05 سبتمبر 2019
نحو بناء عادل للعلاقات المجتمعية
عبد الحق مفيد
شاعر وكاتب مهتم بالبحث والكتابة. يؤمن بمقولة محمود درويش القائلة: "إذا كان ماضيك تجربة؛ فاجعل الغد معنى ورؤيا/ لنذهب... لنذهب إلى غدنا واثقين"
هل الإنسان العربي لا ديمقراطيا بالفطرة، وهل التسلط قدر عربي؟ لم تصل أي من الثورات العربية إلى بناء مجتمع ديمقراطي. وفي كل لحظة تاريخية يتم تحوير نضال الشعب، إما إلى حكم عسكري مطلق أو إلى حكم فردي يقوم بقتل الحريات وخنق المعارضة. حدث ذلك بعد حصول الدول العربية على استقلالها، ويحدث الآن، سواء في موجة الربيع العربي الأولى التي ما زالت تجرّ تعثراتها وويلاتها في سورية واليمن وليبيا، أو الموجة الثانية في الجزائر والسودان.
وبإطلالة سريعة على ما وقع في المعسكر الشرقي بعد سقوط جدار برلين، وهبوب رياح التغيير على المنطقة، وكيف استطاعت تلك الدول التحول من حكم الحزب الواحد نحو التعددية السياسية بأقل الخسائر، لا نملك إلا التحسر على ما يقع في منطقتنا العربية. صحيح أن حروبا نشبت وتطهيرا عرقيا حدث في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو، ولكن الأمور نحت نحو التهدئة والحل، وتمت حلحلة الأمور في إعطاء الحكم للأغلبية مع ضمان حقوق الأقلية.
في حوار مع صديقي ستيفان، وهو سويسري، سألته عما ينقص الدول العربية للعبور بأمان نحو الديمقراطية، فكان جوابه "إنها ليست قرارا سياسيا يتم التأشير عليه من فوق، ولكنها تفاعل يكون بين القمة والقاعدة، وهي أيضا تنشئة اجتماعية وسلوك يجب أن يتخلل جميع مظاهر الحياة". وأعطاني مثالا عن الأسرة متسائلا: "هل الآباء ديمقراطيون مع أبنائهم؟ بمعنى هل يتركونهم أحرارا في اختياراتهم؟ خذ وضعية المرأة مثلا داخل مجتمعاتكم! يبدو لي أن الرجال هم من يقررون".
إن طفلا نشأ في جو تكون فيه سلطة الأب مطلقة مع غياب تام لرأي الأم، لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مع المساواة بين المرأة والرجل. إن التكنولوجيا تغزو كل الأماكن، وهناك تقدم في كل مناحي الحياة، إلا أن العقليات لا تتحرك، وإن فعلت فليس بالقدر الكافي.
وعلى اعتبار أن لا شيء يوجد خارج اللغة، وأنها مسؤولة عن بناء التصورات، فنجدها هي أيضا تمتح من بناء مختل وغير عادل للعلاقات، فهناك الخاصة وخاصة الخاصة، وهناك العامة وعامة العامة، وحتى الرعاع، فهل يمكن أن ننتقل إلى معالجة هذه المصطلحات لغويا ومسحها من القواميس نهائيا لأنها تكرس نمطا متخلفا من العلاقات؟ بل إنها تنحو نحو امتهان كرامة الإنسان والحط منها.
وبالعودة إلى العلاقة بين الناس، فهي بعيدة عن أن تكون ديمقراطية أو تنم عن أي قدر من المساواة، فإما أن تكون قاهرا أو مقهورا، بل تبقى هندسة العلاقات عمودية وفيها تراتبية، فهذا فوق وهذا تحت. في حين تمتاز في المجتمعات الديمقراطية بأفقيتها، فالناس يتجاورون في بناء أفقي، لا يفترض أن هناك من هو فوق ومن هو تحت، مما يغيب معه أي تسلط أو شطط.
السبيل إلى تصحيح هذا التصور العمودي للعلاقات هو في إعادة تشكيله وبناء تصور أفقي بدلا عنه في عقلية الأفراد، حينها لن ينظر أي شخص بتعالٍ لشخص آخر ولن يشعر آخر بدونيّته، بل سنكون في مجتمع نتبادل فيه الأدوار، وليس هناك من هو في أعلى عليين أو من هو في أسفل سافلين، وقيمة الشخص سوف تحدد انطلاقا من إخلاصه وإيمانه بالدور الذي يقوم به وكيفما كان.
الربيع العربي، وحتى إن تمكّن من قلب الأنظمة وإحلال أنظمة أخرى محلها، وحتى لو قمنا بانتخابات حرة واحترام اختيار الشعب، والذي يبقى في كل الأحوال ضروريا، فإننا لن نعبر للتعددية والديمقراطية والحرية مع سيادة القانون، إذا لم نقم بمناهضة التخلف والتسلط في مفاصل الحياة وفي عقليات الناس وتنشئتهم وخلخلة التصورات عن علاقة المواطن بذاته ومع الآخرين.
وبإطلالة سريعة على ما وقع في المعسكر الشرقي بعد سقوط جدار برلين، وهبوب رياح التغيير على المنطقة، وكيف استطاعت تلك الدول التحول من حكم الحزب الواحد نحو التعددية السياسية بأقل الخسائر، لا نملك إلا التحسر على ما يقع في منطقتنا العربية. صحيح أن حروبا نشبت وتطهيرا عرقيا حدث في كل من البوسنة والهرسك وكوسوفو، ولكن الأمور نحت نحو التهدئة والحل، وتمت حلحلة الأمور في إعطاء الحكم للأغلبية مع ضمان حقوق الأقلية.
في حوار مع صديقي ستيفان، وهو سويسري، سألته عما ينقص الدول العربية للعبور بأمان نحو الديمقراطية، فكان جوابه "إنها ليست قرارا سياسيا يتم التأشير عليه من فوق، ولكنها تفاعل يكون بين القمة والقاعدة، وهي أيضا تنشئة اجتماعية وسلوك يجب أن يتخلل جميع مظاهر الحياة". وأعطاني مثالا عن الأسرة متسائلا: "هل الآباء ديمقراطيون مع أبنائهم؟ بمعنى هل يتركونهم أحرارا في اختياراتهم؟ خذ وضعية المرأة مثلا داخل مجتمعاتكم! يبدو لي أن الرجال هم من يقررون".
إن طفلا نشأ في جو تكون فيه سلطة الأب مطلقة مع غياب تام لرأي الأم، لا يمكن أن يكون ديمقراطيا، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون مع المساواة بين المرأة والرجل. إن التكنولوجيا تغزو كل الأماكن، وهناك تقدم في كل مناحي الحياة، إلا أن العقليات لا تتحرك، وإن فعلت فليس بالقدر الكافي.
وعلى اعتبار أن لا شيء يوجد خارج اللغة، وأنها مسؤولة عن بناء التصورات، فنجدها هي أيضا تمتح من بناء مختل وغير عادل للعلاقات، فهناك الخاصة وخاصة الخاصة، وهناك العامة وعامة العامة، وحتى الرعاع، فهل يمكن أن ننتقل إلى معالجة هذه المصطلحات لغويا ومسحها من القواميس نهائيا لأنها تكرس نمطا متخلفا من العلاقات؟ بل إنها تنحو نحو امتهان كرامة الإنسان والحط منها.
وبالعودة إلى العلاقة بين الناس، فهي بعيدة عن أن تكون ديمقراطية أو تنم عن أي قدر من المساواة، فإما أن تكون قاهرا أو مقهورا، بل تبقى هندسة العلاقات عمودية وفيها تراتبية، فهذا فوق وهذا تحت. في حين تمتاز في المجتمعات الديمقراطية بأفقيتها، فالناس يتجاورون في بناء أفقي، لا يفترض أن هناك من هو فوق ومن هو تحت، مما يغيب معه أي تسلط أو شطط.
السبيل إلى تصحيح هذا التصور العمودي للعلاقات هو في إعادة تشكيله وبناء تصور أفقي بدلا عنه في عقلية الأفراد، حينها لن ينظر أي شخص بتعالٍ لشخص آخر ولن يشعر آخر بدونيّته، بل سنكون في مجتمع نتبادل فيه الأدوار، وليس هناك من هو في أعلى عليين أو من هو في أسفل سافلين، وقيمة الشخص سوف تحدد انطلاقا من إخلاصه وإيمانه بالدور الذي يقوم به وكيفما كان.
الربيع العربي، وحتى إن تمكّن من قلب الأنظمة وإحلال أنظمة أخرى محلها، وحتى لو قمنا بانتخابات حرة واحترام اختيار الشعب، والذي يبقى في كل الأحوال ضروريا، فإننا لن نعبر للتعددية والديمقراطية والحرية مع سيادة القانون، إذا لم نقم بمناهضة التخلف والتسلط في مفاصل الحياة وفي عقليات الناس وتنشئتهم وخلخلة التصورات عن علاقة المواطن بذاته ومع الآخرين.
عبد الحق مفيد
شاعر وكاتب مهتم بالبحث والكتابة. يؤمن بمقولة محمود درويش القائلة: "إذا كان ماضيك تجربة؛ فاجعل الغد معنى ورؤيا/ لنذهب... لنذهب إلى غدنا واثقين"
عبد الحق مفيد
مقالات أخرى
23 اغسطس 2019
14 اغسطس 2019
08 اغسطس 2019