أيسلندا تفرض قانون مساواة الأجور
في بداية العام الماضي، 2018، وصلت قضية المساواة بين الرجل والمرأة، وخصوصا في خفض الأجور، بدولة أيسلندا حد فرض قانون ملزم للشركات وأماكن العمل، الخاصة والعامة، بإثبات أنها لا تفرق في رواتب الرجال والنساء. وفوق ذلك فرض قانون المساواة على الشركات التي لديها أكثر من 25 موظفا أن تكون لديها شهادة تشير إلى انتهاجها سياسة "مساواة الأجور".
الدولة الصغيرة، الواقعة إلى أقصى الشمال الغربي لبحر الشمال، تجاوزت دولا مجاورة وعريقة في كفاح المرأة للوصول إلى مساواة في دول الشمال، كالسويد والدنمارك وفنلندا. فعلى الرغم من تقدم المساواة في دول الشمال، إلا أنها ما زالت بعيدة عن تبني نموذج أيسلندا بشأن فرض مساواة الأجور وفرض كوتا نسائية بنسبة 40 في المائة في مجالس إدارات الشركات التي يتجاوز عدد موظفيها 50 موظفا.
وزير المساواة في الحكومة الأيسلندية، ثورستين فيغلوندسون، ردّ في الصحافة الاسكندنافية على الانتقادات التي وجهت لحكومته لفرضها المساواة إجباريا وبيروقراطيا، بالقول إن "فوارق الأجور للأسف أمر واقع في سوق العمل الأيسلندي، وعليه فبدل التركيز فقط على الشركات في ما يخص حساباتها ودفع الضرائب، فقد اضطررنا لانتهاج أساليب جذرية لمواجهة هذه الفروق".
وعلى الرغم من أن دول الشمال تحتل مرتبة متقدمة في تقييم دراسة البنك الدولي لناحية المساواة، فهي ركزت على معايير تتعلق بالتشريعات المتعلقة بالزواج والاستقلالية الاقتصادية للسيدات وحق التصرف برواتبهن، والحرية الكاملة في مجالات اتخاذ قراراتها المستقلة في الانتقال وفي إجازة الأمومة والتقاعد المستقبلي، إلا أن سجالا آخرا يدور، مثلا في الدنمارك، التي منحها التقرير المشار إليه مع بلجيكا وأربع من الدول الأخرى مرتبة متقدمة جدا، حول غياب المساواة التامة في مجالات عديدة، وأهمها في المناصب.
بالنسبة للباحثة الدنماركية في مركز المساواة بجامعة روسكيدا، كارين شوريب، فإنه ورغم الإيجابيات الواردة في تقرير البنك الدولي: "ما زلنا في وضع غير جيد بالنسبة لتمثيل المرأة، ففي مجالس البلديات لا تحتل النساء سوى 33 في المائة من عدد مقاعد المجالس تلك، هذا إلى جانب مجالس أخرى في المدارس وقطاع رياض الأطفال، إذ من المهم أن يكون هناك توازن تمثيلي لتشارك المرأة في اتخاذ القرارات على قدم المساواة مع الرجال، هذا بالإضافة إلى مناصب قيادية في القطاع الخاص".
تدرج تاريخي
تذكر الباحثة الدنماركية ميريتا آبسن، لـ"العربي الجديد"، وهي تفصل في التطور التاريخي لوضع المرأة الدنماركية والاسكندنافية، أن "الأمر أخذ 150 عاما من الكفاح لفرض مفهوم المساواة الذي ظل لقرون يلقى معارضة في المجتمع الذكوري". وتفيد آبسن، وهي تشغل أيضا منصب مديرة متحف المرأة في الدنمارك، بأن "منح المرأة حق التصويت في التعديل الدستوري في 1915 اعتبر علامة فارقة في التوجه نحو المساواة". ومن الجدير ذكره أن أقدم نقابة نسوية أوروبية سجلتها كوبنهاغن على يد رجل سياسي هو فردريك باير وزوجته ماتيلدا باير، في عام 1875، وركزت بالخصوص على حق التعليم وارتياد الجامعات والثانويات.
التركيز على الحق الدستوري بالتصويت تراه النساء في البلد قضية أساسية، هو ما توضحه الباحثة آبسن لـ"العربي الجديد"، "باعتباره منطلقا للمشاركة النسائية في اتخاذ القرارات وتخطيط السياسات، بكافة المستويات الاجتماعية في البلد".
وفي السياق، تذكر الباحثة والناشطة النسوية في متحف المرأة في مدينة آرهوس، يوهنا نيلسن، أن "نضال الحركة النسوية للمشاركة يعتبر أكبر الانتصارات، لأنه أساس لكل ما يمكن تحقيقه من مساواة مستقبلية". وتضيف نيلسن لـ"العربي الجديد"، أن "المسألة لا تتعلق فقط بالتصويت والسياسة، بل بإنهاء خرافة وأساطير ذكورية كانت تعتبر المرأة غير قادرة على المشاركة في الحياة العامة والمشاركة بالقرارات، لأنهم اعتبروها عاطفية ولديها مهمة واحدة تتمثل في أن تكون زوجة وأماً فقط لا غير".
المرحلة المفصلية في كفاح السيدات الدنماركيات نحو المساواة كانت في الفترة التالية لإعادة الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية. وعن ذلك، تذكر السيدة لوتا يوهانسن، (78 سنة)، وهي ناشطة نسوية، أن "فترة الستينيات شهدت إنهاء خرافة أن المرأة في بلدنا تخرج من العمل بمجرد زواجها، لكن مؤسسات القطاع العام فرض عليها، بنضال نقابي، أن تتوقف عن تطبيق ذلك، وغيرت من نهجها وباتت المرأة تحصل على حق إجازة الأمومة، واخترقت السيدات مجالات عمل كانت محسوبة فقط للذكور".
وتذكر الباحثة ميريتا آبسن أن "فترة السبعينيات كانت إضافة نوعية في انطلاق تجمع النساء ذوات الجوارب الحمراء للمطالبة بحق الإجهاض والمساواة التامة في الأجور والمساواة في الأدوار بين الجنسين، وأهمية تلك الحركة أنها اعتبرت انطلاقة لمعركة جندرية أثمرت الكثير من الحقوق".
كفاح مستمر للمساواة
بحسب أرقام رسمية صادرة عن "الإحصاء الأوروبي"، يوروستات، فإن متوسط الملتحقين بسوق العمل، بين سن 15 و64 عاما، في دول الاتحاد الأوروبي تصل إلى 71 في المائة. وتحتل السويد بنسبة تفوق 81 في المائة بقية دول الاتحاد، فيما تحتل أيسلندا موقعا متقدما، فنسبتها أكثر من 87 في المائة مع سويسرا التي تصل النسبة فيها إلى أكثر من 83 في المائة من خارج الاتحاد. وفي جنوب القارة تراوح النسب بين 60 و70 في المائة، كإسبانيا وإيطاليا وكرواتيا واليونان.
ووفقا لأرقام أوروبا، فإن متوسط نسبة مشاركة النساء في سوق العمل الأوروبي تصل إلى نحو 65.3 في المائة. وتسعى الدول الأعضاء بحلول عام 2020 إلى جعل النسبة، من خلال إجراءات تعزز المساواة بين الجنسين، تصل إلى 75 في المائة للإناث بين 20 و64 عاما.
الحركة النسوية الأوروبية، التي فرض كفاحها، على سبيل المثال، في العاصمة الألمانية برلين أن تكون الأولى بين 16 ولاية ألمانية لاعتبار اليوم العالمي للمرأة في 8 مارس/آذار بدءا من العام الحالي 2019 "عطلة رسمية"، لا تزال تجد نفسها في فجوة مساواة مع الرجل. ففي ما يتعلق بالأجور، سجل العام 2017 فروقا وصلت في المتوسط إلى 16.3 في المائة أقل من الرجال، هذا إلى جانب أن نساء أوروبا يتلقين رواتب تقاعدية أقل من الذكور بكثير، بحسب تقرير أوروبي متخصص في العام الماضي، 2018.
ووفقا لتقرير أوروبي رسمي صدر في "يوم مساواة الأجور" السنوي في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، سجل في المقابل تقدم في أوضاع المرأة الأوروبية في مجال الالتحاق بالتحصيل العلمي، إذ سجل 2016 لوحده التحاق وإنهاء 33 في المائة من إناث الاتحاد الأوروبي دراسات جامعية، فيما النسبة وصلت إلى 29 في المائة لدى الذكور.
الرقم الإيجابي لم ينف أيضا أن النساء كن أقل بمقدار 11.6 في سوق العمل في دول الاتحاد الأوروبي. هذا إلى جانب أنها لم تصل إلى مساواة في احتلال مناصب كبيرة في كبريات الشركات، حيث كانت النسبة في عضوية مجالس الإدارات 1 من كل 14 و1 من 20 في مناصب مديرين إداريين.
ومنذ نوفمبر/تشرين الثاني، والمفوضية الأوروبية تسعى إلى تنفيذ مشروعها الخاص بـ"الحقوق الاجتماعية" لتعزيز المساواة بين الجنسين في ما يخص المسؤولية الأسرية، وتعزز مع مطلع العام الحالي 2019 السعي نحو مساواة بين الجنسين في ما يتعلق بإجازة الأمومة، لإعطاء الرجال حقا مماثلا للمرأة بالإجازة ليتعاون الطرفان في رعاية المواليد الجدد. وهو أيضا ما دفع المفوضية إلى الدفع بحزمة قوانين وإجراءات تحت عنوان "تحسين التوازن بين العمل والحياة الخاصة". ويشمل ذلك ليونة أكبر لحماية حقوق الآباء والأمهات لأخذ إجازة رعاية أطفالهم، بترتيبات مرنة للعودة إلى سوق العمل.