدي التي تترأس مجلس الدفاع المالديفي المسؤول عن تأمين خفر السواحل المالديفية، الممر الدولي الرئيس والاستراتيجي لكل من الهند والصين. وربما يصل عدد اللواتي يتولين حقائب الدفاع حول العالم راهناً إلى 20 وزيرة، ليست بينهن وزيرة عربية، وبينهن وزيرة الدفاع الإثيوبية عائشة محمد موسى التي تولت منصب وزارة دفاع بلادها في أكتوبر/ تشرين الثاني الماضي، كأول امرأة مسلمة تتولى هذا المنصب في تاريخ بلادها.
وزيرة الدفاع البريطانية بيني موردونت، ونظيراتها، لم يولدن من "ضلع أعوج"، ولسن "قاصرات" أو "ناقصات عقل ودين"، بل هن نساء قويات، عملن بجد واجتهاد لكسر سقف الزجاج، واختراق ميادين ظلت سنوات طويلة حكراً على الرجال. هن إناث، أمهات، ربات بيوت، يحملن حقائب "غوتشي" و "شانيل"، ولكنهن يحملن أيضاً حقائب وزارية مسؤولة عن حماية حدود بلدانهن، والدفاع عن المصالح الاستراتيجية لشعوبهن.
دلالات
AE03ED80-FBD8-4FF6-84BD-F58B9F6BBC73
نواف التميمي
أستاذ مساعد في برنامج الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا منذ العام 2017. حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة غرب لندن في المملكة المتحدة. له ما يزيد عن 25 سنة من الخبرة المهنية والأكاديمية. يعمل حالياً على دراسات تتعلق بالإعلام وعلاقته بالمجال العام والمشاركة السياسية، وكذلك الأساليب والأدوات الجديدة في توجيه الرأي العام وهندسة الجمهور.