جميلات هنّ هؤلاء الكرديات اللواتي يقاتلن تكفيريّي تنظيم "الدولة الإسلاميّة". حقيقة لا شكّ فيها، ويكثُر التغنّي بهنّ وببسالتهنّ الاستثنائيّة. وهنّ أهل للامتداح.
لكن، ثمّة حقيقة أخرى يغفل عنها كثيرون أو أنهم لا يدركونها.. ببساطة. حقيقة جعلت الصحافيّة البريطانيّة آيلين ماكدونالد "تُفتَن" بنساء يُشبهنَ إلى حدّ ما كرديات "كوباني"، في استماتتهنّ في الدفاع عن أرضهنّ وهويتهنّ. فالتقت بمجموعة منهنّ وجمعت مقابلاتها في كتاب عنونته: "أطلق النار على النساء أولاً".
في تمهيد كتابها، تقتبس ماكدونالد عن الشاعر والقاص البريطاني روديارد كيبلينغ بعض ما جاء في إحدى قصائده، إذ قال: "عندما يقابل فلاح الهيمالايا دباً في جبروته، فإنه يصرخ ليخيف الوحش الذي غالباً ما يتنحّى. لكن الدبّة التي تُعامَل بالطريقة نفسها تمزّق الفلاح بأظافرها وأسنانها، لأن الأنثى من هذا النوع أشرس بكثير من الذكر".
المرأة الشرسة والمقاتلة والمدافعة عن حقوقها ووجودها، حقيقة أيضاً. هي امرأة تماماً كغيرها من النساء. حقيقة أرادت ماكدونالد أن تنشرها، في محاولة لتصويب أفكار مسبقة أُنزِلت على نساء اعتبرهنّ كثيرون "إرهابيات".
في أول تسعينيات القرن الماضي، وضعت آيلين ماكدونالد كتابها، وقد أرادت تبيان أن نساء الانتفاضة الفلسطينيّة والجيش الجمهوري الإيرلندي (إيرا) ومنظمة وطن الباسك والحريّة (إيتا) وغيرهنّ، هنّ نساء قبل كل شيء. ولأنهنّ كذلك، أبدَين جرأة أكبر من الرجال الذين قد يتردّدون لحظات قبل إطلاق النار، بعكسهنّ.
بغضّ النظر عن رأي كل واحد بأحقيّة قضايا هؤلاء النساء، وبعيداً عن تقييم أعمال العنف والإرهاب، إلا أن المرأة وبعكس ما يُشاع، ليست أقل عدوانيّة من الرجل. فهي وإن كانت أقلّ خطورة منه (نسبة الجرائم الأكبر حول العالم يرتكبها رجال)، إلا أنها تستطيع أن تكون بالعدوانيّة نفسها. ودراسات نفسيّة واجتماعيّة عدّة تناقش هذا الأمر منذ سبعينيات القرن الماضي.
قد تكون كذلك، إذا ما أدركت أن ثمّة تهديداً لها أو لأرضها أو لأولادها أو لما ترتبط به عاطفياً. والنساء اللواتي تناولتهنّ آيلين ماكدونالد في كتابها، خير دليل. فهنّ غضبن وأصبحن عدوانيات أو عنيفات أو سمّها ما شئت، وقد شعرن بتهديد لأرضهنّ ووجودهنّ وهويتهنّ بشكل خاص. وهذا أمر أدركه المعنيّون. فكان "أطلق النار على النساء أولاً"، أحد التعليمات التي تلقتها فرق شرطة أوروبيّة متخصّصة في مكافحة الإرهاب.
قد نستغرب اليوم قتال الكرديات، اللواتي لا يخرجن من لوحات الإعلانات.. لكنهنّ نساء وجميلات غضبنَ ليدافعنَ عن شرفهنّ، ليس إلا.